مخاطر إنهاء "أونروا" على حقوق اللاجئين الفلسطينيين

16 يوليو 2018

فلسطينيون في قلقيلية يحتجون ضد محاولات إنهاء "أونروا" (15/2/2018/الأناضول)

+ الخط -
دخلت قضية الشعب الفلسطيني طورا جوهريا مع اتخاذ الأمم المتحدة قراراً بتقسيم فلسطين، في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947، إلى دولتين عربية ويهودية. وبعد ذلك، عمدت العصابات والتشكيلات الصهيونية إلى السيطرة على قرى وبلدات فلسطينية عديدة. وفي 15 مايو/ أيار 1948، إثر إعلان قيام دولة إسرائيل على جزء من تراب فلسطين، تدخلت الجيوش العربية لحماية فلسطين، غير أن الجيوش العربية هزمت في تلك الحرب. وأدت تلك الأحداث إلى تهجير نحو 760 ألف عربي إلى خارج المناطق من فلسطين التي أعلن عليها قيام الكيان الصهيوني. واضطرت حينها الأمم المتحدة لتأسيس "هيئة الأمم المتحدة لإغاثة لاجئي فلسطين"، وفق القرار 212 المتخذ في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 1948؛ استناداً إلى تقرير الكونت برنادوت الذي انتدبته الأمم المتحدة للوساطة بين أطراف النزاع في فلسطين، بموجب القرار 186 في 14 مايو/ أيار 1948. وقد طلبت الأمم المتحدة، في الفقرة 11 من القرار 212، من مختلف منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الإنسانية غير الحكومية، تنسيق الجهود لإغاثة اللاجئين وإيوائهم وإسعافهم بإشراف الهيئة التي أسستها.
ولم تكن الأمم المتحدة قد اعترفت بإسرائيل، في أثناء مناقشتها تقرير الوسيط، والموافقة على تشكيل هيئة إغاثة خاصة بلاجئي فلسطين، واتخاذ القرار 194 في 11 ديسمبر/ كانون الأول 1948 بعنوان "بحث الأوضاع في فلسطين". وبالتالي فإن القرارت المذكورة كانت قد 
صدرت قبل قبول عضوية إسرائيل في المجموعة الدولية في أيار 1949. ولذا فإن شرط عودة لاجئي فلسطين إلى أراضيهم والعيش بسلام مع جيرانهم، تتضمن عودة كل مواطن إلى بيته ودياره في أرض فلسطين، ومن بينها موجبات الفقرة 11 من القرار 194 التي تتناول حلا لقضية اللاجئين، بوجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقرّرون عدم العودة إلى ديارهم وبيوتهم، وعن كل مفقود ومصاب بضرر عندما يكون من الواجب، وفقا لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوّض عن ذلك الفقدان أو الضرر من الحكومات أو السلطات المسؤولة، كما وتصدر تعليماتها إلى هيئة التوفيق الدولية حول فلسطين التي جرى تأسيسها بموجب القرار نفسه، بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك المحافظة على الاتصال الوثيق بمدير هيئة الأمم المتحدة لإغاثة لاجئي فلسطين.
ولأن المجتمع الدولي فشل في توفير حل للاجئين حسب القرار 194، اضطرت الأمم المتحدة لتأسيس هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (أونروا)، لاستكمال إغاثة لاجئي فلسطين بموجب القرار 302، في 8 ديسمبر/ كانون الأول 1949. وأنه من البين أن "أونروا" قد ورثت جزءا من تسميتها المتعلقة بلاجئي فلسطين، من الوكالة الدولية التي سبقتها، وهي هيئة الأمم المتحدة لإغاثة لاجئي فلسطين. وقد انحصرت ولاية عمل "أونروا" ومسؤوليتها في متابعة شؤون لاجئي فلسطين، في المناطق الرئيسية المحيطة بفلسطين التي احتضنت اللاجئين في عام 1948، وهي الأردن وسورية ولبنان، إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة اللذين لم يكونا محتلين قبل حرب 1967. وكل لاجئ فلسطيني غير موجود في هذه المناطق لم تشمله ولاية "أونروا"، وبالتالي لا يتلقى مساعداتها وخدماتها. وكان وقتها أكثر الذين اضطروا للجوء من عرب فلسطين، بغض النظر عن جنسياتهم وهوياتهم الوطنية، وكان هنالك حوالي 30 ألفا من اليهود بين اللاجئين الذين كانو مسجلين في "أونروا" في الأراضي التي أعلنت إسرائيل عليها، وكانوا يتلقون المساعدات حتى عام 1952، حين أقرت السلطات الإسرائيلية وقف ذلك.
