مسلسل فايكينغز: فانتازيا تسعى في إثر التاريخ

03 أكتوبر 2018
يبدو الخط الزمني المتقلب أحد عثرات العمل (Netflix)
+ الخط -
بدأ بث مسلسل "فايكينغز" عام 2013 على شبكة History، والمعروفة سابقًا باسم قناة History. كانت القناة تبث الأفلام والمسلسلات الوثائقية، لكنها مؤخرًا راحت تعرض مسلسلات درامية. انتقد كثير من العلماء والمؤرخين والمشككين القناة، لعرضها مسلسلات وأفلاما شبه وثائقية (أعمال تستخدم أشكال وتقنيات التصوير الوثائقي بالاعتماد على عناصر حقيقية لتروي قصة غير حقيقية "Fiction" لتحاول توضيح السياق العام لأي قضية تاريخية أو حقيقية معاصرة). يروي مسلسل "فايكينغز" قصة المزارع الطموح راغنار لوثبروك، الذي يصبح لاحقًا، في سياق المسلسل، ملكاً. 

تدور أحداث العمل حول حياة الاسكندنافيّ الأسطوري راغنار لوثبروك، ولكن عندما يتعلق الأمر بالحكايات التراثية أو تاريخ الفايكينغ، يكون من الصعب معرفة الحقيقة من الخيال. وطبعًا بعد إضافة سحر هوليوود إلى الإنتاج، يُمسي التمييز بين الأسطورة والحقيقة أصعب وأصعب.
في التاريخ الاسكندنافي، هناك ملحمة (أسطورة/Saga) تتحدث عن حياة راغنار لوثبروك ومغامراته وقصة نسلهِ، ولكن لا توجد أي سجلات تاريخية موثقة. وقال شانون غودلوف (أستاذ مساعد في قسم اللغة الإنكليزية ومنسق برنامج شهادة دراسات العصور الوسطى وعصر النهضة بجامعة ولاية كولومبوس) إن كل القصص والأساطير حول راغنار تعد من التاريخ الشفهي الذي كان يروي قصصًا مشابهة لقصص حقيقية كانت تحصل في نفس الفترة الزمنية، وفي حين أن المسلسل يلتزم بالملحمة (الأسطورة)، إلا أن القصة بشكل عام ليست دقيقة تاريخيًا تمامًا.

وعلى الرغم من أن المسلسل غير دقيق تاريخيًا، إلا أنه حافظ على بعض العناصر التاريخية الحقيقية عند الفايكينغ، مثل استقلال النساء ومشاركتهن في الحروب، وأنهن لم يكنّ "أملاكًا" لأزواجهن، كما كان الأمر في باقي القارة الأوروبية في ذلك الوقت. وأيضًا طريقة قص الشعر في المسلسل، وردت كما كانت موجودة فعليًا في تاريخ الفايكينغ. وبغضّ النظر عن الصورة النمطية عن الفايكينغ، بأنهم كانوا يرتدون الخوذات المقرنة، إلا أن المسلسل مال إلى الحقيقة، ولم يمش في نفس التيار. ونهايةً، وبرغم كل القصص المتواترة عن وحشية الفايكينغ، كان يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذه قصص كانت تروى على ألسنة أعدائهم (القساوسة المسيحيين)، وأظهر المسلسل ثقافة الفايكينغ الغنية، وأن وثنيتهم قادتهم ليكونوا أقرب المجتمعات إلى الديمقراطية في تلك الفترة الزمنية.



الخط الزمني المتقلب
من المشاكل الأكثر وضوحًا للمشاهد هي الخط الزمني المتقلب للمسلسل، فترى العرض في لحظات يقفز أربع سنواتٍ وأحيانًا ثماني سنوتٍ من دون أي إشارات مسبقة، وهذا الأمر يبدو مفهومًا للمطلع على ملحمة راغنار، حيث عمل المسلسل على تسريع الوقت وضغط الأحداث لإضفاء الحيوية على الشاشة الصغيرة. ووفقًا لموقع PopSugar؛ فإن الغارة التي قام بها راغنار على الدير في مملكة نورثمبريا في الموسم الأول كانت في عام 793 ميلادي، في حين أن غارة باريس في الموسم الثالث كانت في عام 911 ميلادي.

