اتّخذت الحكومة الكويتية قراراً يقضي بإعادة توظيف المدرّسين الفلسطينيين، بعد أكثر من 25 عاماً من الامتناع، على خلفيّة مواقف السلطة الفلسطينية حول الغزو العراقي للكويت في عام 1990. وإعادة المدرّسين الفلسطينيين إلى العمل في مدارس الكويت الحكومية التابعة لـوزارة التربية، وفقاً لما صرّح به وزير التربية الأسبق، بدر العيسى، "من الإجراءات التي تتخذها الوزارة لتطوير التعليم في البلاد، الذي يعاني من تدهور كبير على كلّ المستويات، بحسب ما تفيد إحصاءات منظمات التعليم العالمية. فتلاميذ الكويت يحلّون في المراكز الأخيرة في ترتيب أولمبياد الرياضيات والفيزياء العالمي السنوي". ولفت العيسى إلى أنّ "المدرّس الفلسطيني يتمتّع بمستوى مرموق بالمقارنة مع غيره من جنسيات عربية أخرى. ولمسنا أثر ذلك عندما كان التعليم بيد الفلسطينيين قبل الغزو العراقي"، إذ إنّ تلاميذ الكويت "كانوا يتسيّدون المجالات المعرفية آنذاك".
تجدر الإشارة إلى أنّه حتى عام 1990، كانت الجالية الفلسطينية في الكويت هي الأكبر وتعمل في قطاعات التعليم والمصارف والخدمات بصورة أساسية. وقد اشتهر الفلسطينيون بالحزم والجدّ والمثابرة في العمل، الأمر الذي حوّل مفردة "فلسطيني" في الثقافة الشعبية الكويتية، إلى مصطلح يُطلَق على المجدّين والمثابرين في الدراسة والتعلم. لكنّ وقوف منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، بقيادة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، إلى جانب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، بعد دخول الأخير إلى الكويت، أدّى إلى إبعاد أكثر من 500 ألف فلسطيني من الكويت، معظمهم من المدرّسين والمهندسين والأطباء. ولسدّ هذا النقص، قررت الحكومة الكويتية آنذاك الاستعانة بمدرّسين من جنسيات عربية أخرى، وهو الأمر الذي أضرّ بالعملية التعليمية في البلاد، بحسب ما يؤكد خبراء تربويون.
يوضح الباحث الاجتماعي في جامعة الكويت، خليل خالد، لـ "العربي الجديد"، أنّ "الاستعانة من جديد بالمدرّسين الفلسطينيين في المدارس الحكومية، يفيد العملية التعليمية من دون شكّ. فهم يتمتّعون بالثقافة العالية والحزم، وهذا ما يجب توفّره، خصوصاً لدى المعنيّين بتعليم المراهقين". يضيف: "عندما طردت الدولة آلاف المدرّسين الفلسطينيين ورحّلتهم إلى الأردن، رأينا كيف تدهور التعليم في الكويت إلى هذا الحدّ، فيما ظهرت مشكلات الشهادات المزورة والغشّ والدروس الخصوصية. والأخيرة تُعدّ الأسوأ؛ إذ تكلف أسر التلاميذ ملايين الدولارات سنوياً". ويوضح خالد أنّ "عودة المدرّس الفلسطيني لن تساهم في حلّ المشاكل كلياً، لكنّها سوف تساهم في التخفيف منها، على أقلّ تقدير".
من جهته، يقول محمود عويدات، وهو معيد فلسطيني في إحدى الجامعات الأردنية: "وُلدت في الكويت، لكنّ أسرتي خرجت منها وأنا طفل بسبب الحرب. والدي كان مدرّساً وكذلك والدتي. واليوم، في حال حصلت على فرصة تعليم في الكويت، لن أتردد". يضيف: "أجزم بأنّ مئات المدرّسين الفلسطينيين هنا يتوقون إلى التوجّه إلى الكويت والتدريس فيها، خصوصاً أنّ الرواتب في الأردن لا تتناسب أبداً مع الغلاء الذي تعاني منه البلاد، بالإضافة إلى طول ساعات العمل".
في هذا السياق، يوضح المسؤول في وزارة التربية الكويتية، رجا المطيري، أنّ "خطط الوزارة في تعيين الفلسطينيين من خارج البلاد ما زالت بعيدة المدى بعض الشيء، إذ إنّنا قرّرنا البدء في تعيين الفلسطينيين المقيمين في الكويت فقط". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّه "بعد ذلك، نحدّد الشواغر والنواقص لدينا ونرسل لجاناً خاصة إلى الأردن لاستقدام حملة الوثائق الأردنية. وفي مرحلة لاحقة، نتوجّه إلى قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة لاستقدام آخرين. لكنّه بسبب الصعوبات السياسية، فإنّ هذه الخطة تحتاج إلى موافقة الجهات العليا، خصوصاً دوائر الأمن والاستخبارات".
وكان السفير الفلسطيني في الكويت، رامي طهوب، قد أفاد، في تصريحات صحافية، بأنّ وزارة التربية سوف تبدأ بالتعاقد مع المدرّسين الفلسطينيين ابتداء من مارس/آذار 2017 في كل الاختصاصات. أمّا عدد المتعاقد معهم، فسوف يكون مفتوحاً وفقاً لحاجة الوزارة. وأضاف طهبوب أنّ ثمّة تنسيقاً مستمراً بين السفارة ووزارة الداخلية حول إقامات المدرّسين الذين سوف يأتون من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزّة ويحملون الرقم الوطني الفلسطيني. بالتالي، لا مشكلة في حصولهم على التأشيرات والإقامات.
وهذا التصريح يشير إلى أنّ الوزارة تخطط فعلاً للتعاقد مع مدرّسين فلسطينيين من قطاع غزّة الذي يعاني حصاراً خانقاً من كل الاتجاهات. وفي هذا الإطار، توضح جهات مطّلعة من داخل وزارة التربية أنّ "التعاقد لن يكون مقتصراً على المدرّسين الفلسطينيين فحسب، بل سوف يطاول أساتذة الجامعات كذلك، خصوصاً الأساتذة المعنيين بكليات العلوم والهندسة التي تعاني نقصاً كبيراً في كادرها التدريسي". ويقول مسؤول في عمادة جامعة الكويت، فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ "العربي الجديد"، إنّ "الجامعة بدأت بالفعل في دراسة عدد من السير الذاتية لمجموعة من الفلسطينيين. والتعاقد معهم سوف يكون بصفة الانتداب فقط، من خلال عقود تتراوح مدّتها ما بين ثلاث وخمس سنوات".
إلى ذلك، يقول محمد المجبل وهو مدير مدرسة متعاقد أنّ "المشكلة برأيي ليست في جنسية المدرّس فقط كما يظنّ كثيرون، بل بالمنظومة الإدارية الكبرى التي تدير هذا التعليم". ويشرح لـ "العربي الجديد" أنّ "وجود المدرّسين الفلسطينيين قد يجدد الدم في بعض مفاصل هذه العملية الميّتة، لكنّه لن يحييها من جديد لأنّها تحتاج إلى تبديل كامل".