مسرحية صلاة الأضحى
ما كان ينقص صلاة عيد الأضحى التي أقيمت شعائرها في مسجد الصحابي، سعد بن معاذ، في مدينة داريا، هو أن يحمل (السيد الرئيس) باقاتٍ من الريحان والآس الدمشقي الشهير، ويوزعها على قبور شهداء مدينة داريا، ليكتمل المشهد العبثي السوري صباح هذا العيد الدامي. وصل (السيد الرئيس) بسيارته الباجيرو الخاصة التي يقودها بنفسه. نزل من السيارة من دون مرافقة، كما هو معتاد مع الرؤساء العرب، ومن دون حراسة في ظرفٍ يشبه الظرف السوري الحالي، ومن دون وجود أي شخصٍ من أهل البلدة أو من غيرها، للترحيب بقدومه الميمون، كما جرت العادة. صعد درج المسجد بخطواتٍ سريعة، دونما أي تلكؤ، كما لو كان درج منزله الخاص، أو كما لو أنه كان قد تدرّب على صعود الدرج عشرات المرات من قبل. وصل (السيد الرئيس) إلى قاعة المسجد، حيث ينتظره ما لا يتجاوز الثلاثين شخصاً، بضعة وزراء، وبعض أعضاء القيادة القطرية للبعث، وبضعة من ممثلي الشعب المنتخبين (ديمقراطياً) لمجلسه، وطبعاً مفتي الجمهورية ووزير الأوقاف، وقلة من رجال الدين المعممين، ممن يحرصون على إحاطة الرئيس المؤمن في كل ظهوراته الجماهيرية العلنية.
في مناسباتٍ كهذه، يرتدي الرؤساء بذلات رسمية غامقة اللون، سوداء أو كحلية، مع ربطات عنق مناسبة. أراد (السيد الرئيس)، هذه السنة، أن يصلي صلاة العيد (كاجوال)، بذلته رمادية فاتحة، وقميصه أبيض بياقة مفتوحة وغير موضبة، وبدون ربطة عنق، ما استدعى من المصور المخصص للمناسبة أن ينبه سيادته إلى ترتيب ياقة القميص قبل البدء بالصلاة. هذه العفوية المفتعلة من (السيد الرئيس) في تفاصيل وصوله إلى المسجد لم تستطع إخفاء التوتر الذي كان يظهر مع كل حركةٍ من حركات جسده بعد وصوله إلى قاعة المسجد، فحركات يديه المبالغ فيها في أثناء كلامه مع المفتي ووزير الأوقاف، والخطأ الذي ارتكبه حين حاول السجود قبل أن يبدأ مفتي دمشق وريفها (عدنان أفيوني) شعائر الصلاة، ثم ميلان جسده إلى الأمام التي عادة ما يفعلها الخائفون من الاغتيال من الخلف، تأخر حركة رأسه نحو اليمين ونحو الشمال عند التسليم.
يدلّ هذا كله على أن (السيد الرئيس) يؤدي مشهداً تمثيلياً لم يستطع النجاح فيه، فالإصرار على إقامة صلاة عيد الأضحى في مدينة داريا تحديداً ليس أمراً عفويا وعادياً. داريا التي أسقط عليها جيش (السيد الرئيس) آلافاً من براميل الموت، وحاصر أهلها حصاراً قاتلا، ثم فرض عليهم ما سماها الأفيوني، في أثناء خطبته "مصالحة وطنية" لم تترك منهم أحداً داخل المدينة. هذا الإصرار على الصلاة في مدينة مهدمة، إلى حد أن الدمار كان يظهر من الصور الملتقطة من قلب المسجد في أثناء الصلاة عبر النافذ الحديدية، مثلما ظهرت آثاره في قلب المسجد نفسه على المنبر المهدّم الذي وقف عليه الأفيوني، ليقيم شعائر الصلاة ويلقي خطبةً محملةً بالدلالات المهمة، بدءاً من لوم المملكة العربية السعودية على منع السوريين من المشاركة في شعائر الحج، على الرغم من أنه لم يصدر قرار سعودي بذلك. كان القرار متعلقاً بالإيرانيين، وهو جزء من صراع النفوذ الاقتصادي والسياسي بين السعودية وإيران، وسورية بالطبع بؤرة هذا الصراع. حمّل الخطيب مسؤولية دمار داريا، وتهجير أهلها إلى الديرانيين أنفسهم، لرفضهم التخلي عن ثورتهم. ولم يتطرق إلى "المؤامرة الكونية" على سورية، على عادة الخطباء منذ خمس سنوات، فلا ذكر لتركيا ولا لقطر ولأميركا ولا لإسرائيل. وما من حديث عن حربٍ عالميةٍ تجري على أرض سورية. هناك فقط السعودية والحج، والمتطرفون الذين يؤكد (السيد الرئيس المؤمن) على محاربتهم دائماً، مصراً على تنقية الدين الإسلامي من كل ما يسيء إليه.
هذا الإصرار على إقامة صلاة عيد الأضحى في داريا هذا العام سيؤرشفه تاريخ سورية بوصفه دليلاً دامغاً على الفجور السياسي والأخلاقي الذي تعامل به النظام ومريدوه مع الشعب السوري، وسيضاف إلى أرشيف الجريمة الكبرى التي ارتكبها هذا النظام بحق سورية كلها.