يثير قرار الحكومة المغربية المتعلق بافتتاح العام الدراسي الجديد، يوم الاثنين في السابع من سبتمبر/ أيلول المقبل، مخاوف في ظل الارتفاع القياسي، أخيراً، في الإصابات والوفيات بفيروس كورونا
مع بدء العد العكسي لافتتاح العام الدراسي الجديد في المغرب، في السابع من سبتمبر/ أيلول المقبل، تتزايد المخاوف لدى أسر آلاف التلاميذ والأوساط المهنية والتربوية، من جراء عدم حسم وزارة التربية الوطنية حتى اليوم، مسألة النموذج التعليمي الذي سيجري اتباعه في ظلّ حالة صحية استثنائية فرضها استمرار تفشّي فيروس كورونا الجديد، وهو الانتشار الذي زاد، بشكل لافت، منذ بداية المرحلة الثالثة لتخفيف الحجر الصحي.
وشكل إصدار وزارة التربية الوطنية، في 6 أغسطس/ آب الجاري، للمقرر الوزاري الخاص بتدبير الدخول المدرسي 2020- 2021، مناسبة لإضفاء مزيد من الغموض والضبابية، إذ لم يكشف عن أيّ استراتيجية واضحة للتدابير والإجراءات التي ستتخذها الوزارة لاستقبال العام الدراسي، خصوصاً في ظلّ خطر محدق بالتلاميذ والكوادر التربوية والإدارية وعائلاتهم بسبب ازدياد الإصابات بالفيروس في مختلف مناطق المملكة.
وفي محاولة لإزالة بعض الغموض الذي ساد، سارعت الوزارة إلى إصدار بيان توضيحي، في 9 أغسطس/ آب الجاري، تؤكد فيه أنّها لم تحسم بشكل قاطع في النموذج التربوي الذي سيجري اعتماده في الدخول المدرسي المقبل (سواء أكان الحضور إلى المدارس أو تعليم عن بعد أو دمج الخيارين)، وأنّ مقتضيات قرارها الوزاري يمكن أن تعدّل أو تكيّف، عند الاقتضاء، سواء تعلق الأمر بمحطة الدخول المدرسي أو خلال السنة الدراسية، مع الأخذ بعين الاعتبار تطور الوضع الوبائي في البلاد وما يتطلبه من إجراءات احترازية ووقائية. وعلى الرغم من محاولة الوزارة تهدئة المخاوف السائدة، من خلال تأكيد مواصلتها العمل على التحضير الجيد للدخول المدرسي المقبل، بتنسيق تام مع السلطات العامة المختصة، وذلك حرصاً منها على الحفاظ على صحة التلاميذ والكوادر التربوية والإدارية، تبدي الأسر المغربية توجسها من كيفية تدبير السنة الدراسية في ظل عدم الحسم في الصيغة التي ستعتمد في التعليم.
يقول عضو تنسيقية مؤسسة تعليمية، في سلا الجديدة، هشام الداغرية: "تخبط الوزارة في الكشف عن سيناريو الدخول المدرسي وتضارب البيانات الصادرة في الموضوع يدلّ على حالة الضياع التي تعيشها الوزارة، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول التدابير التي يجب أن تتخذ في الدخول المدرسي في ظل تزايد الإصابات والحديث عن عودة الحظر الصحي في العديد من المناطق في المغرب". يتابع لـ"العربي الجديد ": "في ظلّ الانتشار المهول لكورونا نتساءل كأولياء للتلاميذ عن الاحتياطات التي يجب اتخاذها لعدم انتقال العدوى للأطفال. وفي ظل غياب أي لقاح أو دواء لهذا الوباء، نعتبر أنّ عودة الأطفال للمدارس مخاطرة كبيرة تهدد صحتهم وسلامتهم. وفي ظل هذه الظروف لا يمكن أن نسمح لأبنائنا بالالتحاق بالفصول الدراسية". ويعتبر أنّ "الحلّ المنطقي يبقى في تأجيل الدخول المدرسي حفاظاً على سلامة التلاميذ، خصوصاً في ظلّ عدم وضوح الرؤية وتزايد عدد الإصابات. أما اعتماد الدخول المدرسي فقط من أجل إرضاء لوبي التعليم الخاص والعودة إلى اعتماد التعليم عن بعد، فلن يكون سوى مخاطرة بصحة أبناء المغاربة".
