مستحضرات تنحيف سامة في تونس... خداع الباحثات عن الرشاقة

تونس

بسمة بركات

avata
بسمة بركات
05 يونيو 2017
E9DBF4BD-37FD-4ADD-97D8-C1150A44FC0A
+ الخط -

ظنّت العشرينية التونسية منال شعبان، أنّ المستحضر العشبي الذي اقتنته عبر الإنترنت سيحقق أملها في إنقاص وزنها من 90 كيلوغراماً الى الوزن الملاءم لطولها والذي حددته لها طبيبتها بـ78 كيلوغرام غير أنها بعد أسبوع من استخدام الخلطة المعروفة بـ "سوبر منسيور super minceur أو المنحف المعجزة"، أصيبت بارتفاع في الضغط ونقص للحديد في الدم وإسهال وآلام في البطن.

اشترت منال المستحضر العشبي من الإنترنت، بعد دعاية مكثفة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" إذ تنتشر الصفحات التي تبيع المنتوج وتعد الباحثات عن الرشاقة بأن يفقدن ما بين 5 كيلوغرامات في الأٍسبوع و8 كيلوغرامات، لكن بعد مدة وجيزة من الاستعمال، شعرت بآلام في البطن، توجهت إثرها إلى طبيبتها لتكتشف بعد إجراء الفحوصات والتحاليل أنها: "استهلكت سموما".

ولم تكن منال، الفتاة الوحيدة التي اشترت "سوبر منسيور"، إذ زاد في سرعة رواجه انتشار السمنة وزيادة الوزن في تونس، اذ تعاني امرأتان من بين كل ثلاث تونسيات من السمنة، بحسب ما تؤكده اختصاصية علوم التغذية بالمعهد الوطني للتغذية، ليلى علوان في إفادة خاصة لـ"العربي الجديد"، وتأتي تونس في المرتبة السادسة عربياً والـ 24 عالميا في بدانة النساء، كما أنّ 75 في المائة من النساء لديهن زيادة في الوزن بمتوسط 71 كيلوغراما، وتعاني 33 من التونسيات من السمنة المفرطة بحسب تأكيدات رئيسة الجمعية التونسية للإحاطة بالبدينات في تونس، لبنى بن إسماعيل، لـ"العربي الجديد"، والتي أكدت أن دراسات الجمعية تؤكد أن الرغبة في التخلص من السمنة تدفع النساء الى التهافت على منتجات مجهولة تروج بشكل أساسي عبر الإنترنت، العديد منها تسبب أضرارا صحية جسيمة وقتية أو قد تظهر بعد سنوات.


تتبع المستحضرات المغشوشة

تتبعت معدة التحقيق 10 صفحات تروج لمنتوج "سوبر منسيور" تدعي كل منها أن المستحضر الذي تبيعه هو الأصلي وأن غيره مقلد، من أهمها "منتجات فطيمة المغربية" و "asswem hbal أسوام هبال" و"سوبر منسيور مائة بالمائة طبيعي"، و"سوبر منسيور قاطع الشهية"، وعبر الصفحات أجرت "العربي الجديد" استطلاع رأي شاركت فيه 100 مستهلكة ممن اقتنين المنتج، وتبين عبر النتائج أن 50 تونسية ممن جربن المنتوج، لم يشعرن بأي تغيير في الوزن، فيما شعرت 47 بآلام في البطن، صاحبه ارتفاع في ضغط الدم وتوقفن مباشرة عن استعمال المنتج، بينما لم تؤكد غير 3 مستهلكات أنّ وزنهن انخفض مقارنة بالسابق.

وفقدت 60% ممن اقتنين "سوبر منسيور" عبر الإنترنت، ثقتهن في جميع منتجات التنحيف المباعة بنفس الطريقة، ومن بينهن هدى بلطيف، الثلاثينية المقيمة في الجنوب التونسي، التي واظبت على استعمال "سوبر منسيور"، لكنها لم تفقد غراما واحدا، وتؤكد هدى أن الفضول دفعها إلى تجريب المنتوج، وهو الدافع ذاته الذي شكل عاملا لدى 30 في المائة من المستطلعة آراؤهم.



تحليل العينة

حصلت معدة التحقيق على عينتين من مستحضر "سوبر منسيور"، إحداهما تم شحنها وتسليمها من بائعة مسؤولة عن صفحة "أسوام هبال ASSWEM HBAL (أسعار جيدة بالدارجة التونسية)، والأخرى اشترتها مباشرة من بائع في منطقة المروج 4 في الضاحية الجنوبية في العاصمة تونس بـ 40 دينارا أي ما يوازي 20 دولارا أميركيا، وجرى تحليل العينتين في معهد باستور، التابع لوزارة الصحة العمومية التونسية، والمختص في التحاليل والأبحاث الطبية.

