طبّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ما يقوله عن نفسه: الفيلسوف والطبيب والخبير المالي، والعالم ببواطن الأمور، وأيضاً المؤلف الدرامي؛ فالسيسي هو صاحب فكرة مسلسل "إلا أنا"، المعروض حالياً على قنوات "DMC" التابعة للشركة المتحدة للإعلام والتي تخضع بدورها للمخابرات المصرية.
المسلسل تدور أحداثه في حلقات منفصلة متصلة، تتناول قضايا مختلفة معظمها تتعلق بقضايا المرأة التي يعلن السيسي مراراً وتكراراً أنه نصير لها؛ فهناك حلقات تتحدث عن المواريث، وعدم إعطاء المرأة حقوقها، وأيضاً الطلاق والخلع، وهي موضوعات ناقشها الرئيس وتحدث فيها في لقاءاته المفتوحة؛ إذ عادة ما يمسك فيها الميكروفون ليتحدث عن كل ما يدور بخاطره.
قد يرى البعض أن الأمر يحمل مبالغة درامية، لكن الحقيقة التي يعرفها الكثيرون من مؤلفي الدراما المصرية والمخرجات تحديداً، أن تلك الموضوعات والمتعلقة بقضايا الطلاق والخلع والمواريث هي موضوعات بحسب العامية المصرية "هتسبب وجع دماغ مع الأزهر وغيره من الجهات"، لذلك كثيراً ما كان يتم رفض مثل هذه المعالجات من قبل شركات الإنتاج التي ظلت لسنوات طويلة تتعامل بمنطق اللعب في المضمون.
لكن بمجرد أن خرج السيسي متحدثاً عن قضية الطلاق والمواريث في أحد لقاءاته، وأثناء الاحتفال بعيد الشرطة في يناير/ كانون الثاني الماضي، حين طالب بعدم وقوع الطلاق الشفهي، وأن الطلاق يجب أن يكون مسجلاً، مشيرا إلى أنه "طبقاً لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء؛ فإن 40% من المتزوجين يطلقون خلال السنوات الخمس الأولى للزواج"، معتبراً أن هذه "نسبة كبيرة ويكون لها سلبيات على الأسرة والأجيال المقبلة".
أضاف حينها أن مثل هذا القانون سيكون الهدف منه "إعطاء الناس فرصة لمراجعة نفسها بدلاً من أن يتم الطلاق بكلمة يقولها (الزوج) هكذا" في أي لحظة. توجه السيسي بعد ذلك إلى شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب الذي كان يحضر الاحتفال قائلاً بالعامية: "ولا إيه يا فضيلة الإمام؟" ثم أردف "تعبتني يا فضيلة الإمام".
أدى ذلك إلى حدوث سجال كبير ونقاشات، لذلك قامت هيئة كبار العلماء في الأزهر بإصدار بيان في وقتها، أكدت فيه أن الطلاق شفوياً "مستقر عليه منذ عهد النبي"، معارضة بذلك الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي دعا أخيراً إلى إصدار قانون يحظر الطلاق بهذا الأسلوب. اعتبرت الهيئة أن "وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه والصادرعن الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالّة على الطلاق، هو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبيِّ... من دون اشتراط إشهاد أو توثيق".
وفي ظل عدم استجابة شيخ الأزهر لمطالبات الرئيس السيسي، بدا الأمر أشبه بحرب خفيّة، إذ لم يتوقف الرئيس عن الحديث عن تلك الموضوعات موجهاً اللوم لشيخ الأزهر أحمد الطيب وهيئة كبار العلماء، إذ وجه حديثه من جديد لهم في منتدى شباب العالم: "إن وصايا النبي لنا يجب أن تطبق لأنها تحمل استراتيجية مهمة للمجتمع"، مشيرًا إلى أن المجتمع لا يطبق وصايا الرسول.
