يطابق حال سمية، حال العشرات من المرابطين والمرابطات الذين يعيشون المشهد ذاته يومياً، والذي زادت حدّته في الأيام الثلاثة الأخيرة من الاعتداءات، عشية احتفالات رأس السنة العبرية. تجد سمية وست فتيات أخريات، يقطعن، وبشكل شبه يومي، مسافة زمنية تزيد عن الساعتين والنصف من قريتهن كابول في الجليل الأسفل الغربي وصولاً إلى المسجد الأقصى من أجل الرباط هناك. لم يثن سمية المنع أو الاعتقال والإبعاد عن القيام بما تعتبره واجباً عليها تأديته. وصلت أطول فترة إبعاد زمنية خاضتها سمية، إلى 45 يوماً، وأقصرها كانت 15 يوماً، وكان ما بين الفترة والأخرى، يوماً أو اثنين، في حين تم اعتقالها ثلاث مرات على مدار سنتين ونصف من الرباط.
اشتدت حدّة مواجهات المرابطات مع قوات الاحتلال اليومية، مع محاولات الاحتلال الإسرائيلي لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً، والذي بدأ، أخيراً، بتنفيذ عملية التقسيم الزماني. وتشتد المواجهة مع المرابطات، ما بين الساعة السابعة والحادية عشرة صباحاً، إذ يُمنعن من الدخول، في حين يُسمح للمستوطنين باقتحامه وإجراء الصلوات. أما الساعتان ونصف الساعة، ما بين الحادية عشرة والواحدة والنصف ظهراً، فتفتح الأبواب للمصلين من المسلمين لأداء صلاة الظهر. لكن حتى هذا الإجراء لا يخلو من العقبات، إذ يُطلب من المصلّين المحظوظين ترك بطاقاتهم الشخصية مع الجنود لضمان خروجهم من الباب الذي دخلوا منه. ولا ينتهي التقسيم هنا، بل يستأنف ما بين الساعة الثانية ظهراً والرابعة عصراً، إذ يُسمح للمستوطنين بالاقتحام ثانية، وسط إجراءات أمنية وحراسة مشددة.
تعبّر سمية، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن غضبها جراء ما يحصل، قائلة إنه "شعور مؤلم أن أُمنع من ممارسة حقي بالصلاة داخل المسجد الأقصى، في حين يسمح للمغتصب بذلك، هذا قمة الاستفزاز. نُمنع ونُضرب ونُبعد ونُعتقل. اليوم وصلنا الساعة الثامنة صباحاً إلى باب المجلس لنجده مغلقاً، ذهبنا إلى باب السلسلة، وتمّ منعنا من الدخول".
ومنذ اليوم الرابع لعيد الفطر الماضي، مُنعت المرابطة المقدسية، سناء الرجبي، من دخول باحات المسجد الأقصى، ولم يثنها هذا الإبعاد، الذي يحمل الرقم تسعة، ووجود اسمها على "القائمة السوداء"، (وضعتها سلطات الاحتلال، وتضم أسماء النساء المرابطات اللواتي صدر قرار بمنعهن من دخول المسجد)، وعلى مدار سنتين ونصف، عن الرباط. سناء أم لتسعة أطفال، تقول لـ"العربي الجديد"، "الرباط عقيدة في الدين، زوجي وأبنائي معي، ويشجّعوني. الأقصى ليس للمرابطين والمرابطات فقط، ألوم الفلسطينيين قبل المسلمين، وألوم المسلمين قبل العرب. المسلمون والمسيحيون مطالبون بالدفاع عن الأقصى وحمايته. كلّنا مقصرون".
ومن قرية "اللقية" البدوية الواقعة شمال بئر السبع، جنوب فلسطين المحتلة، تخرج الشابة، زينب الربيدي، (20 عاماً)، ومنذ خمسة أشهر، كل يوم ثلاثاء متوجهة إلى المسجد الأقصى للرباط، وتشرح تجربتها لـ"العربي الجديد"، بالقول، "أهلي يخافون عليّ ويحاولون منعي، لكن إذا أنا وغيري من المرابطات لم نقم بذلك، فمن سيحمي الأقصى؟ لن نتخلى عنه مهما ابتكروا من أساليب. طريقي صعب، لكن الأقصى يستحق".
