قبل بضعة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية في أفغانستان المقررة في سبتمبر/أيلول المقبل، والتي يُتوقَّع إجراؤها في موعدها بدعم من المجتمع الدولي، على الرغم من التهديدات الأمنية الكبيرة، يواجه الرئيس الأفغاني أشرف غني مجموعة من التحديات داخل البلاد وخارجها، أبرزها الحراك السياسي المتصاعد ضده، والتوتر في العلاقة مع الولايات المتحدة. هذه التحديات التي تهدد طموحات الرئيس الأفغاني، أبرز المرشحين للرئاسة وأقواهم، بولاية ثانية، تطرح الكثير من التساؤلات حول مستقبله ومدى إمكانية نجاحه في الاستحقاق الانتخابي، على الرغم من تمتعه بشعبية كبيرة بسبب برامجه وإنجازاته الاقتصادية.
وبات الاجتماع القبلي "لويا جرغه"، وهو من أهم التقاليد والأعراف الموجودة في أفغانستان على مر التاريخ، محط جدل كبير، بل يُخشى أن يؤدي إلى حراك سياسي كبير ضد غني يستفيد منه المطالبون بتشكيل حكومة مؤقتة، والذين يعتبرون الحكومة الحالية عائقاً في سبيل المصالحة وسبباً للانشقاقات في الداخل. فبعد أن تمت مرحلة اختيار وتعيين المشاركين في الاجتماع القبلي، وعددهم وصل إلى 2500 من زعماء القبائل وعلماء الدين ونشطاء المجتمع والسياسيين والإعلاميين وبينهم الكثير من الشباب والنساء، رفض العديد من الأحزاب السياسية والوجوه المعروفة المشاركة في الاجتماع، بدعوى أنه يأتي كسعي من الرئيس للإبقاء على حكمه وكسب الشعبية، وهذا ما أثار استغراب كل من راقب الوضع الأفغاني عن كثب، كما أثار تساؤلات كثيرة حول نتائج هذا الاجتماع.
وكان الرئيس التنفيذي للحكومة عبد الله عبد الله، ومعسكره الذي يضم "الجمعية الإسلامية" بزعامة وزير الخارجية صلاح الدين رباني، وحزب "جنبش" بزعامة النائب الأول للرئيس الأفغاني الجنرال عبد الرشيد دوستم، أول من رفض المشاركة في الاجتماع. كما أعلن المرشح الرئاسي، المستشار الأمني السابق للرئيس، محمد حنيف أتمر، ومعسكره الذي يضم حزب "الوحدة"، أكبر الأحزاب الشيعية في أفغانستان، وبعض أعضاء "الحزب الإسلامي"، عدم المشاركة في الاجتماع. وانضم إلى قائمة الرافضين عدد آخر من المرشحين للرئاسة وهم: رئيس الاستخبارات السابق رحمت الله نبيل، ووزير الداخلية السابق نور الحق علومي، وأحمد ولي مسعود، وفرامرز تمنا. أعلن هؤلاء عدم المشاركة في الاجتماع بحجة أن هدفه غير معلوم، وأن الرئيس الأفغاني يسعى لكسب تأييد الشعب من خلاله. كما أثار سياسيون آخرون أسئلة حول أهداف الاجتماع ونتائجه، منهم زعيم "الحزب الإسلامي" قلب الدين حكمتيار، الذي ذهب إلى أبعد من ذلك قائلاً في تصريح صحافي: "أخشى أن ينقلب الاجتماع القبلي على الرئيس، وأن يعلن حكومة مؤقتة لأن فترة حكومة غني ستنتهي خلال شهر". كل تلك المواقف أثارت قلق الرئاسة الأفغانية، فقال مستشار الرئيس للشؤون القبلية ضياء الحق أمرخيل، في بيان له، إن رفض الاجتماع القبلي رفض لمطالب الشعب ومصالحه، داعياً جميع هؤلاء لمراجعة قرارهم. وعلمت "العربي الجديد" من مصدر في الرئاسة، أن الحكومة عملت باستخدام كل الوسائل لاحتواء القضية، ولكنها فشلت في إقناع المعترضين على حضور الاجتماع، عدا عبد الله عبد الله الذي وعد الرئاسة بالتشاور من أجل إعادة النظر في موقفه.
أما الخطوة الثانية، وهي تشكيل مجلس الشورى القيادي من أجل المصالحة، بهدف الحوار مع "طالبان" وتحديد خطوط حمر للمفاوضات، فهي أثارت أيضاً خلافات حول الهيئة المشاركة في اجتماع الدوحة مع "طالبان" يومي السبت والأحد المقبلين، والخطوط الحمر للمصالحة. وأعلنت بعض الشخصيات المعروفة رفضها قرارات مجلس الشورى بحجة أنها ليست حيادية وأن الحكومة تتدخّل في شؤونه، ومنها القيادي البارز في "الجمعية الإسلامية" محمد يونس قانوني، الذي قال في تصريح صحافي، إن قرارات المجلس غير حيادية وإنه لن يشارك في اجتماع الدوحة بسبب تلك القرارات.
ويبدو أن الخلافات حول قضية المصالحة تستهدف راهناً إضعاف موقف الرئيس وحكومته، في ظل تساؤلات عمن يقف وراء الدفع إلى هذه الاعتراضات، مع اتهامات تُوجّه من البعض للرئيس السابق حامد كرزاي، وتساؤلات عما إذا كان يستطيع أن يفعل ذلك لوحده، أم أن هناك من يساعده من الخارج. وثمة خشية لدى بعض رموز السلطة وبعض المراقبين أن تكون الولايات المتحدة نفسها وراء كل تلك الخلافات بهدف إتاحة الفرصة لتشكيل حكومة انتقالية تحل مكان حكومة غني، وذلك بعد أن رفضت الحكومة مطالب واشنطن الكثيرة، وأبرزها تنحي مستشار الأمن القومي حمد الله محب الذي وجّه انتقادات لاذعة للمبعوث الأميركي الخاص للمصالحة زلماي خليل زاد. حتى أن مسؤولين في القوات الأميركية غادروا اجتماعات في القصر الرئاسي، خلال الأيام الماضية، بسبب مشاركة محب فيها، ليثير تمسك غني ببقاء مستشاره جدلاً كبيراً بينه وبين واشنطن، فيما لا يصب التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة في مصلحة الرئيس الأفغاني الساعي للفوز بولاية رئاسية ثانية.
وتعليقاً على ذلك، قال المحلل الأمني الأفغاني، عتيق الله أمرخيل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن عمليات "طالبان" أضرت بالحكومة الأفغانية من جهتين: أولاً من خلال التصعيد والعمليات المسلحة وهو ما يزيد الضغط على الحكومة، ثانياً أن كثراً من الأفغان يرون أن عمليات "طالبان" ضربة لجهود المصالحة، وهي أتت نتيجة إعلان الحكومة العمليات ضدها.
وكلما ارتفعت وتيرة التصعيد وازدادت الخسائر، يرفع الشعب صوته من أجل المصالحة، حتى ولو كان ثمنها رحيل حكومة غني، وهو ما يزيد الضغوط على الرئيس ويستنزف شعبيته قبيل الانتخابات. كذلك تبقى قضية العلاقات مع الولايات المتحدة أكبر التحديات في وجه الرئيس الأفغاني، وخصوصاً أن تأييد واشنطن أمر ضروري لتعزيز حظوظ الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بحسب المحلل أمرخيل، الذي لفت إلى أن غني الذي يواجه تحديات كبيرة، بحاجة إلى تهدئة الأوضاع السياسية في الداخل، وتحسين علاقاته مع الولايات المتحدة.