مدينة ديزيا تشينغ

24 اغسطس 2016
(براين شان/ لوس أنجليس تايمز)
+ الخط -
كان الذعر النووي أيام الحرب الباردة سبباً في إنشاء مدينة الأنفاق الحصينة "ديزيا تشينغ"، والمليئة بالممرات الدائرية الأسقف، والمنشآت المتنوعة، والمستشفى ذي السرائر الحديدية الصدئة الفارغة. تقع هذه المدينة الغريبة أسفل العاصمة الصينية بكين، وهي في الأصل ملجأ عسكري، يتكون من شبكة ضخمة من الأنفاق. كان الناس يطلقون عليه "سور الصين العظيم السفلي"؛ بسبب عظمة إنشاءاته وتحصيناته. تتكون المدينة السفلية من حوالي 33 ميلاً مربعاً من السراديب، تصل لأعماق تتراوح بين 8 إلى 18 متراً. وقد تم حفر هذا الملجأ المحصن بواسطة المواطنين المحليين في بكين طوال فترة السبعينيات من القرن الماضي. اشترك في الحفر حوالى 300 ألف مواطن صيني، وفي بعض المناطق جرى الحفر يدوياً بدون مساعدة من آلات الحفر الميكانيكية الثقيلة.

أطلق عليه أهل المنطقة اسم "سور الصين السفلي" لما فيه من اتساع وقدرات عسكرية. كان الجميع يحلمون بأنه سيكون المأوى الآمن للسكان خلال أوقات الغزو والغارات الجوية والهجمات النووية التي كان الإعلام آنذاك يصورها للشعب، ويبشره بأنها على وشك الحدوث في أي لحظة. وهناك أكثر من تسعين مدخلاً للأنفاق الموجودة تحت الأرض، مُخبأة في خلفيات المنازل والشركات التجارية وأماكن العمل.

في حين كان المدنيون يبحثون عن مكان يأوون فيه بعيداً عن القصف المتوقع، كان المجمع تحت الأرض معداً لكي يوفر الحماية من القنابل والملل أيضاً، فقد تم توفير الفصول الدراسية للأطفال الذين سيعيشون في المدينة تحت الأرضية، وكذلك المرافق الترفيهية، مثل: المسرح والسينما ومحلات الحلاقة والمطاعم وحلبة دائرية للتزلج على الجليد.

كانت كل المرافق مهيأة ومستعدة بانتظار الطوفان المحتمل من اللاجئين. جُهزَت غرف في الأنفاق الملحقة بالمدينة لتخزين الحبوب والسلاح واللوازم الأخرى المطلوبة للحياة خلال فترة الحرب. كما اشتملت المدينة تحت الأرض على مواقع لزراعة المحاصيل قليلة الاحتياج لضوء الشمس مثل فطر "عش الغراب"، وأيضاً مناطق مُعدّة لحفر الآبار للحصول على المياه الجوفية.
لحسن الحظ لم تستخدم هذه المنشأة الضخمة أبداً؛ فدورها الأصلي كان منحصراً في أن تكون ملجأ ضد القنابل، ثم تلاشى وجودها مع مرور الزمن، وتحولت لشيء غامض لا يذكره أحد، حتى تم فتح أجزاء من الأنفاق بوصفها منطقة جذب سياحي في مطلع الألفية، وبالرغم من أن معظم المجمع لايزال مغلقاً؛ فإن هذه البقعة المختبئة تحت أرض العاصمة بكين تحولت إلى وجهة سياحية. ففي الجزء الصغير المفتوح من الممرات دخلت الأفواج السياحية للتجول ورؤية المكان، كما وضعت عدة شركات محلات لها في المناطق المفتوحة.

الجولة الرسمية للزوار في ديزيا تشينغ تمتد لمسافة صغيرة دائرية، يمكن للزوار فيها رؤية صورة "ماو تسي تونغ"، وبعض الجداريات التي تصور السكّان المحليين الذين تطوعوا لحفر أنفاق المدينة مرفقة بالشعارات الكئيبة الشاحبة المتلاشية، مثل: "احفر عميقاً"، "خزّن الحبوب"، "لا تدّعِ العظمة والكبر"، "على الشعب الاستعداد للحرب"، "استعدوا للمجاعة". وفي عام 2008، أغلقت المدينة لتجديدها، ويُتوقع أن يعاد فتحها للزوار مرة أخرى، باعتبارها موقعاً سياحياً فريداً، يصور تلك الفترة من جنون العظمة الشيوعي.
المساهمون