على الرغم من إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن إسقاط الطائرة الروسية، الإثنين الماضي، كان "حادثاً مأساوياً"، وهو ما أوحى للوهلة الأولى باحتواء روسي للحادثة، وتجنب افتعال أزمة دبلوماسية مع إسرائيل، إلا أن الشق الثاني من الإعلان، وتحديداً في ما يتعلق بعدم تفعيل آلية التنسيق العسكري بين إسرائيل وروسيا كما يجب، أثار في الطرف الإسرائيلي مخاوف من تبعات هذا القول، خاصة مستقبل العمليات والاعتداءات الإسرائيلية في الأراضي السورية، التي لم تعد تل أبيب تبالي بإبقائها طي الكتمان.
وفي طبيعة الحال احتمال الرد الروسي المتوقع، والخطوات الروسية القادمة، احتلت عناوين الصحف الإسرائيلية، التي صدرت، اليوم الخميس، بما أتاح للمحللين، بفعل يوم الغفران اليهودي، بين مساء الثلاثاء وحتى مساء أمس، محاولة استشراف وقراءة الردود الروسية المقبلة، وتداعيات إسقاط الطائرة على مستقبل التنسيق العسكري وبالأساس مدى الحرية التي تمتعت بها إسرائيل لغاية الآن، منذ التفاهمات الروسية-الإسرائيلية في ديسمبر/كانون الأول من العام 2015.
واعتبر محلل الشؤون العسكرية، في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، على سبيل المثال، أن إسرائيل ستدفع ثمناً مقابل ما حدث، مشيراً إلى الإعلان اليوناني، أمس، عن أن روسيا أبلغت السلطات اليونانية بأنها ستجري تدريبات جوية طارئة، وستغلق بسببها المجال الجوي، والذي من الموقع أن يمتد من مكان سقوط الطائرة الروسية وحتى السواحل السورية، لمدة ستة أيام، عدا عن اعتزام روسيا إغلاق المجال الجوي كلياً فوق دمشق وقبالة الساحل السوري كله، وهو ما يعني إغلاق هذا المجال كلياً أمام سلاح الجو الإسرائيلي في الأيام القادمة، بما سيؤشر إلى رسالة واضحة لإسرائيل، وإن كانت غير مباشرة.
ومع أن فيشمان كرر المزاعم الإسرائيلية بشأن عدم مسؤولية تل أبيب عن إسقاط الطائرة، إلا أنه أشار في الوقت ذاته، إلى القرار بإيفاد قائد سلاح الجو الإسرائيلي لإيضاح الموقف الإسرائيلي، أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وتابع "الروس ليسوا أغبياء، وهم يعلمون جيداً أن إسرائيل تراقب حركة الطائرات في المنطقة ولا سيما طائرات التجسس، كالتي تم إسقاطها الاثنين بنيران الدفاعات السورية، وبالتالي فإنه عندما تقول روسيا إن إسرائيل أبلغت الطرف الروسي، قبل دقيقة واحدة من عملية استهداف المستودع في اللاذقية، فإنها (أي إسرائيل)، كانت تعرف بشكل دقيق موقع الطائرة، ويفترض أنها تدرك خطورة الأمر، وبالتالي فهي تعرف أن دقيقة واحدة ليست كافية لتحويل مسار الطائرة، وبالتالي فإنه من وجهة نظر الروس فإن إسرائيل لم تبذل كل الجهود المطلوبة منها، وفقاً للتفاهمات مع روسيا لمنع تعرض الطائرة الروسية للخطر".
وبحسب فيشمان، فإن موقف بوتين يشير إلى أن الروس أدركوا أن بمقدورهم تحقيق مكاسب من الحادثة، وهو ما يفسر عدم مسارعتهم لتوجيه الاتهامات لإسرائيل، وانتظار 12 ساعة من إسقاط الطائرة قبل صدور بيان وزارة الدفاع الروسية، والاتصال الهاتفي بين وزير الدفاع الروسي، شويغو ونظيره الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، وتوجيه الاتهام لإسرائيل بالمسؤولية عن إسقاط الطائرة.
وبحسب فيشمان، فإن الرد الروسي لم يكن عبثياً أو من باب المصادفة، بل كان مدروساً ويهدف قبل كل شيء إلى خفض وتقليص حجم ونطاق حرية الطيران الحربي الإسرائيلي في الأراضي السورية، خاصة أن الإعلام الروسي، تحدث، بحسب فيشمان، في اليومين الماضيين عن تقديرات روسية بأن إسرائيل تحاول، بدعم من الأميركيين، تخريب اتفاق إدلب.
ورأى فيشمان أن الاتفاق المذكور زاد من الإحباط الإسرائيلي، بفعل ما حصلت عليه تركيا مقابل قصر مكاسب إسرائيل في تفاهات عودة النظام لجنوب سورية، وإبعاد الإيرانيين حتى 100 كيلومتر من الحدود.
ولكن بحسب المحلل السياسي "لا توجد لدى بوتين نية بإخراج الإيرانيين من دمشق، والآن يتضح أن الإيرانيين أقاموا تحت مظلة الدفاع الجوي الروسية مصانع لإنتاج السلاج المتطور والدقيق، وهو ما يعني تجاهلاً روسياً للمصالح الإسرائيلية، وبالتالي أفضى في تل أبيب إلى استنتاج وجوب مواصلة الهجمات المكثفة على الأهداف المختلفة في سورية، في كل مكان وكل وقت وسط أخذ المصالح الروسية بأدنى حد من الاعتبار، وهو ما لا يناسب الروس الذين يعتبرون أن إسرائيل تنفذ سياسة أميركية".
ويوافق عاموس هرئيل في "هآرتس"، هو الآخر على أنه ستكون هناك تداعيات لإسقاط الطائرة الروسية، إذ قال "إن إسرائيل الآن في ورطة مع الروس من شأنها أن تؤثر على حرية نشاط سلاح الجو، الاستراتيجية، التي استفاد منها سلاح الجو الإسرائيلي لغاية الآن في الجبهة الشمالية".
وتنتظر إسرائيل الآن لترى الخطوات التي ستتخذها روسيا مستقبلاً. ومن شأن الأخيرة أن تطالب تل أبيب من الآن وصاعداً بإعطاء تحذير من أي عملية أو غارة إسرائيلية، قبل وقت أطول مما ساد لغاية الآن، وأن تفرض مناطق حظر طيران في سورية قرب قواعدها العسكرية شمالي سورية، أو تزويد الجيش الروسي بمنظومات دفاع جوية حديثة ومتطورة امتنعت لغاية الآن عن تزويدها للنظام (مثل منظومات إس 400).
وبحسب هرئيل، سيكون على رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في ظل ما حدث، توظيف كل تجربته وخبراته الدبلوماسية لتهدئة الطرف الروسي وتخفيف التوتر في العلاقات مع روسيا، ولهذا اقترح إيفاد قائد سلاح الجو الإسرائيلي، الجنرال عميكام نوركين إلى موسكو لعرض نتائج التحقيقات الإسرائيلية على الطرف الروسي، لكن ورغم موافقة بوتين على ذلك، إلا أن من شأن روسيا اتخاذ خط متشدد ولفترة طويلة عبر عرقلة حرية الحركة التي كانت متاحة للطيران الحربي الإسرائيلي لغاية الآن، لا سيما في شمال غرب سورية، وهو أمر خطير من حيث نتائجه على إسرائيل لأن الإيرانيين سيستغلون الفرصة لتكثيف عمليات تهريب السلاح إلى لبنان، وتعزيز وجودهم في سورية.