في وقتٍ تعاني فيه مدارس لبنان من أزمات عدة، زاد انفجار مرفأ بيروت، من تلك الأزمات، بعد تضرر عشرات من المباني والتجهيزات التربوية. لكن، هناك أمل في الأفق، مع تكفل "يونسكو" بإعادة التأهيل
أضرار متفاوتة لحقت بأكثر من 120 مدرسة رسمية وخاصة في العاصمة اللبنانية بيروت ومحيطها بسبب انفجار مرفأ بيروت، الثلاثاء قبل الماضي، وهو ما ذكرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في بيان لها، مشيرة إلى أنّ هذه المدارس تضمّ 55 ألف تلميذ، وهو ما أكدته أيضاً وزارة التربية اللبنانية لـ"العربي الجديد".
في جولة لـ"العربي الجديد" على عدد من المدارس الرسمية والخاصة في بيروت، يتضح حجم الدمار والخسائر في العديد منها، إذ تصدّعت الجدران وباتت مهددة بالانهيار في بعض المدارس، وتساقطت الأسقف المستعارة في بعضها الآخر وتطايرت الواجهات والنوافذ الزجاجية بأكملها واقتُلعت الأبواب وتحطّم بعض التجهيزات إلى أضرارٍ في الملاعب، ما جعل معظمها غير مؤهل لاستقبال التلاميذ قبل إعادة الترميم والتدعيم والصيانة، علماً أنّ بعضها كان ينتظر الترميم والصيانة قبل الانفجار، والبعض الآخر كان قد رُمّم حديثاً قبل أن يتعرض مجدداً للدمار.
تقول مديرة وحدة إدارة ومتابعة برنامج التعليم الشامل في وزارة التربية والتعليم العالي، صونيا خوري، لـ"العربي الجديد" إنّ "ما نشرته يونيسف حول تضرّر 120 مدرسة يأتي بناءً على مسح أولي استند إلى تقارير مديري المدارس، لكنّ حجم الأضرار يتفاوت بحسب قرب موقع المدرسة من مرفأ بيروت، إذ تراوح ما بين تطاير الواجهات الزجاجية والألمنيوم وأضرارٍ مختلفة أخرى". وتكشف أنّ "فريق عمل مؤلفاً من المهندسين التابعين للوزارة ومهندسين متطوعين سيبدأ بالمسح التقني لتحديد نوعيّة الأضرار وتقدير حجمها وكلفتها". وتضيف خوري: "كلّ مدارس بيروت متضرّرة، إذ يمكن الحديث عن أكثر من 100 مدرسة رسمية تتوزّع بين 50 مدرسة في بيروت العاصمة، وما يفوق الخمسين في بيروت الكبرى (العاصمة بالإضافة إلى محيط بيروت التابع لمحافظة جبل لبنان) التي تصل إلى مناطق أنطلياس وجل الديب والزلقا وسن الفيل وبرج حمّود والضاحية الجنوبية وغيرها".
