وجه القيادي الفتحاوي الاسير مروان البرغوثي انتقاداً حاداً للقيادة الفلسطينية التي تجاهلت قضية الأسرى في الاتفاقيات التي وقعتها مع الاحتلال الإسرائيلي في السابق. وطالب المستوى الرسمي الفلسطيني بوقف الاعتقالات الإسرائيلية وإطلاق شامل لسراح جميع الأسرى شرطاً للشروع بأي عملية مفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي.
وانتقد البرغوثي، في ورقة عمل كتبها في سجن "هداريم" الإسرائيلي من زنزانة الرقم (28)، عدم الاهتمام الكافي بقضية الأسرى سواء في الخطاب السياسي أو الإعلامي، مشدداً على ضرورة استخدام منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية خطاباً سياسياً وقانونياً يطالب بمعاملة الأسرى كأسرى حرب، أو مدنيين معتقلين من قبل قوة الاحتلال.
وطالب البرغوثي بمقاطعة المحاكم الإسرائيلية، التي تمثل غطاءً قانونياً لجرائم وانتهاكات الاحتلال، وهي ساحات لعقد الصفقات الرخيصة بين النيابة العسكرية وبعض المحامين المتواطئين مع الاحتلال وأجهزته الاستخباراتية.
وقال البرغوثي: "كان وما زال عموم الأسرى ضحية لقيادة لم تلتزم بميثاق النضال الذي يحتم على القيادة الاحساس بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية والنضالية والإنسانية، والتصرف تبعاً لذلك تجاه مناضليها الذين نفذوا تعليمات هذه القيادة".
وجاءت اتهامات البرغوثي خلال ورقة عمل في مؤتمر المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية "مسارات" الذي عقد في رام الله، وقدمتها زوجته فدوى، بالنيابة عنه.
وطالب البرغوثي القيادة الرسمية الفلسطينية بالتمسك بثلاثة شروط أساسية قبل الشروع بأي مفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي وهي أولاً: الإصرار على وقف الاعتقالات بصورة كاملة، وخصوصاً في ظل تنسيق أمني شامل وفر للاحتلال أمناً لم يحلم به ولم يستطع إنجازه بكل ما أوتي من قوة عسكرية.
ثانياً: اشتراط الإفراج الشامل عن الأسرى في جدول زمني محدد وملزوم للانخراط في أي عملية تفاوضية، وذلك بغض النظر عن موقفنا من هذه المفاوضات لجهة صحة إجرائها أو الشروط التي يجب أن تنعقد وفقها.
ثالثاً: الإصرار على الإفراج عن النواب الأسرى واحترام حصانتهم السياسية، شرطاً مقدماً لإجراء أية مفاوضات، ومن "المؤسف هذا الصمت على اعتقال النواب، علماً أن هؤلاء يمثلون، ليس بأشخاصهم، وإنما بشرعيتهم إرادة الشعب وكرامته".
وأوضح البرغوثي أن الشروط السالفة الذكر، التي يجب على القيادة الفلسطينية الرسمية أن تعمل بها، تأتي بسبب التجربة المريرة التي دفع ثمنها وما زال آلاف المناضلين والأهالي والعائلات، وبعد مرور أكثر من 23 عاماً، على إطلاق المفاوضات في "مؤتمر مدريد"، خصوصاً أن العمل المقاوم للاحتلال والاستيطان يتراجع وإسرائيل في حالة تهدئة مفتوحة منذ سنوات، في وقت ينعم فيه الاحتلال والاستيطان وإسرائيل بأمن لم يشعروا به من العام 1967.
وقال البرغوثي:" لم يحدث أن جرت مفاوضات بين حركة تحرر وطني وأهملت وتجاهلت قضية تحرير الأسرى كما حصل في الحالة الفلسطينية، ووقعت منظمة التحرير "اتفاق أوسلو 1" من دون اشتراط الإفراج عن أي اسير ومن دون شمولية نص أو حتى إشارة صغيرة أو عابرة أو حرف عن الأسرى.
وأضاف البرغوثي أنه عندما جرت المفاوضات لاحقاً وتم توقيع "اتفاق أوسلو 2" فإن الإفراج عن الأسرى لم يشمل الذين تتهمهم إسرائيل بقتل أفراد الاحتلال، وبقي هؤلاء الذين وصل عددهم إلى المئات بما يزيد عن 34 عاماً، في سجون الاحتلال.
وانتقد البرغوثي عدم الاهتمام الكافي بقضية الأسرى "التي لم تحتل بعد المكان المناسب في الخطاب الفلسطيني السياسي والإعلامي، بما تستحق، باعتبارها جزءاً من كفاح ومقاومة ونضال الشعب الفلسطيني العادل في سبيل الحرية والعودة والاستقلال، ويجب تناولها في كل محفل وطني ودولي من مستويات القيادة الفلسطينية كافة".
