مريم فخر الدين تاريخ سينمائي طويل

04 نوفمبر 2014
الفنانة الراحلة مريم فخر الدين (العربي الجديد)
+ الخط -
كانت تعيش داخل الشخصية التي تقوم بأدائها لأيام ولا تخرج منها إلاّ بصعوبة شديدة. رحلت ماري فخري الشهيرة بمريم فخر الدين عن عمر يناهز 83 عاماً بعد صراع مع الغيبوبة نتيجة جراحة دقيقة في المخ بعد آلام استمرت أسابيع طويلة. انطلقت خلالها شائعات تقول إنّها ماتت وكانت لم تمت ليسدل الستار أخيراً على قصة سينمائية جميلة كانت بطلتها الأميرة انجي كما لُقّبت في السينما المصرية استناداً إلى دورها في الفيلم الأشهر الذي كان أيقونة الرومانسية "رد قلبي". والرومانسية نفسها عاشتها أيضاً في فيلمها "الأيدي الناعمة" الذي جمعها بالنجمة ليلى طاهر التي قالت في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد": تلقّيت خبر مرض مريم بحزن شديد للغاية"، أمّا خبر وفاتها فقالت عنه: "أتعس خبر تلقّيته منذ سنوات". ووصفت مريم بأنها فنانة "متغذية" تمثيل. موضّحة، أنّ مريم ماتت إلاّ أنّ أفلامها باقية. وهذا هو الفرق بين الفن الحقيقي والفن المزيّف الذي يموت قبل أن يولد.

أما الفنان أحمد آدم الذي قدّم معها فيلم "يا تحب يا تقب" فقال: "لم تقدم مريم رحمة الله عليها أعمالاً كوميدية، إلاّ أنّها كانت في الكواليس تتمتع بخفة ظل كبيرة، وكنّا نندهش أنّها تجمع بين هذه الرومانسية النادرة الوجود وبين خفة الظل، فكانت تقلد فنانات موجودات الآن وتتهكّم عليهن بشكل طريف جداً. وكنت أنا وفاروق الفيشاوي والمنتصر بالله الذين شاركوا في الفيلم معي ومعها نسقط أرضاً من الضحك بسبب ما تفعله".

مريم فخر الدين اشتهرت بتصريحات إعلاميّة لاذعة بعد دخولها سن الشيخوخة، فقالت عن الفنان الراحل رشدي أباظة أنّه كان "هَيْموت عليها" وخلع باب الشقة عليها ليطلب يدها ويتزوجها، لكنّها رفضت لأنه "بتاع ستات". أمّا التصريح الأكثر سخونة والذي أثار جدلاً كبيراً، عندما صرّحت أنّها أحبّت العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ أثناء تجسيدها إحدى الشخصيات أمامه، بل وقالت إنها تلقت أحلى قبلة في حياتها منه. أثناء هذه التصريحات، اتهمت مريم بأنها وصلت إلى مرحلة الـ "الزهايمر".

في العام 1951 نشرت مجلة "إيماج" الفرنسية صورة الفتاة الجميلة "مريم محمد فخر الدين"، التي فازت في مسابقة اختيار "فتاة الغلاف"، بعدما شاركت بالصدفة، بسبب مرافقتها والدتها إلى المصوّر الذي عرض عليها أن يلتقط صورة لابنتها، على أن يمنحها مقابل ذلك ستّ صور مجّانية. قبلت الأم العرض. لم يمرّ ببال أحد أنّ الصورة لن تفوز فقط، بل ستكون مفتاحاً يفتح باب الشهرة أمام مريم.

