انطلق أطفال سورية في عام دراسيّ جديد أخيراً، من بينهم هؤلاء الصغار الذين هُجّروا من بيوتهم واستقرّوا في مخيّمات للنازحين نصبت في الداخل السوري. المدارس بالنسبة إلى هؤلاء تختلف عن سواها، إذ غالباً ما تكون في خيم.
إذا كنتَ تظنّ أنّ العملية التعليمية في مخيمات النازحين في الداخل السوري تسير على خير ما يرام، فأنت لا تعرف حوادث كثيرة وحالات مثل الطفل سومر ابن الأعوام التسعة الذي وقع ضحيّة حمّى خلال فصل شتاء العام الماضي، نتيجة البرد القارس وانعدام وسائل التدفئة في خيمة صغيرة حوّلت إلى مدرسة للأطفال في أحد مخيّمات شمال البلاد.
وتستمرّ معاناة التلاميذ السوريين في مخيّمات الداخل السوري مع انطلاق الموسم الدراسي الجديد، وسط تخوّف الأهل والمعنيّين من أن يكون أكثر سوءاً من ذاك الذي سبقه.
20 مخيماً للنازحين
حاول سوريون كثيرون تهجّروا من بيوتهم اللجوء إلى بلدان أخرى، إمّا في الجوار أو في أصقاع بعيدة، لا سيّما في أوروبا. ومن لم يحالفه الحظ في اللجوء، بقي في الداخل السوري واتخذ من مخيّمات النازحين مأوى له. وقد أحصت "العربي الجديد" 20 مخيّماً على الأراضي السورية، كلها في شمال البلاد، وهي مخيمات: الفرقان، والجولان، والكرامة، والميدان، والناصر، والصفا، والسلام، وأطمة، وعائدون، وباب الهوى العلوي، وباب الهوى السفلي، وباب السلامة، ودعاء، وجرابلس، والمدينة المنورة، ونور، وقاح، وشمس الحرية، وطيبة الهدى، ويمضية.
ويوضح مدير التربية والتعليم في إدلب جمال الشحّود في حديث لـ "العربي الجديد"، أنّ في كل مخيّم أقيمت مدارس لتلاميذه، في حين بلغ العدد الإجمالي للمدارس في هذه المخيمات وخارجها 646 مدرسة يدرس فيها نحو 400 ألف تلميذ.
تعليم وسط المعاناة
مشاكل عدّة تعاني منها تلك المدارس المشيّدة داخل مخيّمات النازحين في سورية، بحسب مسؤولين ومدرّسين فيها التقتهم "العربي الجديد". يقول حازم المنجّد وهو مدرّس في المرحلة الابتدائية في مخيّم أطمة إنّ "التلاميذ عانوا خلال السنة الماضية من البرد القارس، وغياب معدات التدفئة أو وجودها بكميّاتٍ قليلة"، مقترحاً ضرورة إنشاء بنى تحتية تساعد التلاميذ في العملية التعليمية.
أمّا أبو هاشم وهو أحد النازحين من ريف إدلب في مخيّم الكرامة، فيشير إلى أنّ "الأطفال في كل مخيّمات النزوح يعانون من الوحل المنتشر على طريقهم إلى مدارسهم، ومن غياب التدفئة داخل مراكز التعليم وقلة المقاعد المخصّصة للتلاميذ". يضيف أنّ "الوضع سيئ في الأساس، لجهة الأوضاع المتردية في المخيّمات نفسها بسبب الظروف المعيشية السيئة. وهذا ما ينعكس كذلك على العملية التعليمية هناك".
تحسين الواقع بإمكانات محدودة
تُشرف على هذه المدارس جهات عدّة، أبرزها وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة، إلى جانب مديرية تربية إدلب الحرّة، ومجموعة من المنظمات الإغاثية التي تحاول بإمكاناتها تحسين وضع التلاميذ السوريين في داخل المخيّمات.
يقول المدرّس مصطفى محمد في إدلب، إنّ "وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة لا تتدخّل في العملية التعليمية، وينحصر دورها فقط بالإشراف على المدارس"، مشيراً إلى أنّ "الخدمات التعليمية والإغاثية بمعظمها تتولاها منظمات سورية وأجنبية، فتقدّم الدعم المادي وتجهّز المدارس بالمعدّات التي تحتاجها في العملية التعليمية بالإضافة إلى تجهيز التلاميذ بما يحتاجونه من قرطاسية ومستلزمات أخرى".
منظمة "بنفسج" للإغاثة والتنمية من المنظمات التي تساهم في دعم العملية التعليمية في مخيّمات النزوح. يقول حسن القاسم وهو مسؤول في مدارس "بنفسج" إنّ "المنظمة تشرف على 12 مدرسة، من ضمنها مدارس مخيّمَي قادمون وعائدون". يضيف: "لدينا أكثر من خمسين مدرّساً للإناث والذكور في مدارس المخيّمَين، ويتقاضى المدرّس نحو 220 دولاراً".
وعن المساهمات التي تقدّمها المنظمة، يوضح القاسم أنّ "بنفسج جهّزت المدارس بالمدافئ وبكميات من المازوت (660 ليتراً) لـ 103 نقاط تدريس تكفي لشهر كامل. كذلك شيّدت مباني من الإسمنت بدلاً من الخيم في عدد من مراكز التعليم، ورمّمت مرافق عامة وحمّامات في المدارس داخل المخيّمات". ويكشف أنّ فريق "بنفسج" زار مدارس مخيّمَي قادمون وعائدون الأسبوع الماضي خلال التحضير لأسبوع الدراسة الأوّل، والذي يمهّد لبدء الموسم الدراسي أمام التلاميذ وتهيئتهم نفسياً للدخول بقوّة إلى الموسم الجديد".
نقص الدعم
ويختلف التمويل الذي تحصل عليه المدارس بحسب إمكانات كلّ منظمة، وهو ما يجعل الدعم المُقدّم إلى القطاع التعليمي في مخيّمات النزوح متفاوتاً. في هذا السياق، يقول الشحّود إنّ "نحو ستّة آلاف مدرّس من بين 15 ألفاً تقريباً يتلقّون رواتب بحدود 100 دولار شهرياً، فيما يعمل الآخرون تطوّعاً". ويشير إلى "ضرورة زيادة الدعم لإتمام العملية التعليمية، وتفادي العوائق التي كانت قائمة في الموسم الدراسي الماضي"، مناشداً المنظمات التي تعمل في مجال الإغاثة والتعليم، "المسارعة في زيادة الدعم، لا سيّما في مجالَي التدفئة ودعم المدرّسين بالرواتب، بالإضافة إلى تأمين المعدّات الدراسية كالقرطاسية والحقائب وغيرها".
وحول تحضيرات مديرية التربية والتعليم في إدلب لهذا الموسم الدراسي، يوضح الشحّود أنّها "خصّصت مستلزمات التعليم لكلّ مخيم للنازحين على أنّه قطاع منطقة في ريف إدلب. وسوف ترسل مخصّصات له بصفته منطقة كاملة، مثل منطقة خان شيخون أو منطقة معرّة النعمان". ويلفت إلى أنّ المديرية أرسلت الكتب المعتمدة في مناهج وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة إلى كل القطاعات ليباشروا في تدريسها.
ويعزو الشحّود عدم القدرة على تحسين البنى التحتية في المدارس، إلى غياب الدعم المادي، قائلاً: "نحن نعتمد على دعم المنظمات وليست لدينا إمكانية مادية أخرى لإنشاء بُنى تحتية للمدارس التي هي كناية عن خيم وغرف صفيح".