مرصد العدالة الاجتماعية: العقاب السوري

09 فبراير 2015
ارتفاع أسعار المواد الغذائية وخاصة الخبز (وكالة الأناضول/getty)
+ الخط -
لا يكاد يمر عام واحد لا تقوم فيه الحكومة السورية برفع أسعار المشتقات النفطية. إذ إنها وفي محاولاتها الدؤوبة للحد من ‏الاستنزاف الحاد لمواردها، باتت تعتمد على استنزاف موارد السوريين والسطو على مقدراتهم الشحيحة. ففي الوقت الذي ‏تواصل فيه أسعار النفط هبوطها الشديد، رفعت الحكومة أخيراً أسعار مادة المازوت بنسبة 56%‏ والغاز بنحو 37%، كما قررت زيادة متاعب السوريين برفع أسعار الخبز بنسبة 40%. وبذلك تكون قد تخلّت ‏عن دعم المشتقات النفطية بصورة كاملة، ومادة الخبز بصورة جزئية.‏ هكذا، تحولت حياة السوريين في أرضهم إلى عقاب مستمر، يبدأ بالقصف وفرض الموت كأسلوب "حياة" إلزامي، إن لم يكن بالبراميل المتفجرة والقصف والسجن والخطف، فبالقتل برداً وجوعاً. 
فقد أُتبع قرار رفع الأسعار بمرسوم رئاسي قضى بمنح تعويض نقدي وقدره 4000 ليرة سورية شهرياً للعاملين في القطاع الحكومي، ويعادل ذلك التعويض 19 دولاراً أميركياً، لا يمكن أن تفي بأدنى المتطلبات المعيشية في سورية حالياً.
يضع وزير الطاقة في الحكومة السورية المؤقتة، الياس وردة، رفع النظام لأسعار المشتقات النفطية في سياق "حاجته إلى ‏المال من أجل مواصلة الحرب على الشعب السوري". ويقول، في حديث لـ"العربي الجديد": "أصيب النظام بإنهاك شديد ‏على الصعيد الاقتصادي، وكذلك هو الحال مع حلفائه بعد التخفيض الحاد في أسعار النفط العالمي التي يعتمد عليها ‏اقتصاد كل من روسيا وإيران بصورة كبيرة، ما أدى الى البحث عن موارد جديدة لتمويل الحرب".