ويعتبر "باستور" أقدم معهد في تونس، إذ يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1893، وفقا لما قاله الدكتور رضا بن عيسى رئيس مخبر التحاليل الغذائية بمعهد باستور، والذي أقلقه انتشار وترويج منتجات غذائية ودوائية عبر الإنترنت.


استغرق تحليل المنتوجين أسبوعا، وكشف التحليل ارتفاعا شديدا في نسبة الفطريات في العينتين، إذ بلغت 150 ألفا moisissures levures في المنتجين، في حين أن المعدل العالمي لا يجب أن يتعدى ألفاً، وفقاً لما يؤكده المختص في علاج مرض السمنة، الدكتور زبير شاطر، موضحا أن هذه النسبة تسبب تسمم المستهلك.

ويلفت الدكتور شاطر إلى أن فترة حضانة الفطريات كانت قصيرة إذ تم كشف التحليل عن وجودها خلال أسبوع من اقتناء المنتج، ما يعني ارتفاع وزيادة نسبة الفطريات في حال تخزين المستحضر في البيت، إذ لا تستغرق الكمية فترة تتراوح ما بين أسبوعين وشهر لاستخدامها، ما يرفع النسب التي يحتويها المستحضر بنحو 5 مرّات.

وتحتوي العينتان على مكونات بهارات كمّون وتابل وإكليل، وأوراق السنامكي، وفق ما كشفته اختصاصية علوم التغذية بالمعهد الوطني للتغذية، ليلى علوان مؤكدة أن السعر الحقيقي للمنتوج لا يتجاوز دينارين، (دولارا واحدا)، غير أنه يسوق بسعر يتراوح بين 30 دينارا و40 دينارا (ما يعادل 15 دولارا و20 دولارا)، ووفقا لما تؤكده إيمان دحمان صاحبة إحدى الصفحات لبيع الأعشاب عبر الإنترنت، فإن القائمات على أمر الصفحات التي تبيع المنتجات المقلدة والضارة، يحذفن التحذيرات التي تكشف زيفهن.



أين دور وزارة الصحة؟

تعترف نادية فنينة مستشارة وزيرة الصحة المكلفة بملف الأدوية، بغياب الرقابة على الأدوية والمنتجات الصحية المسوقة عبر الإنترنت، قائلة: "نراقب جيدا الأدوية في تونس، ونتابع إجراءات السلامة، إلا أن تلك المباعة عبر الإنترنت تغيب عنها الرقابة".

وتشارك فنينة الدكتور رضا بن عيسى قلقه، من انتشار مستحضرات التنحيف العشبية السامة والمحفوفة بالمخاطر، غير أن السوق الافتراضية لا حدود لها ولا يمكن السيطرة عليها، وفقا لما قالته مستشارة وزيرة الصحة، والتي تعوّل على وعي المستهلكين، في عدم اقتناء أي منتجات صحية من فضاءات غير مراقبة.


وسحبت وزارة الصحة التونسية مستحضرا مشابها لـ"سوبر منسيور" قادما من نيجيريا، بعد بلاغات تقدم بها مستهلكون، وفقا لما يؤكده المدير السابق للتفقد الصيدلي في وزارة الصحة سابقا، لطفي السلامي والذي اتخذ القرار بعد ثبوت خطر الدواء الذي كان يروج بنفس الطريقة، قائلا لـ"العربي الجديد": "هناك اليوم عدة قضايا مرفوعة في المحاكم التونسية من قبل وزارة الصحة ضد مستحضرات دوائية مزيفة ومنتجات تنحيف ضارة".

لكن رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك، سليم سعد الله، يؤكد أنه لا يوجد من يريد فتح ملف المواد الصحية التي ترّوج عبر الإنترنت من المسؤولين، رغم تفاقم الظاهرة في الأعوام العشرة الأخيرة، بحسب ما رصدته المنظمة، ويؤكد سعد الله، لـ"العربي الجديد" أن الكثير من الصور والبيانات الخادعة، تغري المستهلكات ممن يبحثن عن الرشاقة، وتجعلهم يقبلن على هذه المواد دون معرفة أضرارها على الصحة، داعيا المستهلكات إلى الإبلاغ عن باعة هذه المستحضرات، حتى يمكن للمنظمة والمصالح المعنية متابعة المنتج وصاحب صفحة فيسبوك التي تروج للمنتوج، مبينا أنه رغم خطورة مثل هذه المنتجات، فإن المسؤولين يبقون في انتظار شكاوى لا تأتي، ما يساهم في خداع المزيد من الباحثات عن الرشاقة ومن بينهن سوار حشيشة، الصفاقسية التي تنتظر بشغف الحصول على المنتج، بعد أن طلبته عبر الإنترنت، آملة في التخلص من وزنها الزائد، غير عابئة بكل ما يثار حول المنتج من أضرار.