عقب الانتهاء من صلاة عيد الأضحى، يوم الأحد الماضي، أسرع كثيرون في محافظات مصر إلى ذبح الأضاحي الخاصة بهم في الشوارع التي تحوّلت، خلال بضع ساعات، إلى برك دماء تنبعث منها روائح كريهة، نتيجة عدم رفع مخلّفات تلك الأضاحي. أتى ذلك على الرغم من تعليمات وزارة الإدارة المحلية للمحافظين بفرض غرامة تقدّر بخمسة آلاف جنيه مصري (نحو 300 دولار أميركي) للمخالفين، في حين برّر المواطنون الأمر بعدم توفّر "سلخانات" (مسالخ) حكومية في كلّ منطقة، بالإضافة إلى أنّهم اعتادوا على ذبح أضحيتهم وفق طريقتهم الخاصة.
وتسبّبت بقايا الأضاحي، من قبيل قطع الجلود وأجزاء من القوائم والعظام التي تناثرت في بعض الشوارع، في ازدياد حجم النفايات والمخلفات، الأمر الذي دفع الأهالي، في عدد من الأحياء، إلى تقديم شكاوى إلى الإدارات المحلية. يُذكر أنّ تلك الإدارات أغلقت أبوابها منذ الصباح الباكر، يوم العيد، على الرغم من القرار القاضي بإنشاء غرفة عمليات في كل وحدة محلية مرتبطة بالمحافظات، لمتابعة البلاغات والشكاوى في خلال أيام العيد. بالتالي، تراكمت أكياس النفايات بجوار المنازل من دون أن تجد من يرفعها من أماكنها، وهو ما دفع بعض سائقي الكارو إلى الاستفادة من عرباتهم ونقل تلك المخلفات في مقابل بدل مادي يسدّده الأهالي.
في السياق، يقرّ مصدر مسؤول في المحليات بأنّ "مخلفات الأضاحي تُعَدّ أزمة في كل المحافظات المصرية. أنا أعمل في محافظة القاهرة، وثمّة اجتماعات عقدت صدرت على إثرها تعليمات للقيام بجولات في الأحياء بهدف متابعة سير العمل في خلال أيام العيد، لكنّها لم تُنفَّذ على أرض الواقع". يضيف أنّ "تلال القمامة تزيد بدرجة كبيرة في محافظات القاهرة الكبرى في خلال أيام عيد الأضحى، بسبب عمليات الذبح وتصل إلى عشرات الأطنان، وتُعَدّ مصدراً للتلوّث وانتشار الحشرات الضارة والقوارض وتجمّع الكلاب الضالة من حولها، وكذلك مصدراً للروائح الكريهة والأمراض، في ظل غياب أي تحرّك من قبل مسؤولي المحليات". ويلفت المصدر المسؤول نفسه إلى أنّ "منظر دماء الحيوانات في الشوارع سيّئ جداً"، منتقداً "المحافظات لعدم توفيرها سلخانات فى كلّ حيّ". ويسأل: "كيف لمواطن من منطقة الشرابية أو الزاوية الحمراء بشمال القاهرة أن يتوجه إلى منطقة البساتين بجنوب القاهرة لذبح أضحيته؟ وتكلفة نقل الأضحية في الذهاب والإياب؟"، موضحاً أنّ "القاهرة التي تضمّ أكثر من 17 مليون نسمة، تتضمّن خمسة مجازر فقط في البساتين وطره وحلوان بجنوبها بالإضافة إلى اثنَين بشرقها".
تجدر الإشارة إلى أنّ الشكاوى لا تقتصر على مخلفات الأضاحي التي تُترَك بعد ذبحها في الشوارع المصرية، فبائعو تلك الأضاحي من أغنام وأبقار وجواميس وجمال يخلّفون وراءهم بقايا أعلاف في الأماكن حيث نصبوا شوادرهم، الأمر الذي يؤدّي إلى انتشار الحشرات والقوارض في تلك النقاط بالإضافة إلى انبعاث الروائح الكريهة منها.
وتشكو مروة رمضان لـ"العربي الجديد" من "أكوام القمامة التي تملأ الشوارع. وقد تقدّمت بشكوى إلى (سلطات) الحيّ لكنّني فوجئت بأن الأبواب مغلقة"، معبّرة عن مخاوفها من "انتشار الحشرات والقوارض والأمراض نتيجة مخلفات ذبح الأضاحي التي لم تُرفَع من الشوارع". أمّا غريب سعد فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الحيّ لا يهتم عادة بتنظيف الشوارع في خلال أيام عيد الأضحى، ونحن لا نستطيع التعبير عن استيائنا حتى لا يغضب الجيران منّا". من جهته، يؤكد ياسين علي أنّ "الجميع تعوّد على ذبح الأضاحي أمام منزله بسبب الدماء وعدم القدرة على الذبح في داخل الشقق نظراً إلى مساحاتها الصغيرة". ويسأل: "كيف أنقل الأضحية إلى المجزر؟ من جهة الأمر مكلف، ومن جهة أخرى يحرم الأطفال من الفرحة، فيما لا نتمكّن جميعا من الحضور"، مقرّاً بأنّ "أحداً لا يلتزم بالقرار، لأنّ الجميع مضطر إلى الذبح أمام المنزل". وبالنسبة إلى محمد عطية، وهو جزّار، فإنّ "التحذيرات تصدر بشكل شبه دوري في عيد الأضحى من قبل الجهات المعنية، لكنّها صعبة التنفيذ"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أنّ "الأسباب عدّة، منها بُعد المجازر الحكومية واكتظاظها أحياناً. كذلك، فإنّ المجازر غير نظيفة بسبب كميات الدماء فيها، بالتالي يفضّل الجميع ذبح الأضاحي أمام منازلهم".
يقول الدكتور صلاح الدين حافظ، أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر، إنّ "قلة عدد المجازر تمثّل أزمة لعدد كبير من الأهالي في كل المحافظات المصرية"، مطالباً بـ"ضرورة توفير مجزر في كلّ حيّ يذبح المواطنون فيه أضاحيهم لقاء مقابل مادي، بدلاً من الجزارين الذين ينتشرون في الشوارع بسواطيرهم بطريقة مخيفة للأطفال والبالغين على حدّ سواء". ويؤكّد أنّ "من شأن إنشاء المجازر إدخال المال إلى خزينة الدولة، خصوصاً في ظل عدم تنفيذ التعليمات ذات الصلة على أرض الواقع. فالآلاف عمدوا إلى ذبح أضاحيهم الخاصة في الشارع"، سائلاً: "أين تطبيق الغرامة التي فرضتها الحكومة؟".