مرحلة ما بعد سقوط المشروع الفلسطيني غير ما قبلها

01 يناير 2015
المرحلة الأصعب على عباس بدأت (سيم أوزديل/الأناضول)
+ الخط -
اعتبر مراقبون ومحللون سياسيون أن "القيادة الفلسطينية انتقلت من مرحلة التخبّط والتناقض، إلى مرحلة مواجهة إحباط الشارع الفلسطيني، بعد فشل مشروع إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، الذي قدمته إلى مجلس الأمن، بعد أشهر من التحضير للمشروع وإقناع العالم به عبر تحركات دبلوماسية واعترافات برلمانات أوروبية".

وترى أوساط من المحللين أن "الانفراد بالقرار السياسي تسبّب بأخطاء جسيمة، سواء على صعيد إعطاء معلومات مغلوطة للرأي العام حول توافر الأصوات التسعة للمشروع، أو على صعيد توقيت تقديم المشروع أمام مجلس الأمن قبل ثلاثة أيام من تغيير تركيبته، التي كانت ستضمن الأصوات اللازمة لإنجاح القرار. لكن القيادة قررت ألا تتصادم مع الولايات المتحدة ولا تُحرجها عبر حق النقض".

وتشير الأوساط، إلى أن "الأمور ذاهبة باتجاه التصعيد في ظل الإحباط الشعبي من القيادة، والانتقادات الحادة من الفصائل، ودخول القيادي المطرود محمد دحلان على الخط بشكل سافر، لانتقاد خطوات القيادة السياسية واستمالة الشارع نحوه تحت شعار المصلحة الوطنية الفلسطينية".

وكان مندوب فلسطين في الأمم المتحدة رياض منصور، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنان عشراوي، قد أكدا قبل نحو ساعة من تصويت مجلس الأمن، أن "المشروع الفلسطيني يملك تسعة أصوات في مجلس الأمن". الأمر الذي لم يحدث، وتفيد المعطيات بأن القيادة الفلسطينية كانت قد حصلت على وعد من نيجيريا، بالتصويت لصالح القرار، لكنها تراجعت عن وعدها وأغلقت قنوات الاتصال مع الرئاسة في رام الله، ووفد فلسطين في نيويورك قبل لحظات قصيرة من اجتماع مجلس الأمن، لتمتنع عن التصويت، ما أجهض مشروع القرار.

وترى الأوساط أن "السبيل الوحيد المتاح أمام القيادة الفلسطينية الآن، لمواجهة إحباط الشارع الفلسطيني، وعدم إيمانه بها، فضلاً عن انتقادات الفصائل الفلسطينية للقيادة، والحراك السلبي الذي يقوم به دحلان في أوساط فتح والشارع الفلسطيني، لا يمكن تجاوزه إلا عبر التوقيع على اتفاقية روما للالتحاق بالمحكمة الجنائية الدولية، وتحديد العلاقة مع إسرائيل والمقصود به وقف التنسيق الأمني. لكن المطلب الأخير قد رفضته القيادة بالفعل قبل أسبوعين، بذريعة أن التنسيق الأمني يشكل مصلحة فلسطينية".

ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "الفشل أمام مجلس الأمن أثبت أن ما تقوله القيادة عن ورقة الدبلوماسية الفلسطينية والاعترافات الدولية، ليست رابحة بالقدر الذي يقال عنها". واستطرد "في العام 1988 كنا أفضل دولياً من اليوم".

لكن الاتهام الأبرز الذي يُوجّه للقيادة الفلسطينية، هو لماذا لم تقم بتأجيل التصويت على مشروع القرار حتى بداية العام المقبل أي بعد أقل من 72 ساعة، ما كان سيكفل لها أصواتا في مجلس الأمن بعد تغيير تركيبته المتوقعة لصالح دولة فلسطين.

هذا السؤال الذي أجاب عليه مندوب فلسطين في الأمم المتحدة رياض منصور، وكذلك صائب عريقات، في تصريحات صحافية، أمس الأربعاء، عندما أكدا لوسائل الإعلام الفلسطينية، أنه كانت لديهم أوامر وتعليمات من القيادة بضرورة تقديم مشروع القرار للتصويت مساء الثلاثاء".

