يسابق عبد القادر أبو دياك الستيني الزمن، حتى يتمكّن اثنان من أبنائه من إنهاء تعليمهم الجامعي. أبو دياك من سكان مدينة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، وهو يعمل مدرّساً للغة الإنجليزية في سلك التعليم الحكومي الفلسطيني منذ 30 عاماً. وهو يجهد مع زوجته الموظفة في السلك التعليمي ذاته، لتأمين مصاريف ابنَيهما الجامعية ومصاريف الحياة اليومية من إيجار المنزل والفواتير المختلفة وغيرها من المصاريف التي ترهقه.
منذ مطلع الأسبوع الجاري، ينظم آلاف المدرّسين الفلسطينيين احتجاجات في الضفة، للمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية وزيادة رواتبهم واحتساب العلاوات الوظيفية والإدارية لهم. وسطهم، يعبّر أبو دياك عن غضبه من عدم الاهتمام بقضية المدرّسين وتحسين ظروفهم كما في بقية الوزارات الأخرى. وتهكماً، وضع حول عنقه طوقاً من أوراق نقدية فئة 20 شيقل (نحو أربعة دولارات أميركية)، هي "قيمة الزيادة التي من الممكن أن يحصل عليها المدرّسون".
يقول أبو دياك لـ"العربي الجديد": "منذ 20 عاماً، تتواصل الاحتجاجات لتلبية مطالبنا تحت سقف "الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين" (نقابة تتبع لمنظمة التحرير الفلسطينية)، لكن من دون جدوى. وهو ما اضطرنا إلى الاحتجاج بعيداً عن هذا الجسم النقابي الذي لم يلبّ طموحاتنا، لا بل ينحاز إلى الحكومة وقد فقد شرعيته من قبل المدرّسين". يضيف: "ونحن كمدرّسين نشعر بأننا تعرّضنا للإهانة. كلما وصل الأمر إلى حقوقنا، تستجد أزمة مالية لدى الحكومة".
لا يملك المدرّسون الرسميون الذين يعدّون حراكهم عفوياً، جسماً نقابياً. لكنهم دعوا إلى إضراب شامل، احتجاجاً على "عدم تنفيذ الحكومة الاتفاق الموقع عام 2013 ما بين الحكومة والاتحاد الذي لا يمثلهم بحسب ما يؤكدون"، في حين دعا الاتحاد العام للمعلمين إلى انتظام الدوام في المدارس الحكومية.
ودعا الاتحاد في بيان له الحكومة الفلسطينية بإضافة علاوة طبيعة العمل إلى راتب الشهر الجاري مع علاوة غلاء المعيشة المجمّد منذ ثلاث سنوات، وصرف المتبقي من علاوة طبيعة العمل وقيمته 5% منذ تاريخ إقراره في 1/1/2014 وبشكل كامل في راتب الشهر المقبل. أضاف أن "خلافاً لذلك، سوف يجد الاتحاد العام للمدرّسين الفلسطينيين نفسه مضطراً إلى الشروع إلى إجراءات نقابية غير مسبوقة".
من جهته، يقول المدرّس مجاهد الحمامي لـ "العربي الجديد" إن "عدداً كبيراً من المدرّسين يضطرون إلى ممارسة أعمال حرة أخرى كسائق تاكسي عمومي أو حلاق، خصوصاً إن كان معيل العائلة الوحيد، ولديه التزامات شهرية". يُذكر أن الحمامي من نابلس وهو يحمل شهادة ماجستير إدارة تربوية، ويعمل مدرّساً منذ 15 عاماً في إحدى مدارس وزارة التربية والتعليم العالي ، في حين تسانده زوجته المدرّسة أيضاً في تأمين مستلزمات الحياة.
تجدر الإشارة إلى أن المدرّس في سلك التربية والتعليم في القطاع الحكومي، يتقاضى بدءاً من تعيينه نحو 500 دولار، بينما قد تصل رواتب بعض المدرّسين إلى نحو 1200 دولار بحسب الدرجات العلمية وعدد سنوات الخبرة. ويُعدّ ذلك أجراً متدنياً بالكاد يكفي المصاريف اليومية في ظل غلاء المعيشة، وهو ما يزيد من شعور المدرّسين بالظلم بالمقارنة مع موظفي الوزارات الأخرى. ففي حال تقاعدوا، سوف تُخصم نصف رواتبهم على الرغم من تدنيها.