وقد حمل قرار تأسيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين بعض الدلالات المعبرة عن توجهات المجتمع الدولي، للتعاطي مع قضية اللاجئين من فلسطين، وأبرز هذه الدلالات ما جاء في مطلع قرار التأسيس، حيث جرى التذكير بقراري الأمم المتحدة رقم 212، والقاضي بإنشاء هيئة الأمم المتحدة لإغاثة لاجئي فلسطين، والقرار رقم 194 المتضمن حلولا للنزاع حول فلسطين، والتأكيد خصوصا على موجبات الفقرة 11 من القرار. كما أن قرار التأسيس يؤكد، في فقرته الخامسة، على أنه، ومن دون الإجحاف بمضامين الفقرة 11 من قرار الجمعية العمومية رقم 194، فإن تقديم المساعدة للاجئي فلسطين ضرورية لمنع الجوع والمعاناة بينهم، من أجل 
توفير شروط السلام والاستقرار. وفوق ذلك، حدّدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في الفقرة 20 من قرار التأسيس، واجب التعاون بينها وبين هيئة التوفيق الدولية، عبر التشاور معها بما ينسجم إلى أبعد حد مع مهامها المناسبة، بالاستناد إلى الفقرة 11 من قرار الجمعية العمومية 194. وقد باشرت "أونروا" عملها في مطلع مايو/ أيار من عام 1950، ولأن هيئة التوفيق الدولية من أجل فلسطين فشلت في تنفيذ موجبات القرار 194، كان لا بد للأمم المتحدة من تأمين استمرار عمل "أونروا" في تقديم الغوث والمساعدة للاجئين، بانتظار الحل السياسي المؤجل، ولذا عملت الجمعية العامة على تمديد ولاية الوكالة فترات تراوحت بين ثلاث وخمس سنوات. أما تمويل "أونروا" فلم يكن جزءاً من الموازنة العامة للأمم المتحدة، كما هو الحال مع باقي منظمات الأمم المتحدة، كمنظمتي الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) وللصحة، بل اعتمدت على الدول المانحة، وفي مقدمها الدول الغربية، وفي الصدارة الولايات المتحدة.
على أية حال، ارتبط دور "أونروا" المميز بتجاوز دورها بتقديم الإغاثة المباشرة، إلى تقديم الخدمات في ميادين الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية. وقد اعتبرت طوال حوالي سبعين عاما حكومة غير معلنة للاجئين الفلسطينيين على الصعيد الخدماتي، كما أن هذه المنظمة أنشئت لأهداف سياسية، وهي المساهمة في صون السلام وعدم حصول اضطراباتٍ، يمكن أن تنتج عن عدم حل قضية اللاجئين، عبر تقديمها المساعدة للاجئي فلسطين. وخلال العام 2017 كان هنالك 5,266,603 لاجئين مسجلين في قيود "أونروا"، وفي برنامج التعليم يوجد 692 مدرسة فيها 500,698 طالبا وطالبة، كما يوجد 143 ألف مركز صحي، حيث جرى تسجيل تسعة ملايين زيارة من المرضى. كما وهنالك 102مركز نسوي ومجتمعي، إضافة إلى 294,152 مستفيداً من برنامج شبكة الأمان الاجتماعي.
