19 نوفمبر 2024
مسجدي... سفير وحاكم لبغداد
أبدع المخيال الشعبي العراقي أيما إبداع، عندما استبدل رأس السفير الإيراني الجديد في بغداد، إيرج مسجدي، برأس رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي خلال استقبال الأخير السفير، ليس لجهة الشبه الكبير بين الرجلين وحسب، وإنما طبيعة الدور الذي يلعبه كلاهما في العراق. فمنذ 2003، عقب الغزو الأميركي للعراق، كان سفير إيران في بغداد الحاكم الفعلي لبلاد الرافدين، وليس القابعون داخل المنطقة الخضراء ممن يتسمون بتسميات رسمية، وهم، في حقيقة الأمر، ليس لهم من الأمر شيء، فلماذا عيّنت طهران مسجدي سفيرا لها في بغداد في هذا التوقيت الحسّاس؟
لا يتمتع مسجدي بأي صفات دبلوماسية، إلا أنه يتمتع بصفاتٍ أهم بالنسبة لطهران، فهو عسكري، عرفته ساحات القتال الإيرانية منذ ثمانينات القرن الماضي إبّان الحرب ضد العراق، كما أن له علاقات واسعة بقادة المليشيات الشيعية التي أنشاتها إيران في العراق قبل الغزو الأميركي في العام 2003 وبعده.
في العام 1981، أصيب مسجدي في معارك ديزفول مع القوات العراقية إصابة يقال إنها شلت نصف جسده، واحتاج إلى وقت طويل ليتعافى معافاة جزئية، الأمر الذي يجعل من مسجدي يحمل ضغينة الثأر والانتقام من العراق والعراقيين، وهي الضغينة التي حوّلها إلى فعل، بعد أن أشرف على إنشاء مليشيات شيعية عراقية، كان لها دور بارز في إشاعة حالة الفوضى وعدم الاستقرار في عراق ما بعد 2003، نتيجة ما ارتكبته من جرائم يرقى بعضها، وفقا لمنظمات دولية، ليكون جرائم حرب.
تفيد سيرة مسجدي بأنه كان الذراع الأيمن لقائد فيلق القدس الإيراني التابع للحرس الثوري، قاسم سليماني، والموضوع على لائحة الإرهاب الدولية، فمنذ 2014 تحديدا، عقب سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على ثلث مساحة العراق، انتدبه قائده، سليماني، ليقيم في العراق للإشراف على المعارك التي انطلقت عقب ذلك ضد التنظيم، وشارك في معركة الفلوجة، أخيرا، بشكل مباشر.
لا يخفي مسجدي توجهاته الطائفية، كما لا يخفي إشرافه المباشر على مليشيات الحشد الشعبي العراقية، فهو يجاهر، ولم لا، خصوصا إذا كان في بلد مثل العراق، بات لسان حال ساسته وإعلامهم، يلهج ليل نهار بحمد إيران.
يقول مسجدي إن مشاركة الحرس الثوري بضباطه في معركة الفلوجة كانت من أجل أن تبقى إيران مركزا للتشيع في العالم، معتبرا أن العراق وسورية خط الدفاع الأول عن التشيع وإيران.
هذا الجنرال المخضرم والمتشيع الذي لا يخفي حقده، حظي باستقبال كبير لدى وصوله إلى بغداد، استقبال من ساسة المنطقة الخضراء، وبعض المنتفعين من وجود إيران في العراق أو الخائفين على مراكز نفوذهم وسلطاتهم ومصالحهم وفسادهم وسرقاتهم.
فإيران تحمي كل هذه الخلطة العجيبة التي تدير عراق اليوم، وإيران تعتبر بغداد مركزاً مهما من مراكزها التي تدير من خلالها نفوذها حول العالم، وبالتالي، يعتبر منصب السفير سياديا، قد يتجاوز في أهميته منصب وزير الخارجية أو الداخلية أو حتى الدفاع في طهران.
جاء مسجدي، وابتلع كل ساسة بغداد ألسنتهم، بعد أن كانت تلك الألسنة غلاظا شدادا على السفير السعودي السابق في بغداد، ثامر السبهان، بحجة أنه جاء من خلفية عسكرية. ولم يُسمع صوت واحد مندّد بتعيين مسجدي سفيرا لإيران ، بل حتى الذين يعتبرون أنفسهم معارضة داخل العملية السياسية بعثوا برقيات التهنئة لمسجدي، مرفقةً بطلب تحديد موعد للمقابلة، علهم يحظون بهذا الشرف العظيم، شرف الجلوس أمام واحد من سفاحي شعبهم العراقي.