عماد القاضي يحمل شهادة ماجستير في اللغة الإنجليزية وعمل في مدارس وزارة التربية في مدينة البيرة وسط الضفة منذ 14 عاماً، لكن راتبه فقط 900 دولار. هو يتعاون وزوجته الموظفة من أجل تسديد التزامات شهرية لشراء شقة سكنية عبر التقسيط لسنوات عدة. يقول لـ"العربي الجديد" إن "هذه الاحتجاجات جاءت بسبب ظلم الحكومة، وتهميش المدرّس بشكل كامل وإهمال حقوقه، والعلاوات الممنوحة التي لا تنسجم مع مقتضيات الحياة اليومية ومتطلباتها، في ظل تدنّي الرواتب. وأيضاً بسبب خذلان الاتحاد العام للمعلمين.
في مؤتمر صحافي عقده رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله بالتزامن مع احتجاج آلاف المدرّسين أمام مجلس الوزراء الفلسطيني في رام الله، أوّل من أمس، حذّر مما أسماها "خطوات غير نقابية ومسيّسة" لتعطيل عمل المؤسسات الحكومية ودفعها إلى الوراء. وأكّد أن حكومته تحترم الحقوق النقابية للعاملين معها، بما في ذلك الحق بالإضراب وفق القانون، لافتاً إلى أن تعطيل الدراسة ليوم واحد يعني ضياع أكثر من مائة ألف حصة دراسة. وحسب الحمد الله، فإن الحكومة التزمت بأكثر من 90% من الاتفاق مع الاتحاد العام للمعلمين، وسوف تلتزم بما تبقى مع نهاية أبريل/ نيسان المقبل.
لكن الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب، يرى أن هذا الإضراب "غير مسيّس، إذ يشمل حقوقاً سابقة يطالب بها المدرّسون. هؤلاء تخوّفوا من عدم الاستجابة لمطالبهم، فخاضوا هذا الإضراب، وهو حق شرعي. كذلك، فإن التسييس ليس لصالحهم". ويشير لـ"العربي الجديد" إلى أن "من الممكن استمرار الإضراب على الرغم من عدم وجود جسم نقابي له. هذا حصل في ثمانينيات القرن الماضي. وما شهدناه من أعداد خرجت يوم أول من أمس، ليس له مثيلاً في تاريخ الإضرابات المالية والعمالية. وهو أمر يوجب على الحكومة الفلسطينية أن تحسب له ألف حساب، إذ قد تكون له تبعات سلبية في حال استمر، خصوصاً على المدرّسين والتلاميذ". يضيف: "في حال عدم تلبية المطالب، قد نشهد حراكاً آخر في الأعوام المقبلة".
أما الحمامي، فيرفض تسييس احتجاجات المدرّسين، قائلاً إنهم لم يحتجوا ويضطربوا إلا نتيجة القهر والظلم الواقع عليهم، بينما تتنصل الحكومة من تعهداتها تجاههم.
إلى ذلك، دعا وزير التربية والتعليم العالي الفلسطيني صبري صيدم في تصريحات، المدرّسين والمدرّسات إلى العودة إلى الدوام وانتظام الدراسة تجنباً للتبعات السلبية على المسيرة التعليمية التي تواجه تحديات جمة. ولفت إلى أن الوزارة تتابع قضية المدرّسين على أعلى المستويات وهي لن تدخر جهداً في تسريع تنفيذ كامل الوعود، لا بل ستواصل العمل لتحقيق أقصى ما يمكن أن يلبي طموح المعلمين.
وصباح أمس، أصدرت وزارة التربية بياناً مقتضباً، جاء فيه أنها "تدرس تمديد الفصل الدراسي الثاني، وتأجيل بدء امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) في ضوء الإضرابات".
اقرأ أيضاً: زيارات الأسرى.. قشّة يتمسّك بها الغريق الفلسطيني