مدافئ الشتاء تقتل تونسيّين

21 ديسمبر 2019
لا بد من تدفئة في موسم البرد (العربي الجديد)
+ الخط -

الإهمال أو عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة أحياناً قد يؤديان إلى اختناق التونسيين أو موتهم نتيجة مدافئ الغاز أو الوقود المستخدمة في البلاد في موسم البرد.

"توفيت شقيقتي الشهر الماضي بسبب اختناقها بالغاز الذي تسرّب من وسيلة التدفئة التي تركتها تعمل طوال الليل، ونسيت إطفاءها قبل النوم. ولأنّها تعيش بمفردها في البيت بسبب دراستها بعيداً عن العائلة، لم ينتبه أحد إلى وفاتها إلا بعد مرور يوم وتكرُّر محاولات الاتصال بها من دون أن تجيب". وتقول مفيدة، وهي شقيقة الطالبة سمية كريم التي توفيت الشهر الماضي في منطقة سوسة بسبب اختناقها بالغاز، إنّ "أنبوب قارورة الغاز لم يكن موصولاً جيداً بوسيلة التدفئة، ما كان سبباً لتسرّب الغاز ووفاتها وهي نائمة".

خلال فصل الشتاء، تتكرّر الأخطاء التي ترتكبها غالبية العائلات التونسية، متناسية الكوارث التي لحقت بأسر تعرضت منازلها للاحتراق، ومتجاهلة أيضاً حالات الوفاة المتكررة من جراء الاختناق بالغاز. وما زالت حوادث الحريق والاختناق بسبب مدافئ الغاز تنغّص فرحة الناس بقدوم فصل الشتاء. حالات الاختناق بالغاز التي تؤدي إلى الوفاة باتت تتكرر خلال السنوات الأخيرة. كما تعددت وسائل التدفئة التي أدت إلى مقتل العشرات سنوياً على غرار استعمال الكانون (موقد) أو وسائل التدفئة التي تعمل بالغاز أو الوقود. وأخيراً، سجلت حالات وفاة منذ بدء فصل الشتاء. وتوفيت في 13 ديسمبر/ كانون الأول الحالي في دوار هيشر في محافظة منوبة عائلة من ثلاثة أفراد اختناقاً بالغاز. كما توفيت التلميذة عبير برجي خلال الأسبوع الأول من الشهر نفسه نتيجة تسرب الغاز. وفي اليوم نفسه، توفيت امرأة في وادي مليز في محافظة جندوبة للأسباب نفسها. وفي الأسبوع نفسه، توفيت عجوز (84 عاماً) احتراقاً وهي نائمة، من دون الانتباه إلى اندلاع النيران.

تتكرّر حالات الاختناق والوفاة نتيجة تسرب الغاز، ما دفع وزارة الصحة إلى إصدار بلاغ تحذيري لتقديم توصيات لمستخدمي وسائل التدفئة، داعية إلى ضرورة توخي الحذر عند استعمال وسائل التدفئة التقليدية، مثل الكانون أو آلات التدفئة التي تعمل بالغاز أو الوقود، والتي يمكن أن تؤدّي إلى الاختناق. كما ذكرت الوزارة أنّ حالة التسمم تحدث عند استنشاق غاز أول أكسيد الكربون. وتكمن الخطورة في صعوبة الانتباه إلى وجوده باعتباره غازاً لا لون ولا رائحة له.




وبيّنت الوزارة أنّ أعراض حالات التسمم بأول أكسيد الكربون تتمثل في الصداع والدوار والإحساس بالنعاس والقيء، ويمكن أن تتعكر الحالة وتسبب ضيقاً في التنفس وخللاً في وظائف الجهاز العصبي والقلب وفقداناً للوعي، ما قد يؤدي إلى الموت السريع. وتشير إلى ضرورة التقيد التام باحترام الإجراءات الوقائية على غرار الحرص على تهوئة كامل الغرف، وضرورة إطفاء وسيلة التدفئة، وعدم تركها بالغرفة أثناء النوم، والإسراع بإخراج المصاب فوراً إلى فضاء مفتوح، واستدعاء الطبيب أو الاتصال بالحماية المدنية عند ظهور أعراض التسمم، والعناية والصيانة الدورية لوسائل التدفئة.

البرد بدأ يشتدّ (العربي الجديد) 

وعلى الرغم من البلاغات التحذيرية الذي تصدرها وزارة الصحة خلال فصل الشتاء، تسجّل عشرات حالات الوفاة نتيجة الاختناق بسبب استعمال الكانون من دون ترك منفذ للتهوئة، ما قد يتسبب في وفاة أفراد عائلة بأكملها. كما تسجل أقسام الطوارئ في المستشفيات عشرات حالات الاختناق الناتجة من الغاز أو استنشاق أول أكسيد الكربون. وتشير سامية بن فرج، وهي ممرضة في قسم الطوارئ في مستشفى في العاصمة لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ "قسم الطوارئ يستقبل حالات اختناق عدة في فصل الشتاء، خصوصاً ليلاً بسبب استخدام وسائل تدفئة تعمل بالغاز أو البترول الأزرق من دون ترك منفذ للتهوئة أو الانتباه أو صيانة تلك الوسائل، أو استعمال الكانون من دون اشتعال الفحم جيداً، ما أدى إلى حالات اختناق خصوصاً بين الأطفال". وتضيف أنّ "معظم الأشخاص لا يعرفون التعامل مع الحالة التي تتعرّض للاختناق، خصوصاً في حال حصول تسرب غاز وإغماء".

من جهتها، تقول حبيبة إنّها "فقدت والدتها السنة الماضية بسبب الاختناق نتيجة استعمال الكانون في الغرفة طوال الليل من دون فتح الباب للتهوئة"، مضيفة أنّ "والدتها كانت تعاني مشاكل في التنفس، الأمر الذي أثر عليها بشكل كبير وتسبب في وفاتها خلال نومها".




غالبيّة العائلات التونسية تلجأ إلى وسائل التدفئة التقليدية التي تعمل بالغاز أو الوقود، في وقت تستخدم أخرى الفحم أو الحطب للتدفئة، بسبب ارتفاع كلفة الكهرباء وتفادي وسائل التدفئة الكهربائية، نظراً لارتفاع استهلاكها للكهرباء. مع ذلك، يجهل العديد من التونسيين كيفية التعامل مع تلك الوسائل تفادياً للاختناق أو الحرق. وتوجّه الحماية المدنية خلال كل شتاء بلاغات تحذيرية من تلك الوسائل وكيفية التعامل معها، ولا سيما أنّ جهاز الحماية المدنية أول ما يلجأ إليه المواطن في حال تسجيل حالات اختناق أو حرائق. مع ذلك، لا يتعظ البعض، ولا يتقيّدون بتعليمات كلّ من وزارة الصحة أو الحماية المدنية.