مراهنة أميركية على عودة إيران إلى طاولة الحوار

02 مايو 2020
ركز بومبيو على تطويع إيران بالأسابيع الأخيرة (فرانس برس)
+ الخط -


عادت سيرة إيران إلى واجهة اهتمامات الإدارة الأميركية في المدة الأخيرة. وأصبحت قضية العلاقة مع إيران أحد البنود الرئيسية في أحاديث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الصحافية، إلى جانب العلاقات مع الصين وأزمة انتشار فيروس كورونا وقضية كوريا الشمالية.

وتمت إعادة قضية إيران إلى الأضواء من خلال تصعيد الضغوط والتحذيرات ومحاولة تشديد الحصار على طهران، من البوابات الأمنية والدبلوماسية، حيث بات بومبيو كما البيت الأبيض والبنتاغون يتحدثون بلغة حازمة تجاه إيران، مع حرصهم أن يبقى الخطاب ضمن مفردات التطويع وليس الحرب.

وسبق لبومبيو أن حدد شروط التطويع الـ12 في خطابه الشهير في مايو 2018 والذي طالب فيه إيران بالعودة في ممارساتها إلى قواعد "التعامل الدولي المألوف"، وبما يفتح الباب للحوار معها "من دون شروط مسبقة". وتغتنم الإدارة الأميركية فرصة حالة الضيق الإيراني الراهنة لتحقيق هدف تطويع إيران، وتسعى لتوظيفه في انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة في نوفمبر القادم.

وأجرى الوزير بومبيو، يوم الخميس، أربع مقابلات مع محطات راديو وتلفزيون أميركية. وقبل ذلك بيوم عقد لقاء قصيراً مع عدد من الصحافيين، وسبق ذلك خلال الأسبوعين الأخيرين، لقاءات وبيانات وتصريحات كانت إيران حاضرة فيها كلها. بل كان بعضها مخصصاً لقضية إيران.

وشدد بومبيو في مقابلاته على جدّية الإنذار الذي وجهه الرئيس ترامب قبل أيام بتفويض البحرية الأميركية بالرد العسكري المناسب على أي تحرشات إيرانية بقطع الأسطول الأميركي في مياه الخليج.

وأدان بومبيو التجربة الصاروخية الباليستية الإيرانية الأخيرة، وحرص بشكل خاص على تسويق سعي الإدارة لتجديد الحظر الدولي على بيع الأسلحة التقليدية لإيران، بعد انقضاء فترته في تشرين الأول/أكتوبر القادم، موضحاً أن هذا المنع منفصل عن الاتفاق النووي لعام 2015 وبالتالي فإن انسحاب واشنطن من الأخير "لا يفقدها صفة العضوية فيه، والذي يخولها حق الدعوة إلى تجديد الحظر".

ورغم أن ذلك يبدور كفذلكة قانونية غريبة، إلا أن الإدارة الأميركية تبدو عازمة على صياغة مشروع قرار وعرضه على مجلس الأمن الدولي، لفرض منع تزويد إيران بأسلحة ثقيلة من مدرعات ودبابات وغيرها. وتعوّل الإدارة في ذلك على تحييد الأعضاء الأربعة الدائمين الآخرين بمجلس الأمن، ليمتنعوا عن التصويت بحيث يسهل تمريره بأكثرية تسعة أعضاء.

وأبدى المبعوث الأميركي الخاص للملف الإيراني، براين كوك، تفاؤله بتمرير القرار، وكذلك فعل وزير الخارجية بومبيو الذي تعهد ببذل "كل ما في وسعنا من جهود وقدرات دبلوماسية" لتمرير القرار.

بموازاة هذه التوجهات والخطوات، رحبت الإدارة الأميركية، على عكس طهران، بتكليف مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة. ولتسهيل مهمته، مددت الولايات المتحدة إعفاء العراق من العقوبات على إيران لمدة شهر، بحيث يمكن للعراق مواصلة استيراد الكهرباء من إيران.

فالكاظمي وُصف بأنه "وسطي" وربما يكون رجل المرحلة بالعراق، الذي يشهد الكثير من التأفف و"الهبوط من 70% إلى 15% في رصيد إيران لدى المكون الشيعي في البلاد"، بحسب تحليل مؤسسة كارنجي للدراسات في واشنطن.

وهذا ما يفسر عدم اعتراض طهران على الكاظمي، رغم أنه ليس رجلها المفضل في العراق. فطهران مضطرة الآن أكثر من أي وقت مضى للقبول بوضع عراقي "متوازن"، في ضوء التحديات والصعوبات التي تمر بها نتيجة تضافر انهيار أسعار النفط مع أزمة انتشار كورونا وتردي حالها الاقتصادي بصورة غير مسبوقة، فضلاً عن "تزايد ثقل أعباء امتدادها في المنطقة".

ومن المرجح أن يعطي كل ذلك فرصة جديدة للحكومة العراقية لكبح المليشيات الإيرانية، ولو جزئياً بحسب المحلل العسكري انطوني بلاف.

وهناك من يذهب إلى "وجود حديث داخل أروقة الحكم في طهران، بشأن خيار التفاوض مع واشنطن" كسبيل للخروج من الأزمة الخانقة متعددة الجوانب. فالخيارات بالنهاية تقررها الأرقام القاسية وحقائق الواقع على الأرض، وليس الشعارات والمواقف الخطابية.



ومن العوامل التي قد تعزز هذا الاحتمال أن العلاقات بين طهران وموسكو لم تعد على ما يرام وقد تتعثر أكثر في سورية. وكان لافتاً في هذا السياق أن رد الوزير ظريف على بومبيو جاء بلهجة دبلوماسية خلت من التشدد، واكتفت بالتأكيد على أن إيران هي التي "تقرر مصيرها"، كما جاء في تغريدته.

عبارة تترك خط الرجعة مفتوحاً باتجاه مثل هذا الخيار. ومن المرجح برأي البعض أن فريق التكنوقراط الحكومي قد اكتسب بعض النفوذ في طهران، بعد غياب الجنرال سليماني الذي ترك فراغاً في معسكر المتشددين كان من الصعب ملؤه. وربما يكون التصعيد الأميركي قد راهن على مثل هذا الاحتمال.