مرّوا من هُنا

17 مارس 2015
إحياء ذكرى الثورة السورية في بيروت (Getty)
+ الخط -
افتقدت بيروت معظم الوجوه التي بعثت فيها الكثير من روح الثورة السورية. كانت ملجأ عدد كبير من السوريين الذين انتقلوا إليها هرباً من نظامٍ يطاردهم، قبل أن تحكم الحرب بلادهم. نشطت شوارع وحارات بيروت، تلوّنت الصداقات البيروتية الدمشقية والطرابلسية الحمصية، والبقاعية الحلبية.

على مدّ الوطن وجدنا لأنفسنا مساحات جديدة من الحرية والتغيير، اجتمعنا بأصدقائنا السوريين ساعات، شاركناهم الاعتصامات والوقفات التضامنية. ولكن واقع السوريين يختلف اليوم عمّا كان عليه بداية الحراك الثوري السوري.

يغادر السوري بيروت، اليوم، باحثاً عن فرص السفر نحو مستقبل قد يبدو مليئاً بالخيارات، لتبدو بيروت كمحطة ترانزيت يحط فيها رحاله فترةً، يبحث عن راحة قد لا تدوم. ولكننا نريد لهم البقاء، قد تكون أنانية تحكمنا كبشر، قد تكون الصداقات، أو حتى الدروس القيّمة التي تشاركناها.

فلنعترف، الشعب السوري مشتتٌ اليوم، معارضاً كان أم مؤيداً، الشتات سيّد الموقف، ولو أن لنا تحفظات على خيارات البعض. "ناشطٌ سوريٌ أنهكته محسوبيات الثورة فانتقل من حمص إلى هولاندا" مثلاً، عنوان استوقفني خلال كتابتي هذه المقالة. من حمص إلى هولاندا، من بيروت إلى ألمانيا، من تركيا إلى فرنسا. أودّع قريباً صديقةً سورية أخرى تنطلق في رحلةٍ جديدة إلى أوروبا بعد أن خيّبت قوانين بيروت أملها. هي ليست الأولى، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة.

اختلفت بيروت في ذكرى الثورة من العام الحالي أيضاً، مشهدٌ سوريالي استقبل الحشد في ساحة الشهداء في البداية، المكان المعتمد عادةً، فهي إما تلك الساحة أو حديقة سمير قصير التي احتضنتنا مراراً وتكراراً منذ عام 2011. لكن المشهد، اليوم، لم يكن بالمتوقع، فقبل انطلاق الاحتفال بذكرى الثورة، احتلت الكلاب الساحة. نعم كلاب، كلابٌ من كل الأنواع والأشكال والأحجام، لم يتمالك صديقي نفسه فضحك قائلاً : "هي مظاهرة مؤيدة للنظام". كأننا أردنا لأنفسنا أن نعود بالذاكرة ولو قليلاً لروح فكاهتنا القديم.

انطلق الاحتفال وغابت عنه هذه السنة وجوه العديد من الأصدقاء الذين غادرونا. وخلال ترديد شعارات الثورة، كنت أتأمل من تبقى منهم حولي متسائلةً : من منهم سيقف جنبي في السنوات المقبلة، كتفاً لكتف، نهتف سويةً للحرية ونطالب بإصلاح الثورة الجميلة، نغني جنة جنة لوطنٍ عرفته من خلالهم، لا جواب.

قد تكون اللافتة التي تضمنت عبارة "سورية علّمينا أن نثور" الأقرب إلى الواقع الذي نحاول مقاربته. نحن (اللبنانيون) نبحث، حتى اليوم، عن شرارة ثورتنا التي لم يحن موعدها بعد. أمّا التلويح بعلم ثورتهم، فكان ولا يزال نقطة صراع عند كُثر، الحرية التي ندعيها في لبنان موجودة ولكنها جزئية، لا كمال هُنا.

يترتّب على حمل ذلك العلم أسئلة عديدة قد تكون لها تداعيات قاسية أحياناً، لكن في حضرة الذكرى والهُتاف، لا يسعك، اليوم، إلا التلويح بالعلم الأقرب إلى الثورة الحلم، بألوانه الجميلة، لا يسعك سوى مشاركته مع بعض الأصدقاء في مدينة الترانزيت الجميلة، بيروت، قبل أن يغادروا.
دلالات
المساهمون