مزاد الانتخابات التونسية

28 اغسطس 2017
الانتخابات البلدية تعقد للمرة الأولى منذ الثورة(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
سيذهب التونسيون بعد أشهر قليلة إلى الانتخابات البلدية، انتخابات لم تلتئم منذ قامت الثورة لأسباب عديدة أهمها انصراف الأحزاب إلى حسابات أهم من خدمة المواطن في تفاصيله القريبة التي تهمه بالدرجة الأولى، ولكنها تفطنت اليوم بقدرة قادر إلى أنها لن تنجح بدون إشراكه مباشرة في جوهر هذه العملية، وأصبحت كل الأحزاب تعلن أنها ستضم "مستقلّين" إلى قائمتها الانتخابية في مختلف الدوائر.

وتشهد مدن تونسية عديدة اليوم مزادات بين الأحزاب لاستقطاب شخصيات ذات شهرة ومصداقية في محيطها البلدي، لعلها تنجح في قلب الطاولة على التوازن القائم وعلى تأكيدات كل عمليات سبر الآراء التي تقدم حزبي النداء والنهضة على البقية.

لكن الانتخابات البلدية لا تخضع بالضرورة لمعايير الانتخابات الأخرى، التشريعية والرئاسية. وهذه الانتخابات بالذات ستكون مختلفة وحماسية وذات رهانات جوهرية. التونسيون منشغلون جداً بتردي أوضاعهم البيئية وخدماتهم اليومية، لكنهم في الوقت نفسه غاضبون من الأحزاب وهناك خيبة أمل حقيقية من المؤسسة الحزبية والإدارية أيضاً، أي الحكومات ووزاراتها، لذلك فنسبة العزوف قد تكون كبيرة إذا لم تفلح النخبة التونسية في إقناع شعبها من جديد بجدوى المشاركة والتغيير والإمساك بالقرار المحلي، وهو ما تخشاه كل الأحزاب التي دعت إلى تأجيل الانتخابات، لأنها أيضا غير جاهزة لاستحقاق شعبي واسع يحتاج وجودها في كل شارع وزقاق.

وبغض النظر عن نجاح هذه الانتخابات شعبياً من عدمه، فإن التونسيين سيخطون خطوة عملاقة نحو الديمقراطية الحقيقية، لأنهم سيضعون الحجر الأول في تقاسم  السلطة مع المركز وافتكاك القرار من العاصمة في اتجاه الأطراف والشروع أخيراً في المشاركة في صياغة مشاريعهم التي تهمهم بعد أن كانوا مجرد مستهلكين وتابعين، وسيتغير مفهوم المواطنة إلى الأبد في بلد يحبو نحو الحداثة الحقيقية.

ولكن يبدو أن كثيراً منّا لا يستوعبون جوهر هذا الرهان، ولا يَرَوْن في هذه الانتخابات أكثر من محطة أخرى من محطات الاستقطاب الإيديولوجي العقيم، والصراعات الوهمية التي ملّها التونسيون، وقد يدفعون ثمناً كبيراً إذا لن ينصتوا لهموم مواطنيهم.

 
دلالات