من جهتهم، يوضح المعنيّون في منظمة "يونيسف" لـ"العربي الجديد" أنّ "التقارير الأولية الواردة من وزارة التربية أشارت إلى تضرّر نحو 120 مدرسة رسمية وخاصة و20 مدرسة للتعليم والتدريب المهني والتقني في محيط موقع الانفجار، إذ تفاوتت الأضرار بين مدرسة وأخرى. وسوف يتولّى فريق المنظمة بالتعاون مع الأقسام المعنيّة في الوزارة تحديد آلية تقييم الأضرار في المباني والبنى التحتية وأطر تصنيفها، ليُعطى دعم المباني الأكثر تضرراً أو التي يتعذّر الوصول إليها أو تلك غير الآمنة الأولوية". يضيف مسؤولو المنظمة: "تشمل عملية مسح الأضرار المدارس الرسمية والخاصة التي تخدم التلاميذ اللبنانيين وغيرهم من صف الروضة الأولى حتى شهادة الثانوية العامة، وكذلك مدارس التعليم والتدريب المهني والتقني، إذ إنّ يونيسف ستقدّم الدعم المطلوب لوزارة التربية لناحية تقييم الأضرار" مؤكّدين أنّ "المنظمة ستساهم كذلك وفق التمويل المتوافر، في دعم عمليّة إعادة ترميم وصيانة المدارس المتضرّرة، بعد تقييم الحاجات والكلفة المطلوبة بشكل دقيق". وعن مدى إمكانيّة عودة التلاميذ إلى المقاعد الدراسية، يكشف المعنيّون في المنظمة أنّ "وزارة التربية بدأت مناقشة أكثر من احتمال، آخذةً بالاعتبار الحاجة إلى مقاربة تعليميّة دامجة لمرحلة ما بعد فيروس كورونا الجديد. وسنقدّم مع شركائنا الدعم المطلوب للمقاربة التي تختارها الوزارة".
وفي خطوة إيجابية لافتة، أعلن مدير مكتب منظمة الأمم المتحدة للعلم والثقافة "يونسكو" الإقليمي للتربية في الدول العربية، حمد بن سيف الهمامي، أنّ المنظمة ستتكفل بإعادة تأهيل المدارس المتضررة من الانفجار كما ستقوم بتنسيق جهود الشركاء التربويين والجهات المانحة في هذا السياق. وأكد الهمامي أنّ المديرة العامة لـ"يونسكو" أودري أزولاي، تتابع عن كثب التطورات في لبنان، لا سيّما تداعيات الانفجار على التعليم، وقال: "تؤكد يونسكو التزامها بدعم لبنان لتجاوز الأزمة التي خلّفها انفجار بيروت. ونحن على استعداد لتسخير جميع إمكاناتنا وقدراتنا في سبيل ضمان استمرار التعليم وحصول جميع التلاميذعلى حقهم في التعلّم".
في جولة "العربي الجديد" على عددٍ من المدارس المتضرّرة في بيروت، من بينها "ثانوية المفتي الشهيد حسن خالد الرسمية للبنين" التي كانت تُعرف بـ"ثانوية حوض الولاية" وهي مدرسة أثريّة تعود مبانيها إلى حقبة العثمانيين، يوضح أحد المسؤولين أنّه "نظراً لقرب الثانوية من موقع الانفجار فقد سُجّلت أضرار كبيرة، إذ تحطّمت القناطر الداخلية والخارجية وتطايرت الواجهات الزجاجية، وخُلعت أبواب الخشب وتضرّرت قضبان الحديد، وفاضت دورات المياه بالمياه الآسنة والأتربة واقتُلع الحجر والشجرة عند المدخل. كذلك، تصدّع الجدار المشترك بين المدرسة ومبنى بلدية بيروت التي تقيم بمحاذاته تماماً موقفاً للسيارات وهو ما ينذر باحتمال انهياره في أيّ لحظة ووقوع السيارات إلى ملعب المدرسة، وفق تقرير مهندسَين أرسلتهما وزارة التربية". يتابع: "أفاد المهندسان أنّ الانفجار لم يؤثر في أساس البناء ولا يهدّد بانهياره، لكن كان من المفترض أن تبدأ أعمال الترميم في إبريل/ نيسان الماضي بهبة تركية، قبل أن يؤخّرها انتشار فيروس كورونا". ويؤكّد أن "لا إمكانيّة لاستقبال التلاميذ في العام الدراسي المقبل إلاّ إذا جلسوا تحت المظلات، فالأسقف عالية والقناطر التي تطايرت كبيرة، ما يعني أنّ المدرسة ستغرق حتماً بمياه الأمطار وسيكون الطقس بارداً جداً داخل مبناها".
