مسلسلات تفكر في خطّة "ب"

07 ابريل 2020
"ممالك النار" أحد الأمثلة البارزة على المسلسلات القصيرة (فيسبوك)
+ الخط -
دائماً ما تقدم الدراما العربية نتاجها للجمهور كعمل تلفزيوني يقوم على عدد حلقات تمتد لتبلغ الثلاثين، وهي ظاهرة اتبعتها الدراما منذ عقود حين ارتبط عرضها بموسم شهر رمضان. ورغم تقلب فنون الصناعة واتساع قنوات العرض، بقي الشكل الثلاثيني هو السمة الأبرز عربياً المنسجمة مع بيئة المنطقة وتقاليدها.
وعلى هذا، اتجه المشاهد العادي للدراما في رمضان كجزء من حدث موسمي يشبه الاحتفاء بمباريات كأس العالم، فمن لا يهتم بالدراما طوال العام زرع في ذهنه أن شهر رمضان يعني علاوة على معانيه الدينية.. دراما.
وبذلك، تحولت شاشات التلفزيون في رمضان إلى مساحة للتزاحم على عرض الأعمال الدرامية، اختفت البرامج التقليدية وتحول وقت الذروة إلى مواعيد لعرض الإنتاجات الحصرية والأولى، قنوات انطلقت لتعرض ثلاثة، وأخرى ستة، ومحطة ثالثة ملأت جدولها الكامل بالدراما، مع مراعاة أن تكون الإنتاجات الأضخم والأكثر تفاعلية هي في وقت الذروة الذي يمتد في رمضان حصراً من الإفطار للسحور.
لكن مع دخول الدراما المدبلجة على الخط، وانتشارنظام «الفورمات» عالمياً، انتقل إلى المنطقة قالبان جديدان للدراما، لا يرتبطان بمفهوم التدفق التقليدي للعمل يوماً بيوم، بل يقتصر القالب الأول على عمل يراوح بين ثماني وخمس عشرة حلقة، وبات حكر المنصات الرقمية ممثلة السوق الجديد في عرض الأعمال الدرامية للجمهور، بعدما أثبتت جدارتها عالمياً بقوة بناء الحبكة وتكثيف الأحداث وترك الأبواب مفتوحة للنهايات للاستثمار في موسم آخر، وشاهدنا في الآونة الأخيرة عدة أعمال كذلك مثل: «العميد»، «دولار»، «ممالك النار»، «عهد الدم»، «في كل أسبوع يوم جمعة».
أما القالب الثاني، فيتمثل بالأعمال الطويلة المأخوذة عن فورمات تركي أو لاتيني وتمتد لعشرات الحلقات، وبدأ ظهورها في مصر مثل أعمال «أبو العروسة» و«سابع جار» و«الأب الروحي» وانتقلت أخيراً للدراما المشتركة لتشمل «عروس بيروت» و«سر».
ومع تفشي وباء كورونا عالمياً، فُجعت الدراما العربية في ذروة التجهيز للموسم الرمضاني، حيث تعطلت عمليات التصوير منذ منتصف شهر مارس/ آذار الفائت، ما أدى إلى رفع شركات الإنتاج حالة الطوارئ والدخول في سباق مع الوقت إذا ما سمح لها باستكمال عمليات التصوير، ولا سيما في لبنان وسورية، حيث ينجز في لبنان قرابة عشرة أعمال، سبعة منها في نطاق الدراما المشتركة المبيعة وفق عقود مسبقة لقنوات عرض كبرى، ما أقحم الموسم الرمضاني في وضع معقد.
بالمقابل، كشفت الحالة الراهنة عن غياب وجود خطة «ب» لدى شركات الإنتاج الدرامية التي ما زالت إلى اليوم تعمل في المنطقة العربية بذهنية ربع الساعة الأخير، ما يحوّل الشهرين الأخيرين قبل الموسم الرمضاني كل عام إلى معركة زمنية لإنجاز المسلسل وعرضه على الشاشة خلال رمضان، ولو استمرت عمليات التصوير إلى نهاية الشهر الفضيل وإنجاز الحلقة اليوم لتعرض غداً كما حدث مع عدة مسلسلات في المواسم الفائتة.
لماذا إذاً لا ترسم الخطط الدرامية مبكراً ولا يستريح النجوم سبعة إلى ثمانية أشهر كل عام يسوّقون لعملهم بالاسم فقط؟ وإذا ما تكررت أزمة كورونا أو ظهرت أزمات أخرى، من يحمي الصناعة الفنية الدرامية؟ فهذا ليس بثاً مباشراً حتى يتعطل الجمهور والضيف في الوصول إلى الاستوديو، بل مادة مسجلة يجب أن تصور بعناية وتمتد عمليات مونتاجها الفني في وقت يوازي مدة التصوير.
هذا ما يبين أن المشكلة الحالية التي تواجهها مسلسلات رمضان لا تكمن في الفيروس المستجد فحسب، بل بغياب الحلول البديلة وخضوع المنتجين، وأيضاً الممثلين والكادر الفني، لقوانين التعبئة العامة وحظر التجول والحجر الصحي ومنع التجمعات.
وحتى يخرج العالم بأسره من أزمة «كورونا»، أمام المنتجين وقت كافٍ ليفكروا كيف ينقذون أعمالهم مرة ثانية، لعل طريقة التفكير في المنتَج الفني تتغير ويصبح مادة ناضجة أكثر تُطهى على مهل وتقدَّم في وقتها الصحيح.
المساهمون