وبعيدا عن العواطف الرافضة وجود مثل هذا السفير في عاصمة العراق، تدرك طهران أن المرحلة المقبلة تتطلب وجود أكثر من مسجدي، وأكثر من سليماني في العراق، خصوصا في ظل الرغبة الأميركية المتواترة بأن يكون لواشنطن دور أكبر في عراق ما بعد "داعش"، وما تلا ذلك من نزول قوات أميركية في غرب العراق وشماله.
تريد إيران من مسجدي والمليشيات العراقية التي يرعاها حائط الصد الأول تجاه أي محاولة أميركية للحد من نفوذها في العراق، كما أنها تريد أن يكون لمسجدي دور أكبر في ملء فراغ مرحلة ما بعد "داعش"، وخصوصا في المدن التي كان يسيطر عليها التنظيم، وكلها سنيّة، ما يعني أننا قد نشهد حلقة أخرى من حلقات القتل المذهبي الممنهج الذي برعت فيه إيران طوال الأربعة عشر عاما الماضية.
العراق مقبل على انتخابات تشريعية في الربع الأول من العام المقبل، انتخابات ربما سيكون لها طعم آخر، خصوصا أنها ستجري في ظل التجاذب الأميركي الإيراني حول العراق. ومن هنا، يأتي تعيين مسجدي بالنسبة لإيران، مفصليا.
الغريب أن الولايات المتحدة التي قيل إنها قادمة في عهد ترامب للحد من النفوذ الإيراني في العراق لم تبد أي اعتراض على تعيين مسجدي الذي تعرف واشنطن أنه متورّط بإدارة مليشيات عراقية مسؤولة عن مقتل أميركيين في العراق.
تغير العالم، غير أن العراق عقب 2003 يرفض أن يتغيّر، فهو كما كان منذ 14 عاما، ساحة تجاذبات دامية بين أطراف مختلفة، في مقدمتها إيران وأميركا، ولا يبدو أن مجيء دونالد ترامب رئيسا في الولايات المتحدة سيغير من الواقع شيئا، كما يحلم الحالمون، كما أن مجيء مسجدي سفيرا إيرانيا في بغداد، لن يغيّر من الواقع الدموي القائم أكثر من إضافة مزيد من الدماء العراقية البريئة.
لا يتمتع مسجدي بأي صفات دبلوماسية، إلا أنه يتمتع بصفاتٍ أهم بالنسبة لطهران، فهو عسكري، عرفته ساحات القتال الإيرانية منذ ثمانينات القرن الماضي إبّان الحرب ضد العراق، كما أن له علاقات واسعة بقادة المليشيات الشيعية التي أنشاتها إيران في العراق قبل الغزو الأميركي في العام 2003 وبعده.
في العام 1981، أصيب مسجدي في معارك ديزفول مع القوات العراقية إصابة يقال إنها شلت نصف جسده، واحتاج إلى وقت طويل ليتعافى معافاة جزئية، الأمر الذي يجعل من مسجدي يحمل ضغينة الثأر والانتقام من العراق والعراقيين، وهي الضغينة التي حوّلها إلى فعل، بعد أن أشرف على إنشاء مليشيات شيعية عراقية، كان لها دور بارز في إشاعة حالة الفوضى وعدم الاستقرار في عراق ما بعد 2003، نتيجة ما ارتكبته من جرائم يرقى بعضها، وفقا لمنظمات دولية، ليكون جرائم حرب.
تفيد سيرة مسجدي بأنه كان الذراع الأيمن لقائد فيلق القدس الإيراني التابع للحرس الثوري، قاسم سليماني، والموضوع على لائحة الإرهاب الدولية، فمنذ 2014 تحديدا، عقب سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على ثلث مساحة العراق، انتدبه قائده، سليماني، ليقيم في العراق للإشراف على المعارك التي انطلقت عقب ذلك ضد التنظيم، وشارك في معركة الفلوجة، أخيرا، بشكل مباشر.