لكن منصور استدرك في تصريحاته "لو تريثت القيادة حتى مطلع العام لكان هناك أصوات أكثر بعد تغير تركيبة مجلس الأمن، وهو من الناحية الفعلية لن يغير شيئا لأن الفيتو الأميركي في الانتظار، لكنه كان من الممكن زيادة الضغط على الولايات المتحدة على اعتبار أنها هي من عطلت مشروع القرار". وناقض عريقات ما قاله منصور، لافتاً إلى أنه تم تقديم المشروع الثلاثاء، "لنقول للعالم إنه لم يعد أمامنا وقت للانتظار والتردد والتريث".

ويبدو أن جواب عريقات يخلو من المنطق، واستعراضياً أكثر منه سياسياً، لأن المتابع للوضع الفلسطيني يعرف أن هذه الخطوة أي تقديم مشروع إنهاء الاحتلال إلى مجلس الأمن كانت قد بدأت فعلياً منذ خمسة شهور، وأن ثلاثة أيام إضافية لم تكن لتحسب على التريث والانتظار السلبي.

ويذهب المحاضر في العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، سمير عوض، إلى القول إن "القيادة الفلسطينية كانت تعرف أنها لن تحصل في تركيبة مجلس الأمن الحالية على الأصوات التسعة، لذلك قررت التقدم بالتصويت في هذا الموعد حتى لا تحرج الولايات المتحدة".

وهو ذات الأمر الذي يؤكد عليه المصري، حين لفت إلى أن "القيادة الفلسطينية كانت حريصة على عدم التصادم مع الولايات المتحدة، وألا تفقد العلاقات معها ولا تحرجها في المنطقة. بالتالي فإن القيادة خائفة من خيارات جديدة، ولا تستطيع العودة إلى خياراتها القديمة، وهي تتخبط".

ويرى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد المجدلاني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لم يكن الغرض من تقديمه التصادم مع الولايات المتحدة، وإنما بهدف التسلح بموقف من الأمم المتحدة ينقل القضية الفلسطينية والمفاوضات من الرعاية الأميركية المنحازة لإسرائيل إلى فضاء أوسع وهو مجلس الأمن، ومن الواضح أن هذا المطلب غير قابل للتحقق حتى لو تغيرت تركيبة مجلس الأمن".

ويعزو عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير، تيسير خالد، الرفض الأميركي للمشروع، إلى أن "شهية الإدارة الأميركية باتت مفتوحة لمزيد من التنازلات الفلسطينية قبل العودة إلى طاولة المفاوضات". ويلفت المصري إلى أن "وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قد أرسل إشارة للقيادة الفلسطينية بإمكانية قبول المشروع وعدم التصويت ضده، في حال تم تقديمه بعد الانتخابات الإسرائيلية، وخلا من أي سقف زمني، وترك جميع قضايا الحل النهائي للمفاوضات الثنائية".

ويقرّ المراقبون أن "المرحلة المقبلة هي الأصعب للقيادة الفلسطينية، التي عليها مواجهة شعبها المحبط من كثرة الانتظار والتريث، وتعميق الانشقاق الداخلي بمشاريع خلافية إلى مجلس الأمن، وإهمال سافر للقضايا الداخلية، في الضفة والقطاع".

ويحذر المصري من انفجارات داخلية ستشهدها الساحة الفلسطينية قريباً، على شكل موجات من الغضب بسبب شدة الإحباط، مرجّحاً أن "تنضمّ القيادة الفلسطينية قريباً إلى المحكمة الجنائية، من دون تحديد موعد تفعيل الانضمام، لتنفيس الاحتقان الشعبي المتزايد ضدها".

وقال أحد قيادات "فتح"، الذي رفض الكشف عن هويته، في حديث لـ"العربي الجديد"، أمس الأربعاء، إن "ما تقوم به القيادة من أخطاء يزيد في رصيد دحلان دون أن تعرف ذلك".
المساهمون