وفي "ثانوية رياض الصلح الرسمية" في محلة رأس النبع، يلفت أحد المسؤولين إلى أنّ "الواجهات الزجاجية بأكملها تضرّرت وتساقطت كذلك بعض حواف الخرسانة حول النوافذ وتحطّمت أبواب الخشب، علماً أنّه تمّ ترميم المدرسة لناحية البناء والألمنيوم منذ نحو عامين، لكن للأسف كلّ أعمال الترميم ذهبت سدى". أمّا الأضرار في "ثانوية جبران أندراوس تويني الرسميّة المختلطة" في محلة بئر حسن، فتُعتبر متوسطة نوعاً ما، لكنّ الأضرار الكبيرة طاولت التجهيزات والمكيّفات والأبواب والمداخل. وكذلك الحال في المدارس المجاورة ضمن مجمّع المدارس في المحلة الواقعة تجاه مدينة بيروت الرياضية.
في محلة الأشرفية، أضرار كارثية في "ثانوية لور مغيزل الرسمية للبنات" فالمدرسة انتهت أعمال ترميمها هذا العام تحديداً، وطاولت تغيير الألمنيوم والزجاج بعدما كانا يشكّلان خطورة كبيرة في العواصف والأمطار، إلى جانب تجهيز مسرح جديد ودورات مياه جديدة، وكان من المفترض أن يستكمل الترميم والصيانة بتثبيت كاميرات مراقبة وتغيير المصابيح وإنجاز أعمال الطلاء، لتشهد بعدها المدرسة احتفال إعادة الافتتاح. ويشير أحد المسؤولين فيها إلى أنّ "الانفجار أطاح بكلّ شيء؛ بالمسرح وأجهزة الصوت والإنارة والزجاج والسجاد والبرادي والشاشة والأجهزة الإلكترونية، وبات الملعب يشكّل خطراً داهماً، ولم يبقَ من كلّ أعمال الترميم سوى الجدران التي تشققت بدورها كما الأساسات" لافتاً إلى أنّه "جمع نحو 200 كيس من الزجاج حتى الآن، أمّا الألمنيوم فمتطاير في كلّ مكان".
وقد شملت الأضرار في "ثانوية جبران غسان تويني الرسمية الأولى" و"ثانوية جبران غسان تويني الرسمية الثانية" في الأشرفية، الواجهات والنوافذ الزجاجية التي تطايرت بالكامل وأبواب الخشب التي انتُزعت من أساسها، من دون وقوع تصدّعات خطيرة في الجدران. هذا وسُجّلت أضرار عديدة ومتفاوتة في "متوسطة الأشرفية الرسمية الثالثة" و"دار المعلّمين المتوسطة" المجاورة لها، كما في "مدرسة سلمى الصايغ الرسمية للبنات" في المحلة ذاتها، وفي مدارس عدة في محلة برج حمّود، وفي سنّ الفيل كلّ من "ثانوية سنّ الفيل الرسمية" و"تكميليّة سن الفيل الرسمية" و"مدرسة الأورغواي" إلى جانب "ثانوية رأس بيروت الرسمية للبنين" بالقرب من شارع الحمراء، وغيرها كثير.
من جهتها، نالت المدارس الخاصّة نصيبها من الانفجار، وهي التي ترزح أصلاً تحت تحدّي تحصيل الأقساط الدراسية ودفع رواتب المعلمين فيها، وتناقص عدد التلاميذ، إذ تقول مستشارة الأمين العام لمدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، غنى البدوي، لـ"العربي الجديد" إنّ "جميع مدارس المقاصد في بيروت قد تضرّرت من دون استثناء، لا سيّما مدارسنا في الأشرفية وقصقص ورأس النبع، فقد طاولت الأضرار جميع طبقات المباني، في حين كانت الأضرار أقلّ نسبيّاً في مدارسنا في فردان والحمراء. وقد تنوّعت الأضرار ما بين تصدّعات في الجدران لا تشكّل خطر انهيار وفق تقرير المهندس الذي تولّى عملية الكشف، وتحطّم الزجاج وتطاير الواجهات والأبواب". وتلفت إلى أنّ "الانفجار ألحق كذلك أضراراً بمكاتب إدارة الجمعية في شارع مارالياس، وكذلك بمستشفى المقاصد في محلة الطريق الجديدة".
