مسلسل "ذا 100": بحثاً عن حياةٍ على كوكب الأرض

27 اغسطس 2018
تتطوّر الشخصيات وتشهد تغيرات كثيرة (IMDB)
+ الخط -
تبدأ أحداث مسلسل "ذا 100" (المئة) بعد 97 عاماً من تعرض الأرض لمجموعة من الصواريخ النووية التي قتلت كل ما هو حيّ فيها. والأحياء الباقون هم فقط من كانوا على متن المحطات الفضائية الدولية آنذاك، وبعد مرور ثلاثة أجيال على ما حصل على الأرض، تتجمع كل المحطات الفضائية الدولية في محطة وسفينة واحدة يسمونها سفينة "الآرك"، ويصبح تعداد البشر وقتها 4000 نسمة. الخطة كالآتي: أن ينتظروا مئة عام على مرور الانفجار النووي، ثم يعودون إلى الأرض بعدها، حيث أن هذا الوقت يكفي لانتهاء الإشعاعات الضارة، ولكن الأوكسجين على متن "الآرك" على وشك أن ينفد، ولا طريقة للحفاظ على كل من هم على ظهر السفينة من دون التضحية بجزء منهم. حينها، ترتئي إدارة السفينة أن ترسل "الأطفال" المساجين، إلى الأرض، فإن بقوا أحياء، ينزل الباقون خلفهم، وإن ماتوا، فلا ضرر قد حصل، لأنهم ينتظرون حكمًا بالإعدام في جميع الحالات فور وصولوهم سن الرشد. 
يأتي اسم المسلسل من عدد المراهقين والأطفال الذين أرسلوا للأرض في مهمة انتحارية للبالغين، وهم 100 شخص. أُرسلوا للأرض كفئران تجارب، ليروا إذا ما كانت الأرض صالحة للحياة بعد، ويكون على رسغ كل منهم ما يشبه السوار، والتي ترسل إشارات للسفينة الأم عما إذا كانوا على قيد الحياة أو ماتوا.

الإنسان كائن اجتماعي بطبعهِ، وعليهِ، فهو يسعى إلى تشكيل نواة مجتمع مع الأشخاص حوله، وهو ما حصل مع المئة فور وصولهم إلى الأرض. يشعر المراهقون بأنهم أقل قيمة من الأشخاص الذين أرسلوهم وأنه تمت التضحية بهم لمصير غير معروف، فيبدأون بالثورة على قيم "السجن" و"النفي" و"التبعية" للبالغين، فتكون ردة فعلهم الأولى، أن يقوموا بتكسير الأساور على أيديهم، وهنا ينقسم المئة إلى فريقين؛ فريق لا يأبه بمن هم على متن السفينة "الآرك"، وفريق ضد تكسير الأساور، وأن من حق البشر على "الآرك" أن يعلموا أن الأرض صالحة للحياة. لكل فريق حُجة ولكل فريق قوة تدافع عن هذه الحجة، فالفريق الأول ينادي بأن مَن على السفينة لا يأبهون بحياة أطفالهم ولا يصلحون ليكونوا على الأرض وأنه وفورَ وصولهم للأرض سيعيدون سجن المئة مُجددًا. أما الفريق الآخر، فينادي بأن أيام القسوة والمحاربة من أجل البقاء قد انتهت، وأنه من حق الجميع أن يعودوا للأرض، ولكن الفريق الأول كان يمتلك "النسبة الأكبر" من المؤيدين، وعليهِ فقد بدأوا بتشكيل أشبه ما يكون بشرطة وقيادة منظمة تسعى إلى تكسير الأساور وتطبيق نوع من "النظام" الخاص بهم في مواجهة الفريق الآخر.



لم تكن المفاجأة الكبرى للمئة أن الأرض صالحة للحياة، وإنما أن هناك من يسكن الأرض معهم، فهناك من نجا من الصواريخ النووية وإشعاعاتها. وكالعادة، كانت الغريزة الأولى عند الناجين أن يهاجموا المئة. عند رؤية الناجين عن قرب فستجد أنهم "بدائيون"، ودمويون. يبدأ هؤلاء الناجون، أو "الأرضيون" كما يسميهم المئة لاحقًا، بملاحقة المراهقين وقتل جزءٍ منهم في أول لقاء بينهم. الغريزة الأولى التي استولت على دماغ الأرضيين، لم تكن التعرف إلى الآخر أو الحديث معه، وإنما غريزة البقاء، وهو ما يشعرك لوهلة أن هناك بشراً من عصور قديمة، لم يتخلصوا من مبدأ الحرب، وأن كل شيء يجب أن يُقاتل من أجلهِ، وبين فريق من المستقبل يمتلكون الأسلحة الرشاشة وعقول هندسية وزراعية وميكانيكية يسعون للبقاء بأي ثمن، لتبدأ بعدها الحرب بين قبيلة "السماء" وقبيلة "الأرض".

أحداث المسلسل طويلة ومتشعبة ومتراكمة، وتعريف العدو والصديق يختلف على طول الخط الزمني للمسلسل من بداية الموسم الأول وحتى نهاية الموسم الخامس، فلا يوجد بطل خيّر على طول الخط، ولا عدو دائم أيضًا، بل وإن الشخصيات نفسها تمر في سلسلة من التغيرات التي تجعلها تنقلب انقلابًا كاملًا حسب الظروف والضغوط التي تتعرض لها. ولكن شيئًا واحدًا لا يتغير أبدًا، وهو البقاء!



أثناء مشاهدتك للعرض، ستجد أن المحرّك الأول لكل الشخصيات أو القبائل هو البقاء، فلا وجود لأي قيمة أو أخلاق أو ما شابه، ما يهم فقط هو البقاء.. بقاء القبيلة، وعليهِ، وتحت مظلة "البقاء" هذه، ستجد أن هناك أفعالًا شنيعة تُرتكب دون أدنى تفكير، دون أن يشعر ضمير الفاعل بأي شيء، وإن فعل، هنالك دائمًا التبرير، وهو ما يقود إلى أشهر جملة في المسلسل، على الأقل من وجهة نظري، وهي جملة قالها ماركوس لآبي عندما كانت تريد تجريب نخاع العظم لأحد أفراد سلالة "النيتابليدا/ أصحاب الدم الأسود" والذين نجوا من الإشعاع الأول ولتضعه في جسم أحد "الأرضيين" ثم ستعرضه للإشعاع مُجددًا، لترى ما إذا كان نخاع العظم سيساعدهم على البقاء والنجاة من نهاية العالم النووية الثانية والتي نتجت عن إعادة اشتعال الأنوية النووية في الصواريخ الأولى أو كما يسميها الأرضيون "بريمفايا".

الإشارات الدينية في المسلسل كثيفة جدًا، وتبدأ من تسمية السفينة التي جمعت كل محطات الفضاء الدولية باسم "الآرك"، ما يذكر بسفينة نوح؛ سفينة النجاة الوحيدة على الأرض. ويبدو الأمر هنا مشابهاً، فكل من على الأرض كانوا قد ماتوا، أو هكذا كانوا يظنون، وأن من كانوا على متن هذه المحطات فقط بقوا أحياء، وسموا سفينتهم باسم "الآرك"، ما يدلل على أنهم أيضًا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم الأطهار والأخيار والذين سيقودون "فرصة الأرض الثانية" بالتكاثر والبناء، ليكتشفوا لاحقًا بأنهم لم يكونوا أطهارًا كما كانوا يعتقدون.
دلالات
المساهمون