من جهتها، تؤكد حسناء الوادي، ولية أمر تلميذ بمؤسسة تعليمية، في سلا، أنّ التعليم الحضوري في الظروف الحالية هو مجازفة بصحة التلاميذ وبحياتهم، لأنّ من الصعب اعتماد التباعد الاجتماعي في المدارس المكتظة أساساً، كما من الصعب فرض الكمامة على كلّ تلميذ خصوصاً في المرحلة الابتدائية. وتقول لـ"العربي الجديد": "الأسر تعيش حالة من القلق على صحة أبنائها، في الوقت الراهن، تضاف إلى مخاوف من اعتماد التعليم عن بعد، مرة أخرى، مع ما يطرحه من مشاكل مؤرقة لآلاف الأسر المغربية خصوصاً الأزواج الموظفين أو العاملين، وكذلك الأسر الفقيرة".
ومع اقتراب العام الدراسي المقبل، تواجه المنظومة التربوية تحدياً يتمثل في استقبال نحو مليون و50 ألف تلميذ ومتدرب جديد، منهم 650 ألفاً سيلتحقون بالتعليم الابتدائي (الأساسي)، و250 ألفاً في التعليم الثانوي، و150 ألف متدرب بالتكوين المهني، وهو ما وصفه وزير التربية الوطنية، سعيد أمزازي في تصريحات سابقة بـ"التحدي الكبير". كذلك، يواجه المنظومة التربوية تحدي كيفية الحسم في النموذج التربوي الذي سيتم اعتماده في الدخول المدرسي، عوض الارتهان إلى قرارات اللحظة الأخيرة.
تبدو مهمة وزارة التربية الوطنية صعبة، وهي تحاول أن تحسم في النموذج التعليمي، وما إذا كان خيار "التعليم عن بعد" ما زال سارياً وممكناً، أو ستجري العودة إلى التعليم الحضوري، أو المزاوجة بين الخيارين، مع الحرص على استحداث توازن بین الحاجة إلى تنفیذ التدابير الاحترازية لمنع تفشي فيروس كورونا، وضمان تفادي الآثار السلبية للتعليم عن بعد من خلال الحرص على تكافؤ الفرص بين جميع المتعلمين.
وبينما كان وزير التربية الوطنية، سعيد أمزازي، قد أكد في تصريحات صحافية سابقة، أنّ تمديد حالة الطوارئ الصحية من طرف السلطات العامة، سيدفع الوزارة إلى اعتماد دخول مدرسي يُراعى فيه احترام التدابير الوقائية، من قبيل التباعد الجسدي والالتزام بالكمامات، وجعل الدراسة حضورية وعن بعد، يكشف مصدر مسؤول بالوزارة، طلب عدم الإفصاح عن هويته، لـ"العربي الجديد" أنّ الحسم النهائي في النماذج التربوية التي يجري العمل عليها من قبل مسؤولي الوزارة سيراعي تطور الوضع الوبائي في مطلع سبتمبر/ أيلول المقبل. وبحسب المصدر نفسه، فإنّه يجري حالياً تدقيق النماذج التربوية التي تم إعدادها والاجراءات الواجب اتخاذها من أجل تطبيقها وتكييفها مع الخصوصيات الجهوية والإقليمية والمحلية والأخذ بعين الاعتبار تطور الوضع الوبائي على مستوى كلّ منطقة. وفي الوقت الذي يعكف فيه المفتشون وكوادر الإدارة التربوية والأساتذة الذين ساهموا في إعداد النماذج التربوية المتعلقة بالدخول المدرسي على تدقيق وتحسين تلك النماذج، وفق المصدر المسؤول، يثير سيناريو اعتماد نموذج التعليم عن بعد مخاوف فئة كبيرة من المعنيين والمختصين، بعد النتائج المتواضعة التي تحققت خلال السنة الدراسية الماضية.
