رصدت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية المخاطر المحيطة بأسواق الشرق الأوسط لعام 2019، وفي صدارتها السياسات التي تنتهجها السعودية وتقلبات أسعار النفط والحروب المُخاضة بالوكالة، وخلصت في جانب من تقرير لها اليوم الخميس، إلى أن بورصة قطر كانت الأفضل أداء عام 2018 فيما كانت دبي الأسوأ على الإطلاق.
في التفاصيل، أنه مع بقاء أسعار النفط في دائرة هابطة، يتزايد الضغط على مصدّري موارد الطاقة، حيث أن وضع السعودية العالمي موضع تساؤل حالياً، فيما أدارت واشنطن ظهرها لإيران، فاتحةً الطريق أمام زيادة منسوب النفوذ الروسي.
والتجار الذين اقتحموا الأصول السعودية في النصف الأول من العام الجاري، يشاهدون السوق وهي تتحول ضدّ مصلحتهم بعد جريمة قتل الكاتب والصحافي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وهم عاكفون الآن على تمويل خسائر حادة.
كما لم يعمد أصدقاء البحرين إلى إنقاذها إلا بعدما تعرّضت سنداتها لخسائر كبيرة، وشكل تعليق "أرامكو" السعودية طرح أسهمها للاكتتاب ضربة قوية لثقة المستثمرين.
أما تركيا، التي كانت عملتها الأسوأ أداءً في العالم هذا العام، فما زالت تعتمد كثيراً على التدفقات الأجنبية.
لكن وسط هذا الاضطراب، يخطط مدير أموال في بوسطن لدى شركة "إيتون فانس كورب"، مارشال ستوكر، لقضاء الكثير من الوقت على أرض الواقع من أجل "اختبار وجهات النظر وتحديد الفرص".
وفي ما يلي قائمة ببعض المخاطر الكبرى التي من شأنها أن تجعل المستثمرين يتموضعون في حال من الحذر والترقّب الشديدين خلال العام المقبل:
اتجاه أسعار النفط
تحتاج السعودية، وهي أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، إلى ارتفاع سعر البرميل عالمياً إلى أكثر من 80 دولاراً كي توازن بين النفقات والإيرادات في موازنتها العامة، وفقاً لوكالة التصنيف الائتماني "فيتش".
المدير في وكالة "فيتش ريتينغز" في هونغ كونغ، كريسانس كروستينز، قال إن أسعاراً أضعف سنة 2019 قد تفاقم مستوى الضغوط على الموازنات العامة للدول الأخرى المصدّرة للنفط، بعد التراجع المالي الذي شهدته عام 2018، في حين يتم تداول النفط بحدود 60 دولاراً على الرغم من إعلان "أوبك" ومنتجين آخرين، على نحو مفاجئ، خفض الإنتاج أوائل الشهر الجاري.
السياسات السعودية الإقليمية
وفي الوقت ذاته، فإن النشوة التي أحاطت بوعود ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بإصلاح الاقتصاد، بدأت تفسح المجال أمام الشك والقلق بشأن السياسة الخارجية السعودية التي لم يعُد بالإمكان التنبؤ بها.
وفي صدارة القضايا الداعية للقلق تداعيات جريمة قتل الصحافي والكاتب خاشقجي.
مارك موبيوس، وهو مستثمر مخضرم في الدول النامية، يقول إن قرار شركة "مورغان ستانلي" (MSCI) إدراج الأسهم السعودية في مؤشرها الخاص بالأسواق الناشئة العام المقبل لن يكون كافياً لاستعادة جاذبية استقطاب رؤوس الأموال.
السياسة التركية
في تركيا، يبدو أن الرئيس رجب طيب أردوغان قد أخذ استراحة من معركته ضد ارتفاع أسعار الفائدة، لكن المستثمرين لا يزالون غير مرتاحين، وقلقهم نابع من أنه مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية في مارس/آذار، فإن الضغط سيتزايد على البنك المركزي لإزالة بعض التشديد المحقق في النصف الثاني من العام.
