مساعي التخلص من المالكي تؤجّل ولادة "صحوات" جديدة

06 اغسطس 2014
عناصر من "الصحوات" في بغداد عام 2008 (فرانس/برس)
+ الخط -

تسعى الحكومة العراقية، منذ أسابيع، إلى إعادة لملمة قوات الصحوة العشائرية وتنظيم صفوفها، من أجل مقاتلة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بعد نحو ثلاث سنوات على تفكك تلك القوات فعلياً، إثر قطع الحكومة المرتبات الشهرية عنهم، واستبدالها بوظائف بسيطة لعناصرها.

وشهدت أربيل وبغداد، اجتماعات على مستوى رفيع بين رئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي، ومستشاره للأمن الوطني فالح الفياض، مع ممثلين عن عشائر سنيّة مختلفة في الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك وبغداد، من أجل الإعلان عن ولادة "الصحوة" الجديدة. غير أن تلك الخطوة لا تزال قيد المناقشة والدراسة.

تعتبر ولادة "صحوة" سنية جديدة، صعبة للغاية، فالظروف التي وُلدت في ظلها للمرة الأولى، تختلف عن الظروف الحالية، بدءاً من موقف العشائر من حكومة نوري المالكي، وانتهاءً بالقوة الحالية لـ"داعش"، وتفاوت الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لتلك العشائر والدعم الذي ستقدمه حكومة المالكي لها، فضلاً عن أن الشخصيات التي أشرفت على تأسيسها، كانت تملك شعبية كبيرة، وقبولاً في الوسط السني العراقي.

وأشرف قائد القوات الأميركية في العراق، الجنرال ديفيد بترايوس، في العام 2006، على تأسيس ميليشيات "قوات الصحوة" لمحاربة تنظيم القاعدة في الرمادي. وجرى دعم تلك القوات بأسلحة متوسطة وخفيفة، وبمرتبات شهرية تصل إلى نحو أربعة ملايين دينار شهرياً (نحو 2700 دولار أميركي) للعنصر الواحد. وقد نجحت تلك القوات العشائرية في استعادة السيطرة على الرمادي، ومنها زحفت إلى باقي مدن الأنبار. بعدها، أعلن قائدها، الشيخ عبد الستار أبو ريشة، تمدد قواته لتشمل بغداد ومدناً ومحافظات سنية أخرى.

واستمرت القوات الأميركية في دعم تلك المجموعات حتى بلغ قوامُها مائتي ألف مقاتل. لكنها تضاءلت بعد تسليم الجيش الأميركي ملفها إلى حكومة المالكي في العام 2010، عقب الانسحاب الأميركي من البلاد، فخفضت حكومة المالكي مرتباتهم إلى 500 ألف دينار، وسحبت أسلحتهم المتوسطة والثقيلة وحمايات قادتها، وهو مما أدى إلى اغتيال العشرات منهم، واضطرار الآخرين إلى إعلان "التوبة"، أو الفرار خارج البلاد.

وبحسب مصدر عسكري في هيئة رئاسة أركان الجيش العراقي، فإن الهدف من إعادة إحياء قوات "الصحوة" هو السعي لخلق جبهة داخلية في المدن التي يسيطر عليها "داعش"، بهدف إضعافه، إضافة إلى محاولة التقليل من خسائر قوات الجيش والميليشيات المتحالفة معه، وإضفاء طابع "الإرهاب" على جميع أشكال الحراك المسلح في العراق.

ويضيف المصدر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن" استمرار توافد قوافل القتلى من عناصر الجيش إلى المدن الجنوبية، من دون تحقيق أي انتصار فعلي على الأرض، شكل إحراجاً لحكومة المالكي، خاصة بعد اتهامات وجهت له من شيوخ عشائر شيعية بارزة، بأنه يهلك الشيعة في مدن سنية سكّانها أولى منهم بالدفاع عنها".