لا يخفي مسجدي توجهاته الطائفية، كما لا يخفي إشرافه المباشر على مليشيات الحشد الشعبي العراقية، فهو يجاهر، ولم لا، خصوصا إذا كان في بلد مثل العراق، بات لسان حال ساسته وإعلامهم، يلهج ليل نهار بحمد إيران.
يقول مسجدي إن مشاركة الحرس الثوري بضباطه في معركة الفلوجة كانت من أجل أن تبقى إيران مركزا للتشيع في العالم، معتبرا أن العراق وسورية خط الدفاع الأول عن التشيع وإيران.
هذا الجنرال المخضرم والمتشيع الذي لا يخفي حقده، حظي باستقبال كبير لدى وصوله إلى بغداد، استقبال من ساسة المنطقة الخضراء، وبعض المنتفعين من وجود إيران في العراق أو الخائفين على مراكز نفوذهم وسلطاتهم ومصالحهم وفسادهم وسرقاتهم.
فإيران تحمي كل هذه الخلطة العجيبة التي تدير عراق اليوم، وإيران تعتبر بغداد مركزاً مهما من مراكزها التي تدير من خلالها نفوذها حول العالم، وبالتالي، يعتبر منصب السفير سياديا، قد يتجاوز في أهميته منصب وزير الخارجية أو الداخلية أو حتى الدفاع في طهران.
جاء مسجدي، وابتلع كل ساسة بغداد ألسنتهم، بعد أن كانت تلك الألسنة غلاظا شدادا على السفير السعودي السابق في بغداد، ثامر السبهان، بحجة أنه جاء من خلفية عسكرية. ولم يُسمع صوت واحد مندّد بتعيين مسجدي سفيرا لإيران ، بل حتى الذين يعتبرون أنفسهم معارضة داخل العملية السياسية بعثوا برقيات التهنئة لمسجدي، مرفقةً بطلب تحديد موعد للمقابلة، علهم يحظون بهذا الشرف العظيم، شرف الجلوس أمام واحد من سفاحي شعبهم العراقي.
وبعيدا عن العواطف الرافضة وجود مثل هذا السفير في عاصمة العراق، تدرك طهران أن المرحلة المقبلة تتطلب وجود أكثر من مسجدي، وأكثر من سليماني في العراق، خصوصا في ظل الرغبة الأميركية المتواترة بأن يكون لواشنطن دور أكبر في عراق ما بعد "داعش"، وما تلا ذلك من نزول قوات أميركية في غرب العراق وشماله.
تريد إيران من مسجدي والمليشيات العراقية التي يرعاها حائط الصد الأول تجاه أي محاولة أميركية للحد من نفوذها في العراق، كما أنها تريد أن يكون لمسجدي دور أكبر في ملء فراغ مرحلة ما بعد "داعش"، وخصوصا في المدن التي كان يسيطر عليها التنظيم، وكلها سنيّة، ما يعني أننا قد نشهد حلقة أخرى من حلقات القتل المذهبي الممنهج الذي برعت فيه إيران طوال الأربعة عشر عاما الماضية.
العراق مقبل على انتخابات تشريعية في الربع الأول من العام المقبل، انتخابات ربما سيكون لها طعم آخر، خصوصا أنها ستجري في ظل التجاذب الأميركي الإيراني حول العراق. ومن هنا، يأتي تعيين مسجدي بالنسبة لإيران، مفصليا.
الغريب أن الولايات المتحدة التي قيل إنها قادمة في عهد ترامب للحد من النفوذ الإيراني في العراق لم تبد أي اعتراض على تعيين مسجدي الذي تعرف واشنطن أنه متورّط بإدارة مليشيات عراقية مسؤولة عن مقتل أميركيين في العراق.
تغير العالم، غير أن العراق عقب 2003 يرفض أن يتغيّر، فهو كما كان منذ 14 عاما، ساحة تجاذبات دامية بين أطراف مختلفة، في مقدمتها إيران وأميركا، ولا يبدو أن مجيء دونالد ترامب رئيسا في الولايات المتحدة سيغير من الواقع شيئا، كما يحلم الحالمون، كما أن مجيء مسجدي سفيرا إيرانيا في بغداد، لن يغيّر من الواقع الدموي القائم أكثر من إضافة مزيد من الدماء العراقية البريئة.