وقال البرغوثي إنه "حان الوقت لاتخاذ قرار في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وعلى مستوى الفصائل والمؤسسات ذات العلاقة بالأسرى باستخدام خطاب سياسي وقانوني يطالب بمعاملة الأسرى، وهم إما أسرى حرب وإما مدنيون معتقلون من قبل قوة الاحتلال، كمناضلين من اجل الحرية، ولهم كيانهم السياسي وممثلهم المعترف به دولياً، ومخاطبة العالم على هذا الأساس، بما في ذلك التوجه إلى الجمعية العامة للأممم المتحدة، وأيضاً أن يكون جزءاً من الموقف الفلسطيني السياسي والتفاوضي".
ولفت البرغوثي إلى أن "هناك تطوراً ملحوظاً في الاتجاه الصحيح ولكن يجب أن يتحول هذا التطور إلى استراتيجية وطنية للتعامل مع قضية الأسرى كقضية مركزية ومحورية".
وبحسب البرغوثي، يوجد اليوم خمسة آلاف أسير في سجون الاحتلال فيهم أكثر من ألفي أسير محكومين أكثر من 10 سنوات من بينهم 500 أسير محكوم بالمؤبد مدى الحياة، كما أن هناك أكثر من ألف أسير قضوا أكثر من 10 سنوات فما فوق، وهذا الرقم عدداً وحكماً هو الأكبر منذ بداية الاحتلال العام 1967.
وتساءل البرغوثي، هل قامت الحركة الوطنية الفلسطينية بمختلف فصائلها وقياداتها بواجبها الوطني والتنظيمي تجاه أعضائها الذين يقبعون في الأسر، علماً أن إطلاق سراح الأسرى يأتي نتيجة إما تبادل، وإما عملية سياسية ويتطلب ضغطاً وطنياً ودولياً مستمراً على قوى الاحتلال.
وقال إن "الفصائل الفلسطينية خلال ثلاثة عقود ماضية نجحت في عملية تبادل واحدة، التي تمت في الفترة الأخيرة، والفترات التي امضاها البعض وما زال يقضيها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال هي الأطول زمناً والأكثر عدداً في تاريخ حركات التحرر والشعوب المستعمرة".
وطالب البرغوثي باتخاذ قرار وطني على مستوى القيادة السياسية لكافة الفصائل والمؤسسات ذات العلاقة "بمقاطعة شاملة ودائمة ونهائية للمحاكم الإسرائيلية المدنية والعسكرية، بما يتعلق بالاسرى على الأقل، وحظر التعامل معها أو المثول أمامها، وإلزام المحامين بهذا القرار الوطني الذي يتوافق بقرار من الحركة الأسيرة، حيث يتم منع وحظر مثول الأسرى أو تقديم مرافعات في المحاكم، وعلى أن يتم تطبيق عقوبات على كل مخالف، بما في ذلك عدم صرف مخصصات مالية له أو أية حقوق، ومن جهة آخرى القيام بحملة سياسية وإعلامية وقانونية لإسناد هذا القرار الوطني محلياً ودولياً".
واعتبر البرغوثي المحاكم التي لم تصل فيها أحكام البراءة إلى 1 في المئة منذ 1967، تمثل غطاءً قانونياً لجرائم وانتهاكات الاحتلال، وتنتهك اتفاقيات جنيف والمواثيق الدولية.
ويرى البرغوثي في محاكم الاحتلال الإسرائيلي "ساحات لعقد الصفقات الرخيصة بين النيابة العسكرية وبعض المحامين المتواطئين مع الاحتلال وأجهزته الاستخباراتية".
وحسب البرغوثي: "الغريب وما يدعو إلى الاستهجان والاستنكار، أن هذا الامر لم يراجعه أو يدرسه الفلسطينييون ومؤسساتهم السياسية والقانونية والوطنية ليأخذوا قراراً وطنياً واستراتيجياً، وهذا أحد مؤشرات الفراغ التي نعيشها، ودليل آخر على عجز هذه المؤسسات عن اتخاذ قرارات ضرورية ومصيرية في هذا الصدد".
وعزا البرغوثي غياب الثقافة الامنية للمقاومة والمقاتلين، إلى "أن غالبية الفصائل تخلت عن مفاهيم وهياكل وعقيدة المقاومة وتحولت إلى فصائل ذات بنية حزبية وسياسية في الجوهر، وكذلك لأن القادة والكوادر من ذوي الخبرة إما استشهدوا خلال المسيرة أو اعتقلوا لفترات طويلة أو تخلوا عن القيام بأية مهمة لها صلة بمقاومة الاحتلال تجنباً لدفع أي ثمن".