وتابع: "بعض القرى لا تورّث المرأة! إيه الكلام ده اللي موجود عندنا اللي عايز يتغير إذا كنا عايزين نعرف ربنا، محتاجين أن يكون عندنا برنامج متكامل لإعادة رسم الصورة الحقيقية للفتاة والشاب والمرأة في مجتمعاتنا لكي تحصل على مكانها الذي تستحقه".
ومع إصرار الأزهر على عدم نقاش هذه الموضوعات، لم يجد الذراع الإعلامي للسيسي "المتحدة للإعلام" سوى ترجمة مطالبات السيسي إلى عمل درامي تتوفر له الدعاية الكبيرة، فصدرت الأوامر من تامر مرسي، رئيس مجلس الإدارة إلى العاملين بالشركة، بضرورة العمل على إنجاز مشروع درامي يناقش كل مطالبات الرئيس، وحتى لا يبدو أن الأمر تكليف مباشر، تم إسناد تنفيذ المسلسل إلى شركة "أروما" ليتم إنتاجه بتعاون بين الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وشركة أروما للمنتج تامر مرتضى، والمسلسل كان يحمل اسم "ما لا يعرفه الرجال" وتم تغييره إلى "إلا أنا"، وبادر الصحافي المصري يسري الفخراني والمسؤول عن الدراما في قنوات DMC بالتطوع ليقول إنه صاحب المبادرة والمشرف على المشروع بوصفه كاتباً مؤهلاً للقيام بهذا الدور، وبدأ الفخراني في الاتصال بمجموعة من شباب كتاب الدراما الذين يعملون بنظام الورش في صياغة السيناريو، وتم تكليف كل فريق بصياغة عشر حلقات عن كل قضية من القضايا التي ناقشها السيسي وتحدث فيها، ليطلق سلاحه الإعلامي في مواجهة شيخ الأزهر؛ ظنا منه أنها قد تكون محاولة لتشكيل رأي عام يستطيع الضغط لتغيير المفاهيم حسبما يراها، ولكن يظل السؤال: هل هناك جدوى من دراما صُنعت بالأمر المباشر؟ وفي أقل من ثلاثة شهور تمت صياغة الأفكار، واختيار فريق العمل والتصوير وإذاعة أول قصتين.
موضوعات الحلقات المنفصلة المتصلة، وطبقاً للبيان الذي وزعته الشركة المتحدة لخدمات الإعلام، تتناول موضوعات منها طموح وكفاح المرأة، وميراث المرأة، والعنف ضد المرأة، ونظرة المجتمع للمرأة المطلقة.
اقــرأ أيضاً
بدأ عرض "إلا أنا" في الأسبوع الثالث من مارس /آذار الماضي بحكاية "بنات موسى". حلقات تناولت قضية المواريث؛ فنحن أمام عائلة سعيدة مكونة من الأم التي تجسدها وفاء عامر والأب الذي يجسده كمال أبو رية، ولديهما أربع فتيات في مراحل تعليمية مختلفة، ويعمل رئيس مجلس إدارة شركة يديرها مع شقيقه صبري فواز، وفجأة يتوفى الأب، ويترك زوجته وبناته ويبدأ صراعهن مع الجدة والعم اللذين يرفضان توريث الفتيات بحجة أن العائلة لا تورث المرأة، ويشتد الصراع والنزاع بينهم، ويصل إلى المحاكم وتزوير أوراق، ومحاربة العم للفتيات.
المسلسل يثير قضية مهمة وشديدة الخطورة ولكن ببناء أخلاقي يغلب على كل الخطوط الدرامية في العمل، أو الدراما كما يريدها الرئيس معلبة، وانطلاقا من حواراته الكثيرة، أو كما قالها بشكل واضح للفنانين: "ربنا هيحاسبكم على اللي بتعملوه".
