أثار قرار وزارة التربية السورية افتتاح المدارس اليوم الأحد جدلاً كبيراً في البلاد. ويخشى البعض أن تتحول المدارس إلى مكان لتفشي الإصابات بفيروس كورونا، منتقدين إجراءات الوزارة، وداعين إلى تأجيل موعد افتتاح المدارس. في المقابل، فإن أكثر ما يقلق آخرين هو خسارة أبنائهم عامهم الدراسي. يعرب أبو أيمن تقي الدين (67 عاماً) عن غضبه من افتتاح المدارس، قائلاً لـ "العربي الجديد": "أن يطلب منا إرسال الأطفال إلى المدارس ضرب من الجنون. نعلم واقع المدارس لدينا، حيث لا نظافة ولا عناية. قبل تفشي كورونا، كان الأطفال غالباً ما يعانون من أمراض الإنفلونزا والتهاب اللوز والبلعوم والقصبات الهوائية وغيرها". يتابع: "لا يمكن المخاطرة بحياة أحفادي وإرسالهم إلى المدرسة، وإن أقسم وزير التربية دارم طباع والحكومة بأن الوضع تغير في المدارس التي كانت دائماً مصدرا للعدوى بالأمراض. حتى أن الأطفال في الكثير من المدارس لا يستخدمون دورات المياه بسبب قذارتها. كما أن صنابير المياه في المدارس محدودة، ما يؤدي إلى تجمع التلاميذ حولها وانتظار دورهم للشرب". ويسأل: "كيف لوزارة احتاجت عقوداً للقضاء على انتشار القمل بين التلاميذ، الوقوف في وجه كورونا؟". يلفت تقي الدين إلى أن الكثير من الناس يؤيدون إرجاء فتح المدارس إلى حين السيطرة على انتشار العدوى، وتأمين آليات واضحة لحماية الأطفال.
لا يشعر الكثير من السوريين بوجود إجراءات جادة لمكافحة كورونا، كحال أبو وسام شكري (39 عاماً). يقول لـ "العربي الجديد": "ما تتحدث عنه الوزارة اليوم من بروتوكولات صحيّة يجب أن تكون متوفرة في المدارس في الأحوال الطبيعية، إلا أنها عجزت عن تطبيقها على مدى سنوات طويلة، بالتالي بتنا نعرف إمكانياتها". وتمنى على "القائمين على الوزارة القيام بتجربة قبل تعميم افتتاح المدارس لفترة أسبوع، وتطبيق إجراءات الحماية، للتأكد من قدرتهم على ضبط التلاميذ".
ويسأل شكري: "كيف لمدرسة تعليم أساسي حلقة أولى، فيها ألف تلميذ تتراوح أعمارهم ما بين 6 و12 عاماً، قياس درجة حرارة تلاميذها كل صباح، أو إلزامهم بالتباعد الاجتماعي، خصوصاً في صف مساحته نحو 20 متراً مربعاً تضم 40 تلميذاً، أي ضعف العدد الذي يسمح به القانون؟ طبعاً، لا أتحدث عن بعض مدارس ريف دمشق التي وصل عدد التلاميذ في صفوف الابتدائي الأول فيها إلى نحو 70 خلال السنوات السابقة، وقد يصل إلى أكثر من 50 في الصفوف الأعلى".
أما أم محمد نبكي (33 عاماً) والمقيمة في دمشق، فترى أنه من الضروري إعادة فتح المدارس، إذ أن الاستمرار في إغلاقها قد يضيع على ابنها سنة من عمره. تقول: "سمعت أن الفيروس ليس خطراً على الأطفال. وإن عمد الأهل إلى توعيتهم وتزويدهم بوسائل الحماية والتعقيم، واعتنى الكادر التعليمي بهم، ستكون الأمور بخير". تضيف: "يُشجع البعض على استمرار إغلاق المدارس لأنهم غير راغبين بالعمل. كما أن الكثير من الناس أصبح لديهم فوبيا من كورونا. لكن إن كان الأمر سيطول، يجب البحث عن سبل للتعايش معه بدلاً من إيقاف الحياة بسببه".
