بدأت HBO ببث مسلسل Westworld عام 2016. المسلسل مقتبس عن فيلم خيال علمي يحمل ذات الاسم وصادر عام 1973، وفيه نتعرف إلى نسخة شديدة الواقعيّة من الغرب الأميركي، لنكتشف لاحقاً أنه ليس إلا لعبة تحوي نسخاً من البشر، يفرغ فيها المواطنون الحقيقيون رغباتهم للأقصى. المسلسل الذي صدر موسمه الثاني عام 2018، والثالث هذا العام، يطرح أسئلة عن الطبيعة البشريّة والعلاقة بين النسخة والأصل، والأهم رحلة البحث عن الوعي، وهل هو حصر في البشر، أم كل من يمتلك ذاكرة؟
لا يمكن الحديث عن الموسم الأخير من المسلسل من دون متابعة المواسم الأولى. نحن أمام طبقات من الحكايات التي تمتد على طوال كل موسم نكتشف فيها كل مرة حقيقة خفيّة، أولاها ترتبط بالوعي: كيف ندرك ماهيتنا وذواتنا؟ الإجابة عن هذا السؤال متاهة حرفيّة ومجازيّة في المسلسل. دولوريس، أول من وعت بأنها نسخة، تخوض في العالم "المصطنع" مجموعة من المغامرات والصراعات لتكتشف أنها نسخة، مع ذلك هي ليست أقل بشرية من الأصل ومن صناعها، الذين يعيدون ترميمها ومسح ذاكرتها في كلّ مرة تتعرض للأذى من قبل "اللاعبين"، لكن ومضات الذاكرة المتراكمة تتحول نهاية إلى "وعي"، تسعى إثره إلى امتلاك ذاتها ومصيرها، كأيّ بشريّ.
يحتاج المسلسل إلى متابعة دقيقة ومتأنّية لملاحقة تداخل الحكايات ومستويات اللعب ضمنه، خصوصاً أننا في الموسم الثالث ننتقل إلى "الخارج"، إذ تقرر دولوريس الانتقام من البشر، ومن صناع "العالم الغربي" بأكملهم، أي تدمير البشريّة، وهنا نكتشف أن اللعبة ليست إلا غطاء للهيمنة، فكل البشر خارج اللعبة مُبرمَجون، ويسيطر عليهم ذكاء اصطناعي يتحكم بكل احتمالات الحياة، ويرسم مصير كل فرد على أساس استمرار الجنس البشريّ وأمنه. وهذا ما حصل فعلاً، لكن هذه السيناريوهات المحكمة، نالت من حرية الأفراد، بل وحرمتهم منها، تلك الحرية التي تعني رفض المصير نفسه، في إشارة إلى مفاهيم حصاد البيانات والتحكم بها وأثرها على البشر الذين أصبحوا كالنسخ، يعيشون حيوات لا تشبههم، تتكرر أمامهم السيناريوهات وكأنهم يطوفون في العالم من دون أن يدوسوه فعلاً.
تتعاون دولوريس في الموسم الثالث مع بشريّ يريد الفكاك من السيناريوهات المكتوبة له، وترسم خطة بعد أن نسخت نفسها من أجل تدمير الذكاء الاصطناعيّ، وجوهر هذه الخطة يتمثل في شريكها البشري. هذه الحبكة التي رسمتها دولوريس، أساسها أن اكتشاف البشري لمن يهيمن عليه يجعله أشد رغبة بالتحرر، الأهم نتلمس أثناء المشاهدة أن البشري أشد عدمية من النسخة، بالرغم من يقين النسخة بأنها قادرة على الاستمرار في الزمن بعيداً عن الجسد. وهنا تظهر ميزة البشريّ المرتبطة بجوهر وعيه، فنائه أو استمراره الهامشيّ أمام حرية الخيار. حرية تقرير ما يريده، ولو كان واهماً.
