مدارس حكومية "متدهورة" في الهند

25 فبراير 2019
ينقصهم الكثير في مدرستهم هذه (Getty)
+ الخط -

تُعَدّ الهند من بين الدول العشر الأسرع نموّاً من الناحية الاقتصادية، غير أنّ وضع التعليم فيها متدنّ. ويُقدَّر عدد سكان البلاد الأميّين بأكثر من 30 في المائة، الأمر الذي يعني أنّ الحكومات المتعاقبة قد فشلت إلى حدّ كبير في تعليم مواطنيها، ولا سيّما الفقراء منهم والقاطنين في المناطق الريفية والنائية.

صحيح أنّ قطاع التعليم الخاص قد شهد تطوّراً كبيراً في العقود الأخيرة، غير أنّ ذلك القطاع لا يعني المواطنين الذين يعيشون تحت خطّ الفقر. إذاً، ثمّة حاجة ملحّة إلى إدخال تغيير ما في نظام التعليم الهندي، وتحديداً الشقّ المتعلق بالمدارس الحكومية، إلى جانب تشجيع المواطنين، وخصوصاً من أبناء الطبقة الفقيرة، على التوجّه صوب التعليم والاستفادة ممّا تقدمه الحكومة لهم في هذا المجال.

ثمّة محاولات لتطبيق المناهج المختلفة وصرف ميزانيات ضخمة لقطاع التعليم، غير أنّه ما زال يعاني. فالمدارس الحكومية في البلاد عموماً وفي المناطق النائية والفقيرة خصوصاً، ما زالت تفتقر إلى المتطلبات اللوجستية الأساسية، من قبيل الأبنية وغرف الصف والمراحيض والمياه الصالحة للشرب وغيرها. كذلك، فإنّ عدم توفّر رقابة حكومية فاقم المشكلة، وعلى سبيل المثال ثمّة مدارس كثيرة لا يحضر إليها مدرّسوها ومدرّساتها، على الرغم من أنّهم مسجّلون على الورق. والمدرّسون يُعيَّن عدد كبير منهم بخلاف الإجراءات القانونية والروتينية المفروضة، بل مقابل رشاوى. الأمر الذي يؤكّد وجود فساد في قطاع التعليم. وفي الإمكان اكتشاف تدهور المدارس الحكومية، من خلال مقارنة مع المدارس الخاصة، مع الإشارة إلى أنّ المقارنة لا تجوز في الأساس. ففي تلك الخاصّة جودة التعليم واضحة، بالإضافة إلى توفّر كلّ المستلزمات المطلوبة، بينما تبدو المدارس الحكومية في حاجة إلى "كلّ شيء". 




ينصّ قانون حقّ التعليم الصادر عام 2010 على تمدرس الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم ما بين ستة أعوام و14 عاماً، مع توفير كل التسهيلات لهم. ولأنّ ثمّة رغبة لدى الهنود في تثقيف أبنائهم، نلاحظ أنّ هذا القانون طُبّق إلى حدّ ما في مناطق كثيرة، غير أنّ المعضلة الأساسية ليست في ذهاب الأطفال إلى المدرسة إنّما في عدم الاستفادة منها.

في سياق متصل، أشار مقال نشرته صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، تحت عنوان "مستوى التعليم المتدني في مدارس الهند الحكومية يهدد مستقبل ملايين الأطفال"، إلى أنّ أوضاع المدارس الحكومية تدفع الآباء إلى تعليم أبنائهم في المدارس الخاصّة، الأمر الذي أدّى في المدن إلى ارتفاع نسبة التلاميذ في المدارس الخاصة، بالمقارنة مع نسبتهم في المدارس الحكومية. وهو ما يؤكد مدى ثقة المواطن الهندي بالمدارس الخاصة. أضافت "ذي غارديان" أنّه في الأرياف، حيث كان الاعتماد الكلي على المدارس الحكومية، يُسجّل ارتفاع بلجوء الآباء إلى المدارس الخاصة.

تجدر الإشارة إلى أنّ آباءً كثيرين، خصوصاً في المناطق النائية، هم أميّون لكنّهم يعرفون أنّ المدارس الخاصة أفضل من المدارس الحكومية. كذلك، لا شكّ في أنّ للدعايات التي يروّجها أصحاب المدارس الخاصة دورها. وفي الواقع الأمر محسوم، فالمدارس الخاصة أفضل بكثير من المدارس الحكومية، لأنّ أصحابها يراقبون كل شؤونها ويعملون على تحسين حالها، إذ إنّ من شأن ذلك رفع المردود المالي.




من جهة أخرى، لا تكمن المشكلة في المستوى فحسب، بل عدم توفّر مدارس حكومية كافية في الهند يرغم الآباء على تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة، في حين يُحرم أطفال كثيرون من التعليم كلياً. وقد تضمّن مقال "ذي غارديان" نفسه قصة طفلة تدعى عظمى تبلغ من العمر تسعة أعوام، وتعيش مع عائلتها في إحدى ضواحي مدينة لكنو في ولاية أتر برديش (وسط)، يعمل والدها آمال علي طوال النهار في التطريز. وعلى الرغم من أنّ العائلة تسكن في بيت من الطين لا أبواب لغرفه ولا نوافذ، فإنّ أمل الوالد الوحيد هو تعليم ابنته وإتقانها اللغة الإنكليزية، وأن تتمكّن من عيش حياة أفضل من تلك التي تعيشها أسرتها. لكنّ الوالد مرض فجأة وتوقّف عن العمل، فلم تعد الأسرة الفقيرة قادرة على تحمّل تكاليف تعليم الصغيرة في مدرسة خاصة، بينما لا تتوفّر أيّ مدرسة حكومية في الجوار. من ثم أجبرت عظمى على البقاء من دون تعليم، أمّا والدها فلم يتحقّق حلمه.
دلالات
المساهمون