اقــرأ أيضاً
المسلسل تدور أحداثه في حلقات منفصلة متصلة، تتناول قضايا مختلفة معظمها تتعلق بقضايا المرأة التي يعلن السيسي مراراً وتكراراً أنه نصير لها؛ فهناك حلقات تتحدث عن المواريث، وعدم إعطاء المرأة حقوقها، وأيضاً الطلاق والخلع، وهي موضوعات ناقشها الرئيس وتحدث فيها في لقاءاته المفتوحة؛ إذ عادة ما يمسك فيها الميكروفون ليتحدث عن كل ما يدور بخاطره.
قد يرى البعض أن الأمر يحمل مبالغة درامية، لكن الحقيقة التي يعرفها الكثيرون من مؤلفي الدراما المصرية والمخرجات تحديداً، أن تلك الموضوعات والمتعلقة بقضايا الطلاق والخلع والمواريث هي موضوعات بحسب العامية المصرية "هتسبب وجع دماغ مع الأزهر وغيره من الجهات"، لذلك كثيراً ما كان يتم رفض مثل هذه المعالجات من قبل شركات الإنتاج التي ظلت لسنوات طويلة تتعامل بمنطق اللعب في المضمون.
لكن بمجرد أن خرج السيسي متحدثاً عن قضية الطلاق والمواريث في أحد لقاءاته، وأثناء الاحتفال بعيد الشرطة في يناير/ كانون الثاني الماضي، حين طالب بعدم وقوع الطلاق الشفهي، وأن الطلاق يجب أن يكون مسجلاً، مشيرا إلى أنه "طبقاً لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء؛ فإن 40% من المتزوجين يطلقون خلال السنوات الخمس الأولى للزواج"، معتبراً أن هذه "نسبة كبيرة ويكون لها سلبيات على الأسرة والأجيال المقبلة".
أضاف حينها أن مثل هذا القانون سيكون الهدف منه "إعطاء الناس فرصة لمراجعة نفسها بدلاً من أن يتم الطلاق بكلمة يقولها (الزوج) هكذا" في أي لحظة. توجه السيسي بعد ذلك إلى شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب الذي كان يحضر الاحتفال قائلاً بالعامية: "ولا إيه يا فضيلة الإمام؟" ثم أردف "تعبتني يا فضيلة الإمام".
أدى ذلك إلى حدوث سجال كبير ونقاشات، لذلك قامت هيئة كبار العلماء في الأزهر بإصدار بيان في وقتها، أكدت فيه أن الطلاق شفوياً "مستقر عليه منذ عهد النبي"، معارضة بذلك الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي دعا أخيراً إلى إصدار قانون يحظر الطلاق بهذا الأسلوب. اعتبرت الهيئة أن "وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه والصادرعن الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالّة على الطلاق، هو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبيِّ... من دون اشتراط إشهاد أو توثيق".
وتابع: "بعض القرى لا تورّث المرأة! إيه الكلام ده اللي موجود عندنا اللي عايز يتغير إذا كنا عايزين نعرف ربنا، محتاجين أن يكون عندنا برنامج متكامل لإعادة رسم الصورة الحقيقية للفتاة والشاب والمرأة في مجتمعاتنا لكي تحصل على مكانها الذي تستحقه".
ومع إصرار الأزهر على عدم نقاش هذه الموضوعات، لم يجد الذراع الإعلامي للسيسي "المتحدة للإعلام" سوى ترجمة مطالبات السيسي إلى عمل درامي تتوفر له الدعاية الكبيرة، فصدرت الأوامر من تامر مرسي، رئيس مجلس الإدارة إلى العاملين بالشركة، بضرورة العمل على إنجاز مشروع درامي يناقش كل مطالبات الرئيس، وحتى لا يبدو أن الأمر تكليف مباشر، تم إسناد تنفيذ المسلسل إلى شركة "أروما" ليتم إنتاجه بتعاون بين الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وشركة أروما للمنتج تامر مرتضى، والمسلسل كان يحمل اسم "ما لا يعرفه الرجال" وتم تغييره إلى "إلا أنا"، وبادر الصحافي المصري يسري الفخراني والمسؤول عن الدراما في قنوات DMC بالتطوع ليقول إنه صاحب المبادرة والمشرف على المشروع بوصفه كاتباً مؤهلاً للقيام بهذا الدور، وبدأ الفخراني في الاتصال بمجموعة من شباب كتاب الدراما الذين يعملون بنظام الورش في صياغة السيناريو، وتم تكليف كل فريق بصياغة عشر حلقات عن كل قضية من القضايا التي ناقشها السيسي وتحدث فيها، ليطلق سلاحه الإعلامي في مواجهة شيخ الأزهر؛ ظنا منه أنها قد تكون محاولة لتشكيل رأي عام يستطيع الضغط لتغيير المفاهيم حسبما يراها، ولكن يظل السؤال: هل هناك جدوى من دراما صُنعت بالأمر المباشر؟ وفي أقل من ثلاثة شهور تمت صياغة الأفكار، واختيار فريق العمل والتصوير وإذاعة أول قصتين.