ويلفت المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، إلى أن "المقترح جاء ضمن الفقرة الثانية من تقرير فريق المستشارين الأميركيين، وأفاد بضرورة الاستعانة "بمقاتلين سنّة كقوات الصحوة لكبح جماح داعش". لكن هذا المشروع، وجميع المباحثات حوله، لم تصل بعد إلى نتيجة، لأن معظم من تم اللقاء بهم، شخصيات لا ثقل لهم على الأرض، ولأن الشارع السنّي موحد ضد المالكي أكثر من أي وقت مضى. وإن وُجدت بعض الحالات المتفرقة المؤيدة له، فهي لا ترتقي إلى أن تكون ظاهرة يمكن الاعتماد عليها.

ولا تبدو الظروف الحالية في مصلحة المالكي أو الولايات المتحدة في عملية إعادة تشكيل قوات الصحوة، خاصة إذا ما علمنا أن خمسة من أبرز قادتها الأوائل، تحولوا إلى قادة لفصائل مسلحة مناهضة للمالكي اليوم، أبرزهم أمير الدليم علي الحاتم والقائد العسكري السابق لها جاسم الدليمي.

وبطبيعة الحال، فإنّ غالبية من كان يتبعهم من عناصر "الصحوة"، تحولوا إلى مقاتلين في مجالس العشائر لقتال قوات المالكي، فضلا عن تحول المجلس التأسيسي للصحوة إلى كيان سياسي يمنعه دستورياً من الانخراط في العمل العسكري، ما يعني أن المالكي سيكون مضطراً إلى الاستعانة بوجوه جديدة تقل ثقلاً عن تلك الوجوه التي تناصبه العداء، على خلفية الأزمة الأخيرة، إضافة إلى افتقار الطرف الثالث الضامن لأي اتفاق يجري بين الطرفين (المالكي والصحوة)، بسبب فقدان غالبية قيادات السنة، الثقة بالمالكي.

وعن هذا الموضوع، يقول القيادي في المجلس العسكري لثوار العشائر، القائد العسكري السابق للصحوة، الشيخ جاسم الدليمي، لـ"العربي الجديد"، إن "الصحوات هي محاولة يائسة من المالكي لخلق اقتتال داخل البيت السني، ومحاولة لتخفيف الضغط على جيشه، وعليه أن يعلم أن الصحوات خلقت لقتال القاعدة عندما كنا نحلم بوطن يجمع كل الطوائف ولا يفرق بينهم، لكن اليوم معركتنا ومشكلتنا ليست مع أحد غير المالكي".

ويضيف "نحن ضد داعش وضد كل من يتفق مع مشروعها، ولنا توقيتنا حيالها، ونحن على يقين بأنها عبارة عن ظاهرة عابرة مؤقتة، لكن ما يقوم به المالكي وحزبه يعتبر مرحلة لتأسيس دويلة ذليلة تابعة لإيران تسعى لخلق نظام ولاية الفقيه، وهو ما نخشاه ونقاومه اليوم، ومتى ما سحقناه سنعود لتصفية أمورنا مع الآخرين"، في إشارة إلى تنظيم "داعش".

وتابع "بصراحة نحن إزاء داعش اليوم، كالقابض على الجمر، لكننا لن ندير بنادقنا ضدهم لأن هذا ما يتمناه المالكي وحلفاؤه، ولن نكسر ثورتنا كما فعل السوريون، فهناك أهم وهناك مهم". واعترف الدليمي بأن "عملية التخلص من المالكي أصعب بكثير من التخلص من داعش".

ويمكن ملاحظة مدى الحساسية التي تشكلها عبارة "الصحوة" الجديدة لرافضي التحالف مع المالكي ضد "داعش"، إذ بات هناك ما يمكن وصفه بـ"إجماع سني" على رفضها "في الوقت الحالي"، وهي عبارة تكررت لدى معظم الفصائل والتكتلات العشائرية، مما يعني أنها موافقة من حيث المبدأ على التخلص من "داعش"، لكن ليس برعاية حكومة المالكي، لأن من شأن ذلك أن يجهض ما تصفه تلك الأطراف بـ"الثورة ضد الظلم".

إنّ مشروع "الصحوة" الذي تسعى حكومة المالكي لجعله قارب نجاة لها، ورصدت نحو 500 مليون دولار لتطبيقه، وفقاً لتسريبات حكومية عراقية، سيكون ميتاً منذ ولادته، وإن خرج إلى النور، فسيكون مشوهاً لا تأثير عسكرياً له، بسبب افتقاره إلى عامل القوة العددية والقادة المؤثرين.