اقرأ أيضاً: قائمة إسرائيلية تحظر دخول 40 مرابطة إلى الأقصى
تأتي المرابطات من مختلف الأراضي الفلسطينية المحتلة، من كابول شمال فلسطين المحتلة، مروراً بالقدس في وسطها، وصولاً إلى بئر السبع في صحراء النقب. تجمعهن المحبة والغيرة على المسجد الأقصى، لما يتعرض له من تهويد، فتجدهن يساندن ويدعمن بعضهن دائماً. عن هذا الدعم، تقول سمية، "يد واحدة لا تصفق. الأقصى مسؤولية الجميع. هو ليس حكرا على أحد. نأتي على دفعات من مختلف المدن والقرى في الأراضي المحتلة من طمرة، من شفاعمرو وغيرها".
أما سناء، فتصف وجود أخواتها المرابطات من خارج مدينة القدس، بـ"القوي والمعزّز لرباطها وصمودها"، مشيرة إلى أنّ "الجميع في الخندق ذاته. هنّ يعطيننا القوة والحافز، لكن صمودنا وإياهن لا يكفي، حماية الأقصى والقدس تحتاج وقفة الجميع داخلياً وخارجياً". أمّا زينب، فتعتبر أنّه "لا يوجد فرق بين مقدسيّ وفلسطيني من النقب أو الجليل، الأقصى للجميع. دفاعنا عنه جزء من عقيدتنا وإسلامنا". هذا وبدت زينب متفائلة بقولها، إنّ "النصر قريب وقادم لا محالة، سندخل الأقصى من دون تصريح ومن دون أية عراقيل... يوماً ما".
ووفقاً للمرابطات، فإن القائمة السوداء أصبحت "قائمة ذهبية" بالنسبة لهن، إذ لن يتوقّفن عن القدوم إلى المسجد الأقصى والرباط داخل ساحاته أو خارجها، "المهم، أن تبقى معنوياتنا عالية"، بحسب سناء التي حرمت من مرافقة ابنها في يوم الأم من العام الحالي، والذي كان ضمن رحلة مدرسية إلى داخل المسجد الأقصى، "سألبّي طلبه العام المقبل". يشبه المنع الذي تعيشه سناء عملية الكر والفرّ، فعلى الرغم من صدور قرار الإبعاد بحقها، إلّا أنها تنجح أحياناً في الدخول، "فالرباط جدير بالمحاولة اليومية".
وعلى صعيد متصل، انتهى اليوم الثالث للاقتحامات التي تزامنت مع الأعياد اليهودية، وقد شهدت هذه الأيام تطورات خطيرة، منها اقتحام الجنود للمسجد القبلي وإلحاق أضرار بالغة بالنوافذ التي دُمّر بعضها بالكامل، مع حرق السجاد وتكسير خزائن المصاحف وإحداث أضرار بالأبواب الخشبية، إلى جانب الاعتداء بالضرب على المرابطين والمرابطات بالهروات ورش غاز الفلفل وإطلاق الرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيلة للدموع. وقد تكرر المشهد ذاته، مرات عدة، خارج أبواب المسجد الأقصى. كما مارس جنود الاحتلال، عمليات القمع ذاته ضد الشبان والصحافيين. وبحسب بيان لإسعاف الهلال الأحمر الفلسطيني في مدينة القدس، فقد بلغ عدد الإصابات في المسجد الأقصى ومحيطه، لليوم الثالث، 26 إصابة، نقلت اثنتان منها إلى المستشفيات، ما بين جروح طفيفة وعميقة.
اقرأ أيضاً: الاحتلال يفرض التقسيم الزماني على المسجد الأقصى