وبمواجهة ما تمثله للاجئين الفلسطينين، فإن واحدة من أغراض إسرائيل المركزية إنهاء "أونروا" لأنها المنظمة الدولية الوحيدة التي تم تخصيصها لغوث لاجئي فلسطين وتشغيلهم إلى حين عودتهم إلى ديارهم. وبالتالي، هي الشاهد القانوني والسياسي الحي والفاعل على حقوق الفلسطينيين بالعودة، ويتم تأكيد ذلك من خلال قرارات التمديد لها من الأمم المتحدة، وهي تضم السجل الرسمي المقبول دولياً لأعداد اللاجئين. وقد جرت محاولات من إسرائيل والقوى المؤيدة لها للتخلص من "أونروا" بطرق مختلفة، منها تخفيض التمويل المقدم لها من الدول المانحة، ما أدى إلى تقليص الخدمات التي تقدمها للاجئين في التعليم والصحة والإغاثة، وتشجيع الدول المانحة على التخلص من التزاماتها تجاه "أونروا" بشتى الوسائل. ومن الملفت إأن هناك إجماعا من الأحزاب الصهيونية على عدم السماح لعودة اللاجئين الفلسطينيين، وأنه طالما أن "أونروا" موجودة، فإن الخلاف سيظل قائما بشأن أعداد اللاجئين الذين ستعوّضهم إسرائيل ولهم حق العودة. وبالتالي فإن مطالبة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، عند زيارتها في 11 يونيو/ حزيران 2017، الكيان الصهيوني بتفكيك "أونروا"، ليس خطوةً جديدةً في سياسة حكومات إسرائيل.
أما في الولايات المتحدة الأميركية، فإن لجنة تخصيص الميزانيات صادقت، في مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع، على تعديل قانون ميزانية المساعدات الخارجية للعام 2013، والذي يلزم الخارجية الأميركية بتقديم تقرير عن عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين هجّروا من ديارهم فقط في عام 1948، وفي أعقاب حرب 1967، بشكل منفصل عن أعداد نسلهم. وقد ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت حينها أن العرض المباشر لهذا الفحص خفض حجم المساعدات الأميركية للوكالة الأممية في المرحلة القريبة، على أن تتبعه خطوة للمدى البعيد، هي شطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذي يوصف بأنه حجر عقبة جديد أمام اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. والحقيقة أن تنفيذ السياسة الهادفة إلى إنهاء "أونروا" بدأت في عهد الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، ففي فبراير/ شباط 2018 قالت نيكي هیلي إن واشنطن ستوقف الدعم المالي المقدم لوكالة غوث وتشغیل اللاجئین الفلسطینیین إلى أن یعود الفلسطینیون إلى طاولة المفاوضات مع إسرائیل.
ولفت المفوض العام ل "أونروا" بيير كرينبول، في 17 يناير/ كانون الثاني 2018، إلى أن الولايات المتحدة لطالما كانت من أهم المانحين الذين يعتمد عليهم، كما أنها منذ أكثر من ستة عقود، وبوصفها عضوا في اللجنة الاستشارية منذ 1949، دأبت على أن تكون شريكا قويا ل "أونروا"، وبعد وقف تمويلها السخي برزت أزمة "أونروا" أخيرا. وأفاد بأن جميع
الإدارات الأميركية ساندت، منذ عهد الرئيس ترومان وصاعدا، الوكالة الأممية، وقدمت لها دعما قوياً وسخياً ومتواصلاً. وقد كانت الولايات المتحدة على الدوام أكبر الجهات المانحة الفردية للوكالة. ولهذا، فإن المساهمة المقلصة تهدد أحد أكثر المساعي نجاعة وإبداعاً في مجال التنمية البشرية في منطقة الشرق الأوسط. وإن حصول 525،000 طالب وطالبة في 700 مدرسة ل "أونروا" على التعليم ومستقبلهم يواجه خطرا، ويدخل في دائرة الخطر أيضاً كرامة الملايين من لاجئي فلسطين وأمانهم، والذين هم بحاجةٍ للمساعدات الغذائية الطارئة، وأشكال الدعم الأخرى، ناهيكم عن المخاطر المتعلقة بحصول اللاجئين على الرعاية الصحية الأولية، والخدمات الأخرى المنقذة للحياة. كما وأن حقوق وكرامة مجتمع بأكمله في خطر، وستؤثر هذه المساهمة المقلصة أيضا على الأمن الإقليمي، في وقت يشهد مخاطر وتهديدات عديدة في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا ذلك الخطر المتمثل في ازدياد التطرف. ولفت كرينبول إلى أن الحكومة الأميركية لطالما أشادت بعمل "أونروا" الذي يتسم بالشفافية والمساءلة والفعالية في إحداث الأثر المرغوب. وهذا ما تم التأكيد عليه مراراً وتكراراً في زيارته أخيرا واشنطن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، عندما عبر كبار المسؤولين الأميركيين عن احترامهم دور "أونروا" ولإدارتها القوية عملياتها.