التاريخ في سياقه الصحيح
لعل أعظم الدروس التي يمكن تعلّمها من المسلسل هي "التاريخيِّة"، بمعنى تفسير التاريخ في سياقه وحسب معطيات عصره وليس على حسب معايير عصرنا. ففي المسلسل، يظهر لنا راغنار في الموسم الأول يقتل الرهبان المسيحيين برفقة طاقمه من دون أية رحمة، ولم يحاول منتجو المسلسل تجميل "الصورة التاريخية" لشخصية البطل، وإنما التزموا بالملحمة كما هي، لأن هذا الأمر كان معهودًا عليه عند الفايكينغ، وعلينا نحن المشاهدين أن نتقبله كذلك، كجزء من شخصية البطل. ولا يتوقف الأمر على القتل، وإنما على أشكال الزواج والعلاقات والتضحيات للآلهة أيضًا، وغيرها الكثير من النقاط. "إشكالية التاريخية" كبيرة، وتواجهنا كثيرًا في حياتنا، حين نحاول أن نحاكم سياقات تاريخية قديمة حسب معايير عصرنا، وهو ما يوقعنا في مشاكل كثيرة تصعب علينا فهم وتقبّل الماضي.



حوار الأديان
في المواسم الثلاثة الأولى، كانت شخصية أثيلستان محورية ومهمة، حيث كانت توضح النموذج الحي لحوار الأديان. أثيلستان، كان قسًّا مسيحيًا في الدير الذي وقعت فيه أول غارة للفايكينغ على مملكة نورثمبريا، ثم صار عبدًا لدى راغنار بعد عودتهِ إلى كاتيغات. مكوث أثيلستان (المسيحي) بين الفايكينغ (الوثنيين)، عرّضه إلى صدمة روحانية حول الأفكار الدينية. فهو رأى أن الإله المسيحي قد خذله، وجعله معلقًا بين أن يؤمن بإله واحدٍ أو آلهة متعددة (آلهة الفايكينغ).
في أحد المشاهد، تأتي امرأة بشكوى إلى الملك إكبرت (ملك مملكة ويسكس السكسونية)، تقول فيها إن زوجها قد ضربها واتهمها بأنها خائنة. وكما قلنا سابقًا، فإن القارة الأوروبية كانت تؤمن في تلك الفترة بأن الزوجة تكون ملك زوجها، وعليه، فيحق له قتلها حتى لو لم يملك أي إثبات، ولكن الملك إكبرت، قبل أن يلقي بهذه المرأة إلى حتفها، سأل أثيلستان: "ماذا كان الفايكينغ (الوثنيين) يفعلون في مثل هذه الحالة؟"، فيرد أثيلستان: "لو كانت المرأة حرة (ليست من الرق)، فسيصدقون كلمتها على كلمة زوجها"، فيرد حينها الملك إكبرت مُسائلًا أثيلستان: "أتقول إن آلهة الوثنيين متفوقة (إنسانيًا) على إلهنا؟". فيجيب هنا أثيلستان: "الأمر يختلف باختلاف القضية". وهي إجابة تفيد بأن الإسكندنافيين كانوا فعليًا، وفي حالات متعددة، متفوقين على المسيحيين. إجابة أثيلستان غيرت من رأي الملك إكبرت حول الموضوع، وجعلته يغار من ثقافة الفايكينغ، فردّ على المرأة: "أيتها المرأة، أرى أنه لا يحق لزوجك أن يتهمك بدون أي دليل، وعليه فأنا أرفض طلبه بأن يتم قتلك أمام العامة".


الحقيقة في مكانها
من أكثر الأشياء التي جعلت المسلسل قريبًا من الأفلام الوثائقية هو التزامه بسياقه التاريخي، فلا وجود لتنانين أو سحر من أي نوع معين. وأي شيء يتجاوز "الحقيقة" المقبولة، يكون غالبًا تحت تأثير المواد المخدرة. وحين يأتي الأمر إلى شخصية "الرائي"، الذي حسب المسلسل يمكنه التواصل مع الآلهة وتوقع المستقبل، فقد قال الرائي: "أخبرك بما سيحصل بشكل غير مفهومٍ، ولا تعرف كيف سيحصل الأمر إلا وقت حصوله"، وهو ما يقودنا إلى خدعة نفسية، بأن تمشي إلى مصيرك الذي تؤمن بهِ، فأنت عندما يخبرك أحد بما سيحصل لك، فغالبًا ستقوم بكل شيء سيوصلك إلى تلك النقطة.
دلالات
المساهمون