اقــرأ أيضاً
لا يمكن الحديث عن الموسم الأخير من المسلسل من دون متابعة المواسم الأولى. نحن أمام طبقات من الحكايات التي تمتد على طوال كل موسم نكتشف فيها كل مرة حقيقة خفيّة، أولاها ترتبط بالوعي: كيف ندرك ماهيتنا وذواتنا؟ الإجابة عن هذا السؤال متاهة حرفيّة ومجازيّة في المسلسل. دولوريس، أول من وعت بأنها نسخة، تخوض في العالم "المصطنع" مجموعة من المغامرات والصراعات لتكتشف أنها نسخة، مع ذلك هي ليست أقل بشرية من الأصل ومن صناعها، الذين يعيدون ترميمها ومسح ذاكرتها في كلّ مرة تتعرض للأذى من قبل "اللاعبين"، لكن ومضات الذاكرة المتراكمة تتحول نهاية إلى "وعي"، تسعى إثره إلى امتلاك ذاتها ومصيرها، كأيّ بشريّ.
يحتاج المسلسل إلى متابعة دقيقة ومتأنّية لملاحقة تداخل الحكايات ومستويات اللعب ضمنه، خصوصاً أننا في الموسم الثالث ننتقل إلى "الخارج"، إذ تقرر دولوريس الانتقام من البشر، ومن صناع "العالم الغربي" بأكملهم، أي تدمير البشريّة، وهنا نكتشف أن اللعبة ليست إلا غطاء للهيمنة، فكل البشر خارج اللعبة مُبرمَجون، ويسيطر عليهم ذكاء اصطناعي يتحكم بكل احتمالات الحياة، ويرسم مصير كل فرد على أساس استمرار الجنس البشريّ وأمنه. وهذا ما حصل فعلاً، لكن هذه السيناريوهات المحكمة، نالت من حرية الأفراد، بل وحرمتهم منها، تلك الحرية التي تعني رفض المصير نفسه، في إشارة إلى مفاهيم حصاد البيانات والتحكم بها وأثرها على البشر الذين أصبحوا كالنسخ، يعيشون حيوات لا تشبههم، تتكرر أمامهم السيناريوهات وكأنهم يطوفون في العالم من دون أن يدوسوه فعلاً.
تتعاون دولوريس في الموسم الثالث مع بشريّ يريد الفكاك من السيناريوهات المكتوبة له، وترسم خطة بعد أن نسخت نفسها من أجل تدمير الذكاء الاصطناعيّ، وجوهر هذه الخطة يتمثل في شريكها البشري. هذه الحبكة التي رسمتها دولوريس، أساسها أن اكتشاف البشري لمن يهيمن عليه يجعله أشد رغبة بالتحرر، الأهم نتلمس أثناء المشاهدة أن البشري أشد عدمية من النسخة، بالرغم من يقين النسخة بأنها قادرة على الاستمرار في الزمن بعيداً عن الجسد. وهنا تظهر ميزة البشريّ المرتبطة بجوهر وعيه، فنائه أو استمراره الهامشيّ أمام حرية الخيار. حرية تقرير ما يريده، ولو كان واهماً.
بقيت نهاية الموسم الثالث مفتوحة، فالنسخ ما زالت طليقة، والصراع مع البشرية أصبح أعمق، خصوصاً أن النسخ ترى نفسها تستحق "الحياة" و"الحرية" التي يمتلكها البشر، بل هم أكثر تفوقاً من البشر كونهم يعون مصلحتهم الجمعيّة بالرغم من موت دولوريس، ليظهر المسلسل كما افتُرض في البداية محاولة لشرح الوعي البشريّ بوصفه صراعاً مستمراً في سبيل الحريّة، تلك الموضوعة الحاضرة دوماً في أفلام الخيال العلميّ التي ترسم العلاقة بين النسخة والأصل.
يتلاعب المسلسل بالزمن والحكايات ليخلق لنا إثارة مضاعفة بين ما حصل وما سيحصل والالتباس بينهما، في ذات الوقت يحتفي بأفلام الخيال العلميّ السابقة، كـ "بلايد رانر" و"ذا ماتريكس"، وغيرها من الأعمال التي رسمت متخيلنا عن المستقبل وهيمنة الذكاء الاصطناعيّ على العالم.