أثار اجتماعية مباشرة
وحول الآثار المحتملة للقرار، يقول الوزير إنه سيفاقم من "تدهور قيمة الليرة ‏السورية ويزيد من انحسار مصادر دخل النظام. ومن المتوقع أن يسرّع ذلك من انحدار الاقتصاد الوطني، ويزيد معدلات ‏الفقر، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى زيادة السخط الشعبي وتفكك قواعد النظام حتى بين أنصاره". كما من المتوقع أن يؤدي ‏القرار، بحسب الوزير، إلى "زيادة مستويات هجرة السوريين، ويعتبر ذلك بمثابة استنزاف خطير للقوة البشرية التي تعتبر ‏أساس النمو الاقتصادي المنتظر".‏
بدوره، يؤكد رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية، الدكتور أسامة القاضي، أن قرار التخلي عن دعم المشتقات النفطية كان ‏‏"حاضراً لدى الحكومة السورية منذ عام 2007، عندما قدم النائب السابق لرئيس مجلس الوزراء، عبد الله الدردي، برنامجاً ‏تجميلياً مجتزءاً بدلاً من برنامج للإصلاح الاقتصادي الفعلي يرتبط بوقف الفساد والإهمال والمحسوبيات". أوقف اندلاع الثورة ‏مخططات النظام برفع الدعم تجنباً لزيادة السخط الشعبي، "ولكن الأزمة طالت وجلبت معها كل أنواع الضيق الاقتصادي ‏على النظام من عقوبات اقتصادية عالمية، إلى دخول "التحالف الدولي" الأجواء السورية، والأهم من كل ذلك، سيطرة داعش على كل ‏المقدرات النفطية تقريباً، ما يجعل رفع الدعم أمراً منطقياً ضمن الأحداث الجارية، فضلاً عن أن النظام يعتقد أن توفير ‏مبالغ دعم النفط والخبز سيساعده مادياً في استمرار الأعمال العسكرية ضد الشعب".‏
وقد عملت الصحف الحكومية ووسائل الإعلام المقربة من النظام على تحضير الرأي العام لتلك الصدمة من خلال دعوات ‏متكررة إلى "عقلنة الدعم" وإلى "تحرير أسعار المشتقات النفطية"، وذلك بذريعة عدم تهريبها إلى دول الجوار، وتحديداً إلى ‏لبنان والأردن، حيث ترتفع أسعار المشتقات النفطية عنها في سورية. وفي تعليق على تلك المزاعم، يقول القاضي: "يبدو ‏واضحاً أن الدعم العراقي النفطي للنظام قد تراجع بشكل كبير لأسباب سياسية وأمنية، ما زاد من شح مادة المازوت، ‏وخاصة في المناطق التي يسيطر عليها النظام". ويضيف: "الطريف أن النظام يقول إن سبب رفع الأسعار هو تهريب مادة ‏المازوت، في الوقت الذي يفقد فيه السيطرة على كل معابر سورية تقريباً، فضلاً عن فقدان السيطرة على كل ‏آبار النفط في سورية، ورغم كل ذلك لا يزال يتعلّل بمسألة التهريب!". ‏
فقد نجح النظام السوري، إذن، في توحيد الأسعار في سورية مع بلدان الجوار بصورة تقريبية، من دون أن يهتم للحقيقة التي ‏تقول إن متوسط دخول السوريين ينخفض عن متوسط الدخل في لبنان والأردن بأكثر من 500%. بالنتيجة، فإن ‏‏"المدنيين السوريين هم الخاسر الأكبر من الأسلوب العبثي للنظام في التعامل مع أزمة كبيرة بحجم الأزمة السورية"، يختم ‏القاضي.‏

زيادات واهية
يقول أبو ‏ناصر (45 عاماً)، موظف في القطاع الحكومي، ويقيم في العاصمة دمشق، إنه "بعد ‏رفع أسعار المازوت، ستحتاج العائلة إلى نحو 50 ألف ليرة سورية للتدفئة خلال أربعة أشهر من فصل الشتاء، فضلاً عن ‏ارتفاع أسعار كل من الغاز والخبز وبقية السلع المرتبطة بتلك المواد، فيما تتكرم علينا الحكومة بـ4 آلاف ليرة كتعويض ‏عن ذلك الارتفاع الجنوني في الأسعار، ما يعني أن الزيادة واهية، ولا تساعد في تخفيف الأعباء المعيشية".
يتقاضى أبو حسام راتباً تقاعدياً من الدولة وقدره 13 ألف ليرة سورية، ومع زيادة 4000 ليرة، سيصبح التعويض الأخير 17 ‏ألف ليرة، أي ما يعادل 80 دولاراً أميركياً "بالكاد تغطي فواتير المنزل من كهرباء وماء وغاز بعد الاستغناء عن ‏المازوت بشكل كامل"، بحسب أبو حسام.
فيما يتقاضى أبو عامر (55 عاماً)، راتباً وقدره 28 ألف ليرة ‏سورية، أي ما يعادل 132 دولاراً بعد 25 عاماً من الخدمة الفعلية في القطاع العام. يقول أبو عامر، لـ"العربي الجديد": "كنا نحصل على ربطة الخبز بمبلغ وقدره 40 ليرة ‏حتى قبل رفع سعرها الأخير إلى 35 ليرة، أما اليوم فنحصل عليها بنحو 50 ليرة، ما يعني ارتفاعها بشكل لافت. الى ذلك، ارتفع سعر طن الحطب للتدفئة من ‏‏12 ألف ليرة قبل عام إلى نحو 40 ألف ليرة اليوم، الأمر الذي ينعكس سلباً على قدراتنا المعيشية".‏
المساهمون