موضوعات الحلقات المنفصلة المتصلة، وطبقاً للبيان الذي وزعته الشركة المتحدة لخدمات الإعلام، تتناول موضوعات منها طموح وكفاح المرأة، وميراث المرأة، والعنف ضد المرأة، ونظرة المجتمع للمرأة المطلقة.
تتضمن قائمة المخرجين كل من أحمد شفيق، وتامر عشري، ومحمود كامل، ومحمد أسامة، ومحمد جمعة، وسميح النقاش، أما قائمة المؤلفين فتضم عبير سليمان، وأمين جمال، وريم القماش، ومحمد الدباح، ومحمد محرز، وعمر عبد الحليم، والأسماء النهائية لحكايات العمل الست وهي: "بنات موسى" بطولة وفاء عامر، و"سنين وعدّت" بطولة أروى جودة، و"أمر شخصي" بطولة شيري عادل، و"أمل حياتي" بطولة حنان مطاوع، و"ضي القمر" بطولة كندة علوش، و"لازم أعيش" بطولة جميلة عوض.
بدأ عرض "إلا أنا" في الأسبوع الثالث من مارس /آذار الماضي بحكاية "بنات موسى". حلقات تناولت قضية المواريث؛ فنحن أمام عائلة سعيدة مكونة من الأم التي تجسدها وفاء عامر والأب الذي يجسده كمال أبو رية، ولديهما أربع فتيات في مراحل تعليمية مختلفة، ويعمل رئيس مجلس إدارة شركة يديرها مع شقيقه صبري فواز، وفجأة يتوفى الأب، ويترك زوجته وبناته ويبدأ صراعهن مع الجدة والعم اللذين يرفضان توريث الفتيات بحجة أن العائلة لا تورث المرأة، ويشتد الصراع والنزاع بينهم، ويصل إلى المحاكم وتزوير أوراق، ومحاربة العم للفتيات.
المسلسل يثير قضية مهمة وشديدة الخطورة ولكن ببناء أخلاقي يغلب على كل الخطوط الدرامية في العمل، أو الدراما كما يريدها الرئيس معلبة، وانطلاقا من حواراته الكثيرة، أو كما قالها بشكل واضح للفنانين: "ربنا هيحاسبكم على اللي بتعملوه".
وقد بدأ عرض العشر حلقات الجديدة وهي بعنوان "سنين وعدت" مؤخرا من بطولة أروى جودة وكارولين خليل وخالد صفوت وطارق عبد العزيز وإخراج أحمد شفيق، وهي الحلقات التي تناقش تركيز المرأة وطموحها الزائدين عن الحد في عملها، وهو ما ينعكس سلبا على حياتها ونفسها، وكيف عندما تأتيها لحظة تستفيق فيها تعمل على استعادة حياتها وصياغتها بشكل مختلف، وهو ما قد تجده في مشروع تنفذه من المنزل. ومن المفترض أن يتم تأجيل عرض باقي الحلقات إلى ما بعد انتهاء شهر رمضان الذي تتنافس فيه العديد من المسلسلات التي أنتجت خصيصا للعرض طوال هذا الشهر.