مذكرة اعتقال مسلم: تتويج لتاريخ متوتر بين تركيا و"الديموقراطي"

22 نوفمبر 2016
تركيا ترى في الاتحاد الديموقراطي خطراً حقيقيّاً (جون مور/Getty)
+ الخط -

أصدر القضاء التركي، اليوم، قرارا باعتقال صالح مسلم، الرئيس المشارك لحزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني)، مما أعاد فتح ملف العلاقة بين الجانبين منذ تسليم النظام السوري مساحات واسعة من الأراضي ذات الغالبية الكردية الواقعة على الحدود التركية لألد أعداء أنقرة، أي مقاتلي الكردستاني، وذلك في إطار رده على دعم أنقرة للمعارضة السورية المسلحة في كل من حلب وإدلب.


يجمع المراقبون على أنه ليس لصالح مسلم أي دور في اتخاذ القرار السياسي أو العسكري في أي من شؤون الاتحاد الديمقراطي، الذي تسيطر عليه قيادات العمال الكردستاني في جبال قنديل، على جميع الأصعدة سواء على مستوى القيادات العسكرية الميدانية التي غالبا ما تكون من الكادر التابع للكردستاني، أو على المستوى السياسي الذي يتحكم به مستوى التوتر بين الكردستاني وأنقرة.

سقطت المناطق ذات الغالبية الكردية في سورية في كل من محافظة الحسكة ومنطقتي عين العرب وعفرين التابعتين لمحافظة حلب، من يد النظام السوري في صيف 2012، ليكون الصدام الأول بين "الاتحاد الديمقراطي" وكتائب المعارضة السورية المدعومة من تركيا، و"جبهة النصرة"، في مدينة رأس العين في محافظة الحسكة، في بداية عام 2013، عندما اندلعت اشتباكات بين الطرفين، إثر نجاح المعارضة في طرد النظام من المدينة، ليقوم "الاتحاد الديمقراطي" بشن حملة سيطر خلالها على المدينة، بدعم من النظام السوري، في وقت لاحق.


بقيت علاقة الحزب أقرب إلى تبعية للنظام السوري، حتى قام تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في أيلول/سبتمبر 2014 بشن حملة شرسة على مدينة عين العرب، وأبدى مقاتلو "الاتحاد" شراسة كبيرة في الدفاع عن المدينة، وتحت ضغط تحركات حزب "الشعوب الديمقراطي" (الجناح السياسي للعمال الكردستاني) في تركيا، وبعد تجاوز واشنطن حليفتها أنقرة وتقديمها مساعدات عسكرية للحزب، سمحت الحكومة التركية لأعداد من قوات البشمركة التابعة لحليفها رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، بالدخول لدعم المقاتلين الأكراد.

كما قامت طائرات أميركية بتقديم دعم جوي لـ"الاتحاد" انتهى برد هجوم "داعش" واستعادة الحزب السيطرة على المدينة وريفها.


في هذه الأثناء، استمرت المحاولات التركية، قبل اندلاع الاشتباكات مع "العمال الكردستاني"، في يوليو/تموز 2015، للتعاون مع "الاتحاد الديمقراطي"، وتم استقبال الرئيس المشارك للحزب في أنقرة عدة مرات، ولكن الحزب رفض الشروط التركية المتمثلة بقطع العلاقات مع النظام السوري، وعدم القيام بأي فعل يستفز تركيا، والانضمام إلى المعارضة السورية في الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة.


وعلى الرغم من ذلك، استمر الدعم الأميركي للحزب، حتى استطاع السيطرة على منطقة تل أبيض (ذات الغالبية العربية)، في يونيو/حزيران 2015، وربط مناطق سيطرته في محافظة الحسكة بمدينة عين العرب، معلناً الرغبة في السيطرة على مناطق غرب الفرات الواقعة تحت سيطرة "داعش"، مما بات يهدد بتشكيل شريط حدودي تابع لـ"العمال الكردستاني" على الحدود التركية الجنوبية، ويقطع خطوط إمداد أنقرة للمعار ضة السورية.



عندها أعلن الأتراك عن خطهم الأحمر، وهددوا بالتدخّل في حال عَبَر مقاتلو "الاتحاد الديمقراطي" إلى الضفة الغربية للفرات، لتستمر واشنطن في تجاوز حليفتها أنقرة، وتدعم توجّه "الاتحاد الديمقراطي" جنوباً، الذي سيطر على سد تشرين على نهر الفرات، في نهاية ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، ومن ثم تمكنت واشنطن من الضغط على أنقرة للسماح لمقاتلي الحزب بالتوجه شرق الفرات لطرد "داعش" من مدينة منبج على أن ينسحبوا منها بعد الانتهاء من العملية، الأمر الذي لم يحصل مما زاد من توتر العلاقة بين الطرفين.


واستغل الاتحاد الديمقراطي الأزمة التي اندلعت بين كل من أنقرة وموسكو إثر قيام سلاح الجو التركي بإسقاط طائرة روسية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ليستفيد من تغطية جوية روسية كبيرة، مكنته من السيطرة على مساحات واسعة من المناطق التي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة السورية المدعومة من أنقرة في ريف حلب الشمالي، ومنها مدينة تل رفعت ومطار منغ العسكري، الأمر الذي دفع أنقرة للتدخل وتوجيه ضربات مدفعية من الحدود التركية لتجمعات الكردستاني بهدف منعهم من التقدم باتجاه مدينة إعزاز.

وصل الصراع بين الكردستاني في سورية وتركيا إلى أوجه، بعد أن شنت القوات المسلحة التركية، في أغسطس/آب الماضي، عملية "درع الفرات" لدعم قوات المعارضة السورية المعتدلة بالسيطرة على جرابلس، قاطعة الطريق أمام أحلام الكردستاني بالسيطرة على كامل الشريط الحدودي التركي ووصل مناطق الإدارة الذاتية التي أعلن عنها من جانب واحد.

ومن ثم استغل "الاتحاد الديمقراطي" الضغط الشديد على عناصر "داعش" وقام بالسيطرة على ​مساحات واسعة من أراضي شمال نهر الساجور، واندلعت اشتباكات بين قوات المعارضة و"الاتحاد"، دفعت الأخير إلى سحب قواته جنوب النهر.


وبعد وساطة أميركية، ساد نوع من الهدوء الحذر بين الجانبين بينما استمرت قوات المعارضة بالتقدم والسيطرة على مزيد من الأراضي من قبضة "داعش"، بما في ذلك تحرير مدينة منبج، ليقوم التنظيم خلال العميات بالانسحاب من عدد من القرى والمواقع لصالح كل من الاتحاد والنظام السوري، وليستغل "الاتحاد الديمقراطي" وضعية التنظيم الحرجة ويتقدم غرباً باتجاه الباب انطلاقا من منبج، مما أدى إلى وقوع اشتباكات بينه وبين قوات المعارضة المعتدلة، دفعت سلاح الجو التركي لشن عدد من الغارات على مواقع الحزب غرب منبج.

على المستوى السياسي، كان للضغوط الدبلوماسية الشديدة التي لعبتها تركيا دور حاسم في منع الاتحاد الديمقراطي من المشاركة في محادثات جنيف بين المعارضة والنظام السوري، وذلك رغم الدعم الشديد الذي كان يتلقاه الحزب من قبل موسكو إبان الأزمة الروسية التركية.