وفي سياقٍ متّصل، تأسف الرئيسة الإقليمية لراهبات المحبة في الشرق الأوسط، الأخت لوريس عبيد، للكارثة التي حلّت بالعاصمة. وتقول لـ"العربي الجديد": "فقدنا بدورنا راهبة كانت تصلّي في كنيسة مدرسة الحبل بلا دنس، في محلة الرميل أثناء وقوع الانفجار. أمّا أديرتنا فتضرّرت بأكملها، بدءاً من الدير الرئيسي للآباء اللعازريين في ساحة ساسين، الأشرفية، وملجأ الأطفال إلى جانبه، ودير سان شارل إلى جانب مستشفى رزق، وصولاً إلى مدرسة الحبل بلا دنس ومدرسة راهبات المحبة اللعازرية في كليمنصو، التي كانت تتميّز ببنائها وتصميمها الهندسي الأثري القديم، بالإضافة إلى تضرّر مستشفى قلب يسوع في الحازمية". وتضيف: "الأضرار جسيمة جداً في مدرسة الحبل بلا دنس، فقد طاولت المباني الثلاثة، وتركتها من دون نوافذ أو أبواب، فيما تعطل المصعد".
من جهته، يقول الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، الأب بطرس عازار، لـ"العربي الجديد" إنّ "جميع المدارس الكاثوليكية في بيروت وضواحيها تضرّرت بشكل كارثي، لا سيّما تلك القريبة من موقع الانفجار، مثل مدرسة الحكمة في الأشرفية ومدرسة الفرير- الجميزة (القلب الأقدس)، إذ تصدّعت جدران فيها، وننتظر كشف المهندسين للتأكد من سلامة البناء، وكذلك الأضرار كبيرة في مدرسة راهبات البزنسون، وسط بيروت، وراهبات القلبين الأقدسين في السيوفي- الأشرفية، ومدرسة راهبات الناصرة في المحلة ذاتها، وراهبات المحبة في ساحة ساسين، الأشرفية، حيث تساقط الزجاج وخُلعت الأبواب وتطايرت الأسقف المستعارة. أيضاً، تضرّرت عدة مدارس تابعة لنا في ضواحي العاصمة، لا سيما الدكوانة والبوشرية وفرن الشباك. وقد وصلت الأضرار حتى إلى مقر الأمانة العامة في عين نجم (في بلدة عين سعادة) بعيداً عن بيروت". يتابع: "كنا في الأساس، نعاني من أزمة اقتصادية خانقة لناحية تحصيل الأقساط ودفع رواتب المعلمين وتحصيل الأموال المستحقة من الدولة، وإذ بالانفجار يضيف أزمة فوق الأزمة. وقد دعوت جميع المدارس الكاثوليكية خارج العاصمة إلى تقديم الدعم والمساعدة لمدارسنا في بيروت". ويشدّد عازار على "أهمية التعاضد مع المدارس الخاصة، فنحن على أبواب عام دراسي يبدو من الصعب الانطلاق به كالعادة في مطلع سبتمبر/ أيلول المقبل، إذ ما زال المواطنون يلملمون أنفاسهم، ونحن منهم، ناهيك أنّ عدداً من الأديرة والمدارس قد فتح أبوابه لإيواء المتضرّرين". ويضيف: "لكنّنا لن نترك التلاميذ من دون تعليم، ولن نسمح بجيلٍ جاهلٍ يكون هو الضحية، لذلك سنقوم بالمستحيل لتأمين انطلاقة العام الدراسي المقبل".