انتشر كورونا في مدارس ألمانيا رغم كل الاحتياطات. أولادنا ليسوا فئران تجارب
وكانت وزارة التربية قد أصدرت مؤخراً ما أسمته "بروتوكولا صحيا للعودة إلى المدارس"، يتضمن العديد من الإجراءات منها التقيد بتسجيل التلميذ (خصوصاً في مرحلة التعليم الأساسي) في أقرب مدرسة إلى المنزل لتجنب استخدام وسائل النقل. وكلّفت دائرة الصحة المدرسية التعاون مع وزارة الصحة والعمل على تحديد الحالات المشتبه بإصابتها، والتأكيد على آليات التوعية الصحية، وتأمين مواد التعقيم والنظافة العامة، وإجراء جلسات دعم نفسي. كما ألزمت كلاً من الأطباء والممرضات والمشرفين الصحيين وعمال المقاصف في المدارس بوضع الكمامات بشكل دائم. كما طالبت مديري التربية في المحافظات ورؤساء دوائر الصحة المدرسية بإغلاق الصف مدة يومين إلى خمسة أيام على الأقل، في حال إصابة أحد التلاميذ أو المدرسين بكورونا، من دون الحاجة إلى إغلاق كامل المدرسة. ولا يعود المصابون بكورونا إلى المدرسة إلا بعد تأكيد شفائهم من قبل دائرة الصحة المدرسية، إضافة إلى إخضاع التلاميذ والمدرّسين للحجر الصحي لمدة 14 يوماً في حال كان أكثر من 5 في المائة من التلاميذ والموظفين مشتبه بإصابتهم بحسب قياس وزارة الصحة.
إلا أن بروتوكول وزارة التربية تعرّض للكثير من الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي. وتقول امتياز قدور: "الصفوف ممتلئة والمدارس تحتاج إلى الكثير من الترميم لكننا لا نرى شيئاً. المياه ملوثة ودورات المياه قليلة بالنسبة لعدد التلاميذ وتفتقد النظافة". تضيف أن "المدارس بشكل عام تعدّ بيئة خصبة لانتشار الفيروس بشكل كارثي، وكل هذه الإجراءات التي تتحدثون عنها وهمية تطبق شكلياً فقط وتعد غير كافية".
من جهتها، كتبت ود علي تعليقاً على منشور الوزارة: "لا تعرفون أن هناك أهالي لا يملكون ثمن الخبز؟ الأمر نفسه بالنسبة للمدرسيين العاملين في مدارس القرى. قولوا شيئاً ينطبق على سورية وليس على أوروبا. انتشر كورونا في مدارس ألمانيا رغم كل الاحتياطات. أولادنا ليسوا فئران تجارب".
وكان عميد كليّة الطب البشري في جامعة دمشق، محمد نبوغ العوا، قد توقع خلال حديث إعلامي تفشي فيروس كورونا مع إعادة فتح المدارس. ووصف هذه الخطوة بالمغامرة في الوقت الحالي، خصوصاً أن البلاد تشهد زيادة في عدد الإصابات والوفيات. وتمنى على الحكومة تأجيل فتح المدارس لمدة أسبوعين على الأقل، إلى حين السيطرة على انتشار الفيروس وتحقيق عدد إصابات أقل وحالات شفاء أكثر وانخفاض الوفيات إلى الحد الأدنى. ورأى أن ضبط المدارس بحسب ما ورد في البروتوكول الصحي يعدّ صعباً، خصوصاً لناحية التعامل مع فئات عمرية صغيرة. ويسأل عن كيفية إلزام هؤلاء التلاميذ بعدم الاحتكاك ببعضهم بعضاً أو تبادل القبلات بعد غياب دام أشهراً عدة، أو عدم تقاسم الطعام مع زملائهم، أو ارتداء الكمامات وغير ذلك من الإجراءات. ولفت إلى أنه في حال أصيب الصغار بالفيروس، فهذا يعني نقل العدوى إلى عائلاتهم، وبالتالي تفشي كورونا، في وقت تسعى الجهات الطبيّة إلى الحد منه. وقال: "يبقى القرار النهائي في يد الفريق الحكومي المعني بالتصدي للوباء، كونه أكثر دراية بوضع الفيروس في البلاد".