فبعد أشهر من التلويح بإجراءات للقضاء على السوق السوداء، فاجأ هشام رامز، محافظ البنك المركزي السوق، في فبراير/شباط الماضي، بفرض حد أقصى على الإيداع النقدي بالدولار في البنوك عند عشرة آلاف دولار يومياً للأفراد والشركات وبإجمالي 50 ألف دولار شهرياً.
وجاء هذا القرار المفاجئ بعد سلسلة تخفيضات للسعر الرسمي للجنيه وتوسيع هامش بيع وشراء الدولار في البنوك، مما دفع الجنيه للنزول 5% في غضون بضعة أسابيع.
وسرعان ما تلاشى الفارق بين السعر الرسمي للعملة والسعر في السوق السوداء، بعد أن كان أكثر من 10% قبل عامين. ومنذ ذلك الحين، يجري تداول الجنيه رسمياً بين البنوك بسعر 7.53 جنيهات للدولار.
ويقول متعاملون في السوق السوداء إن أحجام التداول هبطت بشدة منذ فرض حد على الإيداع بالدولار في البنوك، وهو ما يحرم من يريد شراء الدولارات خارج القنوات الرسمية من فرصة إيداعها في البنوك.
ونقلت وكالة "رويترز" عن مدير إحدى شركات الصرافة قوله إن "إجراءات رامز ذبحت شركات الصرافة. نعاني من ركود جامد جداً.. مفيش طلب ونبيع بأقل من سعر البنك".
وأضاف أن "السوق الموازية انتهت وشركات الصرافة تعاني من ركود شديد مثل حال باقي البلد. حد الإيداع خنق شركات الصرافة. أنا أشتغل 10 أيام فقط في الشهر".
وأشار إلى أن قطاع الاستيراد تأثر أيضاً، موضحاً أن "أكثر المستوردين تضرراً هم مستوردو السلع الهامشية، خاصة من الصين يليهم مستوردو قطع غيار السيارات، لأن البنك المركزي لا يغطي احتياجاتهم".
وقال محمد أبو باشا، الاقتصادي في المجموعة المالية "هيرميس"، إن فرض سقف على الإيداع بالدولار في البنوك زاد من صعوبة فتح خطابات ائتمان للشركات".
ونبه أن "الشركات لا يمكنها فعلياً الآن اللجوء للسوق الموازية، أصبح موقع كل منها على قائمة البنك المركزي للقطاعات ذات الأولوية أمراً مهماً فعلياً".
ويركز البنك المركزي الذي امتنع عن التعليق، في عطاءات الدولار الأسبوعية على تلبية الاحتياجات الاستراتيجية مثل الغذاء والطاقة. في حين تتراجع أولوية توفير العملة الصعبة لمنتجات أخرى مثل السيارات والأجهزة الإلكترونية.
وقال مدحت خليل الرئيس التنفيذي لمجموعة راية القابضة التي تعمل في استيراد أجهزة الكمبيوتر ومعدات الاتصالات، إن عدم توفير البنك المركزي للعملة الصعبة للمستوردين من أمثاله أدّى إلى تباطؤ النشاط.
وتابع: "نحن نستورد فلا أحد سيتوقف عن العمل. أنفق معظم وقتي في البحث عن وسائل للالتفاف على القواعد واللوائح بدلاً من التركيز على عملي".
معاناة المستوردين
قال أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين في اتحاد الغرف التجارية، والذي يضم نحو 800 ألف مستورد، إن المستوردين في كل القطاعات تأثروا سلباً بفرض سقف على الإيداع بالدولار في البنوك.
وأضاف: "هناك سلع اختفت من السوق مثل السماد وغيره بسبب عدم وجود سيولة. حجم الضرر كبير جداً على السوق والأسعار والمستهلك"، لافتاً إلى أن "بعض الشركات رفعت أسعارها بالفعل".
وأشار إلى أن خطوط الإنتاج متوقفة في بعض المصانع بسبب نقص العملة الصعبة.
وكشف شيحة عن رفعه مقترحاً إلى البنك المركزي يقضي بإلغاء الحد الأقصى للإيداع بالدولار إلى أن يصبح المركزي لديه القدرة على توفير الدولار للمستوردين.
من جهته، قال طارق أبو النور، وهو صاحب شركة شحن وتخليص جمركي: "المستوردون النهاردة بيلطموا... وهناك شلل في السوق".
وتابع: "المركزي عمل كل ده علشان يقضي على السوق السوداء وفعلاً ضربها في مقتل. طيب الناس اللي شغالة وعاوزة عملة صعبة لماذا لا يوفر لها المركزي احتياجاتها من العملة (خاصة أن) حصيلة الدولار زادت في البنوك؟".
ويرى محللون أنه مع تجاوز الطلب على الدولار المعروض سيواصل الجنيه النزول بنسب يقدرها بعضهم بنحو 10% وسط تأكيدات بأن وفرة العملة وليس السعر هو ما يشغل المستثمرين.
وتحتاج مصر إلى تحقيق نحو اقتصادي مستديم لإعادة التوازن إلى سوق الصرف على المدى الطويل، وهو ما يتطلب استثمارات تقدر بنحو 300 مليار دولار.
وقال عفت عبد العاطي، رئيس شعبة السيارات في غرفة القاهرة التجارية، إن حجم استيراد السيارات انخفض بين 70% و80% منذ تقييد الإيداع بالدولار.