ويعتبر الكاتب العام للجامعة الحرة للتعليم، التابعة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب (اتحاد عمالي) يوسف علاكوش، أنّ "التعليم عن بعد" لا يمكن أن يعوض التعليم الحضوري مطلقاً، وذلك لأنّه يفتقد لأهمّ ركن في الحق في التعليم، ألا وهو مبدأ تكافؤ الفرص الذي يختلّ كلياً بسبب الفروق الفردية بين التلاميذ أولاً، كما التفاوت على مستوى الدخل والمستوى التعليمي للأسر، والتباين المجالي بين العالمين القروي والحضري، ناهيك عن ضعف الموارد الرقمية المنتجة من طرف الوزارة بالرغم مما يبذل من مجهود في تحسينها، وغياب التكوين الأساسي والعدة البيداغوجية (التربوية التعليمية) لدى نساء ورجال التعليم. ويعتقد المسؤول النقابي أنّ التعليم الأولي والتعليم الابتدائي لا يتطابقان مع مقومات التعليم عن بعد، خصوصاً مع غياب التفاعل المباشر؛ سواء بين المعلم والتلاميذ، أو بين التلاميذ في ما بينهم، بسبب غياب دعامات الممارسات الصفية، من وسائل إيضاح وشرح َوتطبيق وتمثيل وقياس ومقارنة، معتبراً أنّ كلّ هذا يجعل من التعليم عن بعد عبارة عن برمجة وتلقين عوضاً عن إقامة لثوابت العملية التعليمية - التعلمية.
في المقابل، يعتبر علاكوش، أنّ اعتماد التناوب بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد، وهو آخر صيحة عالمية بيداغوجية وليس إبداعاً وطنياً، يرتهن أولاً إلى الإمكانات التي تتيحها المؤسسات التعليمية والجامعية ومؤسسات التكوين، وثانياً إلى المرونة التي سيتيحها الوقت والحصص الدراسية وتوزيعها بين أفواج الفصل الدراسي الواحد. ويضيف: "الأهم هو العدد الكافي من الكوادر التربوية والإدارية والتقنية المحفزة مادياً ومعنوياً والمعبأة لتنفيذ جميع السيناريوهات الاحتمالية، أما من دون ذلك، فيبقى كلّ شيء تخطيطاً على الورق" معتبراً أنّ غياب هذا التحفيز في قانون المالية المعدل وفي منشورات رئاسة الحكومة، فضلاً عن الحالة الوبائية، قد يجهض أيّ مخطط مهما أغرق في التفاصيل التقنية.
من جهته، يرى بوجمعة كرمون، أستاذ الفلسفة بثانوية الكندي بمدينة مكناس (وسط المغرب) أنّ مقاربة "التعليم عن بعد" أثبتت فشلها، كما أثبتت قصور الرؤية في التعاطي مع أزمة كورونا في الوسط المدرسي. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "خيار التعليم عن بعد مجازفة حقيقية لا شيء يبررها، إلاّ إذا كنا غير قادرين على إنتاج حلول، وهذه فضيحة أخرى". ويذهب أستاذ الفلسفة إلى القول إنّ التعليم ينبغي أن يكون حضورياً، لكن بشرط توفّر كلّ الضمانات الوقائية، وعلى رأسها تفعيل مقاربة التباعد الجسدي داخل الفصل الدراسي، مضيفاً: "خارج الحسابات الضيقة، وبصرف النظر عن الحرب المشتعلة بسبب القطاع الخاص، أعتقد أنّ التعليم الحضوري يقتضي أول ما يقتضيه اعتماد نظام البكالوريا (امتحانات الثانوية العامة الأخيرة) حيث عدد التلاميذ محدود جداً بما يضمن تباعداً حقيقياً، فضلاً عن المراهنة على آليات التعلّم البديلة داخل الفصل بما ينسجم مع كلّ مادة تعليمية". ويوضح كرمون: "من منطلق تجربتي كأستاذ فلسفة، من الممكن تقليص حصة من 4 ساعات أسبوعية، في مسلك العلوم الإنسانية، إلى حصتين في الأسبوع، والأمر نفسه ينطبق على العلوم الفيزيائية والآداب... وهكذا تضمن سيرورة تربوية فعلية وحضورية، وتضمن معها تباعداً جسدياً، كما تضمن توزيعاً عادلاً للكوادر التربوية". ويشير إلى أنّ التعليم الحضوري يحقق غايات كثيرة مهما قلّ عدد الحصص الدراسية، وهو ما لا يحققه التعليم عن بعد بالرغم من الكمّ الكبير في عدد الحصص.