وفي إطار توضيح مطالب واشنطن لاستمرار دعمها الوكالة الأممية، والذي سيتم حصره في إقليمي الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة، بدون سورية ولبنان، قال الناطق الإعلامي في "أونروا"، سامي مشعشع، إن الإدارة الأميركية اشترطت على الوكالة، إحداث تغيير في المناهج الدراسية، والتزام الحيادية عبر شطب كل ما له علاقة بحق العودة وقضية اللاجئين الفلسطينيين، وإسقاط هوية القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة، وإلغاء ما يخص النضال أو المقاومة ضد الاحتلال، أو تعبير الانتفاضة الفلسطينية. كما ونوّه إلى شرط الحيادية عبر إلغاء الأنشطة والفعاليات المتعلقة بمناسبات خاصة بالقضية الفلسطينية، مثل وعد بلفور والنكبة والعدوان الإسرائيلي العام 1967 وغيرها، وعدم التعاطي مع أي نشاط سياسي. وأضاف أن "أونروا" تواجه تحديات هائلة في الأسابيع والأشهر المقبلة، مفيداً بأن الولايات المتحدة قدمت للوكالة تبرعاتٍ بمبلغ إجمالي مقداره 350 مليون دولار في العام 2017، وفي العام 2018 تسلمت الوكالة منها نحو 60 مليون دولار فقط. وأفاد مشعشع بأن الجمعية العامة مدّدت مهام ولاية الوكالة، وبأغلبية كبيرة، حتى يونيو/ حزيران عام 2020.
وفي النهاية، مؤكّد أن أوضاع "أونروا" في الوقت الراهن، وتخفيض مستوى خدماتها، يسببان قلقا بالغا لدى مجتمع اللاجئين؛ هذه المؤسسة التي ما انفكّ المجتمع الدولي يراعي، في ديباجة التجديد السنوي لها، تأكيد ما ورد في بيان تأسيسها، ومنها حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، حسب القرار 194، كما والقرار 3236 عام 1974 القاضي بربط العودة وتقرير المصير باقامة دولة فلسطينية، وذكر فيه أن حق العودة غير قابل للتصرف... وبالتالي، فإن استمرار أعمال "أونروا" حيوي للاجئي فلسطيني، إلى حين التوصل إلى حل عادل لقضيتهم، ما يتوجب على الجانب الفلسطيني والعربي، بكل أطيافه الرسمية والشعبية ومنظمات حقوق الإنسان، العمل وفق خطة متماسكة، تتمثل في رفض أي تغيير في الوضع القانوني أو المؤسسي أو الوظيفي ل "أونروا"، واعتبار أن مهمتها لا تنتهي إلا بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، أو تعويض من لا يرغب بذلك حسب قرارات الشرعية الدولية، وتنبيه دول العالم والمنظمات الدولية إلى الأخطار الإنسانية والسياسية المترتبة على تخفيض خدمات "أونروا"، باعتبار أن ذلك سيكون مدعاة إلى مزيد من عدم الاستقرار والتطرّف في المنطقة.

E64A09A2-8DB9-4CBB-887F-F1218463AA87
E64A09A2-8DB9-4CBB-887F-F1218463AA87
محمود العلي

باحث فلسطيني، دكتوراه في علم الاجتماع. عمل استاذاً مساعداً في معهد العلوم الاجتماعية - الجامعة اللبنانية، وفي عدّة وظائف في "الأونروا"، باحث ومنسق مركز حقوق اللاجئين – عائدون.

محمود العلي