وُلدت مريم في صيف العام 1933 في الفيّوم. كان والدها مهندساً وكانت والدتها سيّدة مَجَرية. كانت ترغب مريم متابعة دراستها، قبل أن يكتشف والدها في صندوق بريد المنزل شيكاً بمبلغ 250 جنيها من مؤسسة "دار الهلال"، كان يمثّل قيمة جائزة مسابقة الصور. ما أغضب الوالد كثيراً، فوجّه صفعة لأمّها وطرد كلّ من حاول الاقتراب من المنزل. حينها، توافدت قوافل الصحافيين بحثاً عن حوار مع "الحسناء الجميلة"، وتوافد المنتجون والممثلون أيضاً في محاولة لإدخالها عالم التمثيل، فكان الطرد من نصيب أنور وجدي، وحسين صدقي. ولم يوافق الأب إلاّ على عملها مع أحمد بدرخان الذي كان صديقاً له واستطاع اقناعه بأنّه سيكون أميناً عليها وسيقدّمها في فيلم يحمل رسالة اجتماعية راقية وبمنظر لائق غير مبتذل. واشترط والد مريم أن يحتوي الفيلم على مشهد تجلس خلاله ابنته على سجّادة الصلاة، كإجراء احترازي لتثبيت وقارها في أذهان الجمهور. وهكذا ظهرت مريم للمرّة الأولى على الشاشة في فيلم "ليلة غرام" العام 1951، ثم قدّمت بعده " السماء لا تنام" و"المساكين. لكنّ دور "سعدية" في "الأرض الطيبة" شكّل انعطافاً مهمّا في مسيرتها، وكان من إخراج زوجها الأوّل محمود ذو الفقار، الذي تُعتَبَر فترة زواجها منه جزءًا من جحيم حياتها. فقد كان يستأثر بأجرها، ويغار عليها غيرة شديدة بسبب فارق السنّ الكبير بينهما، الذي فاق العشرين عاماً.

تروي أنّها هربت منه إثر شجار بينهما، حافية وبقميص النوم، وظلّت تركض في الشارع حتّى وصلت إلى بيت والدتها. ولم تستطع أن تتطلّق منه إلاّ بعد أن جمعت مبلغاً كبيراً من المال خفية عنه، كانت تضعه في جواربها، على حدّ قولها، حتّى لا يأخذه منها. واشترت شقّة في البناية نفسها، واغتنمت فرصة سفره لتنتقل إليها. طلّقها في العام 1960 بعد زواج دام ثمانية أعوام.

حصرها جمالها داخل نطاق ضيّق من الأدوار لا يتعدّى دائرة الفتاة الرومانسية الرقيقة الطيبة، ولُقِّبَت بـ"حسناء الشاشة" و"برنسيسة الأحلام" و"ملاك السينما" و"المرأة الحالمة". لم تخرج مريم من هذا الحصار إلاّ في السبعينيّات، وبدأت بتقديم أدوار الأم في بعض الأعمال، منها: "بئر الحرمان"، التي مثّلت به دور والدة سعاد حسني، "دقّة قلب" و"وداعاً إلى الأبد". وصل رصيدها إلى أكثر من 230 عملاً بين فيلم ومسلسل، وكان آخر ظهور لها في العام 2009 خلال مسلسل "الوتر المشدود".

لم تكن حياتها وزواجاتها مستقرّة. بعد طلاقها من ذو الفقار، ارتبطت مباشرة بالدكتور محمود الطويل، وتطلّقت بعد أربعة أعوام، لتتزوّج من المطرب السوري الشهير فهد بلّان. ثم ارتبطت بشريف فضالي وتطلّقت منه أيضاً. صرّحت مرّة أنّ طلاقها كان دائماً بسبب بحثها عن "الحبّ".

كانت صديقة مقرّبة من الفنّانيْن فريد الأطرش وأحمد مظهر. قد لا يعرف كثيرون أنّ مريم كانت مصابة بمرض وراثي في الأذن كاد يفقدها سمعها تماماً. وكانت تحتاج أحياناً إلى إشارات يدوية من المخرج لأنّها لم تكن تسمع، وأنّها ألقت بنفسها في الماء رغم تحذير الأطباء، وذلك لأداء مشهد في فيلم "إرحم حبّي". كما عطّل فيلماً آخر علاجها هو "البنات والصيف"، لأنّها كانت متمسّكة بدور البطولة أمام عبد الحليم حافظ، ما جعلها تؤجّل السفر للعلاج.

كان جمالها مفتاح دخولها إلى عالم السينما، وموهبتها سلاحاً سيجعل العالم يتذكّرها كواحدة من أجمل الممثلات "صورةً" و"أداء".
دلالات
المساهمون