مزالق الأنظمة: العنف هو متغيّرات اقتصادية أيضاً

22 مايو 2016
تجهيز من أكياس فحم مناجم في غانا، إبراهيم ماهاما
+ الخط -

يطرح عالم الاقتصاد، الحائز على نوبل سنة 1993، دوغلاس سي. نورث، في مقدّمة كتاب "في ظل العنف: السياسة والاقتصاد ومشكلات التنمية"، تفسيرات اقتصادية لموقع العنف في المجتمعات النامية، حيث الأفراد والتنظيمات يستخدمون أو يهددون باستخدام العنف لجمع الثروات والموارد، في حين يتخذ العنف في مجتمعات أخرى وضع الكمون من خلال الامتناع عنه، مطلقاً على هذه المجتمعات الأخيرة "مجتمعات تعيش في ظل العنف".

وإلى جانب نورث، يشترك في تحرير الكتاب الذي صدر حديثاً عن "عالم المعرفة" بترجمة كمال المصري، كل من علماء الاقتصاد: جون جوزيف واليس، ستيفن بي. ويب، باري ر. وينغاست، ويقدّمون إطاراً مفاهيميّاً، من خلال دراسة تسع دول من العالم الثالث، من حيث علاقة العنف بالاقتصاد فيها.

يركز العمل في البداية على المجتمعات المقيّدة التي لا تشجع على استخدام العنف، حيث يضمن ذلك لكل جهة قادرة على استخدام العنف داخلها ريوعاً أكبر مما هو في ظل نزاع مسلّح يستخدم العنف، وتبعاً لذلك تنشأ ثقة لتحييد العنف، في حين تحوُل الترتيبات الاجتماعية في حالات أخرى دون استخدام العنف عبر خلق حوافز لمن يمتلكون القوة لدفعهم نحو التنسيق بينهم بدلاً من الاقتتال.

يقسم العمل المجتمعات إلى: بدائيّة، مفتوحة، ومقيدة، تقدّم الأخيرة حقوقاً سياسية واقتصادية كبيرة لنخبة محدودة فقط، وهي أنظمة تسود في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، في عالم ينعم فيه من "لهم القدرة على إثارة العنف أو الفوضى بامتيازات -ريوع - بينما يتلقّى من ليست لهم القدرة على ذلك حقوقاً قليلة وغالباً ما يتعرّضون للاستغلال".

عن بنغلادش يقدّم الباحث مشتاق حسين خان، مساهمته حول بلاده التي نشأت نتيجة العجز عن الاتفاق على تقسيم الريوع، بينما تأتي مساهمة كاي كايزر وستيفاني وولترز، لدراسة الكونغو، في ظل حكم موبوتو حيث لعب استخراج الموارد في هذا البلد دوراً كبيراً في الحكم.

وتركز مشاركة برايان ليفي على نموذج زامبيا وموزمبيق، لبيان الجدوى التحليليّة والعملية التي يمكن أن تعود على سياسات التنمية في تفسير تطوّر وأداء المؤسسات السياسية والاقتصادية، ثم غابرييلا ر. مونتينولا في التغيير والاستمرارية في النظام المقيّد، الفلبين نموذجاً، التي جسّدت النظام المقيّد الهش والأساسيّ.

ويفتح بالفي روي نموذج توزيع الريوع في الهند، والشبكة المعقدة داخلها من التسويات حيث يضع النظام السياسي فيها لكل ولاية الهيكل العام لتوزيع الريوع، ويقدم ألبيرتو دياز كايروس في "الحاشية المحصنة: الاقتصاد المقيّد في المكسيك"، عجز الدولة عن اتقاء العنف ومشكلات التنمية، ويعرض باتريشيو نافيا مراحل محاولات الانتقال في تشيلي من النظام المقيّد إلى النظام المفتوح، ويعرض جونغ سونغ يو حالة كوريا الجنوبيّة.

يتناول الكتاب ظروف عيش المليار نسمة الأشد فقراً ضمن هذه الأنظمة المقيّدة الهشّة، حيث يستطيع كل فصيل من فصائل الائتلاف المهيمن الوصول إلى العنف، في حين تعد القدرة على العنف المحدد الرئيسيّ لتوزيع الريع والموارد، ويتم إنشاء النظام المقيّد الأساسي بشكل جيّد مقارنة مع المقيّد الهش، حيث توجد امتيازات النخبة مع التحالف المهيمن ومع الحكومة، مثل الدول العربيّة، والبلدان الاشتراكية، وكوبا، وكوريا الشماليّة، شريطة ألّا تكون هذه النخب في منظمات مستقلة اقتصاديّاً.

وتظل قدرة العنف في النظم المقيّدة الأساسية، موزّعة بين المنظمات الحكوميّة مثل أجهزة الشرطة، والأمن السري، والقوات المسلحة، لكل منها طريقتها في استخراج الريوع من خلال الاحكتارات والفساد.

أما النظام المقيّد الناضج، فيحد فيه الائتلاف المهيمن من قدرة الحكومة على الوصول إلى المنظمات الخاصة، كما يحد من المنافسة من أجل خلق ريوع له، وكي يحافظ على نفسه ويمنع العنف. في حين تحتكر الأنظمةُ المفتوحة العنفَ من خلال الشرطة والقوات العسكرية التابعة لها، ويسيطر النظام السياسي على ما يصفها هنا المؤلف بالمؤسسات التي تحتكر الاستخدام الشرعي للعنف، كالشرطة والجيش.

المساهمون