كما أن نمو الاقتصاد التركي يتباطأ بوتيرة سريعة، لكن التضخم لا يزال أعلى بكثير من النطاق المستهدف، وأي تهديد قد يقوّض تحسّن سعر الليرة، وهي الركيزة الأساسية لاقتصاد يعاني من ديون بالعملة الأجنبية ويظل رهينة لتدفقات رؤوس الأموال الخارجية.
يقول ستوكر إن بعض دول المنطقة، بما فيها السعودية والكويت وعُمان، إما تعاني أو ستواجه قريباً انتقالاً للقيادة على مستوى الأجيال. وبرأيه، فهذا يجعل "القيادة المؤكدة والقابلة للتنبؤ" استثناءً، ولا قاعدةً، في الشرق الأوسط.
في لبنان، مثلاً، حيث تلتهم كلفة خدمة الدين الحكومي نصف الإيرادات الحكومية تقريباً، يواصل السياسيون خلافاتهم بشأن تشكيل حكومة جديدة منذ الانتخابات النيابية التي تمت في مايو/أيار الماضي، وهذا ما يُحبط خطط الدولة لتعزيز أوضاعها المالية.
يتوقع كروستينز تزايد المخاطر الائتمانية (المرتبطة بالديون) على مستوى المنطقة، في حال تصاعد حدّة المنافسة بين السعودية وإيران اللتين تخوضان حروباً بالوكالة، أو احتمال إعادة اشتعال الصراع بين إسرائيل و"حزب الله" المدعوم من إيران.
يُشار إلى أن التوتر يتصاعد حاياً بين إسرائيل وإيران حول ترسيخ الجمهورية الإسلامية وجودها في سورية، حيث كانت تقاتل إلى حد كبير من خلال "حزب الله"، لدعم رئيس النظام بشار الأسد.
ثم هناك روسيا التي سيؤدي انخراطها المتزايد في الشرق الأوسط إلى الحد من نفوذ واشنطن، بما يضيف مستوى آخر من التعقيد إلى السياسة الإقليمية، وفقاً لمدير للأموال لدى شركة "أميريكان سينشري إنفستمنتس" في لندن "Abdelak Adjriou".
في السياق، يقول: "إن ترامب يركز أكثر على التجارة والقضايا التي تهم الولايات المتحدة أكثر من تركيزه على السياسة العالمية، بما يترك مجالاً أكبر للنشاط الروسي".
محاولات عزل قطر
بشأن الحصار الجائر المفروض بقيادة السعودية على دولة قطر، يرجّح ستوكر ألا ينتهي الحصار العام المقبل.
وفي الوقت الذي احتوت قطر، الغنية بالغاز، الضغوط التي تُمارس على اقتصادها من خلال إيجاد البدائل، أنتج الحصار أيضاً تقارباً قطرياً مع تركيا وإيران، وفقاً لستوكر.
بورصة قطر الأفضل وأسهم دبي الأسوأ
لا يرجّح ستوكر أن تكرر سوق الأسهم القطرية عام 2019 المكاسب الكبرى التي حصدتها عام 2018، وجعلتها واحدة من أفضل البورصات أداء في العالم خلال العام الجاري، مضيفاً أنه يفكّر جاهداً في "تحديد طبيعة الصناعة التي يمكن أن تجعل قطر اقتصاداً متنوعاً".
في هذا المجال، تظهر بيانات "بلومبيرغ" أن مؤشر البورصة القطرية كان أفضل بورصات المنطقة أداء على الإطلاق سنة 2018، إذ ارتفع 22.4% منذ بداية السنة وحتى أمس الأربعاء، تبعتها بورصة الكويت التي كسبت 12.4%، ثم أبوظبي 10% والسعودية 9.2%.
في المقابل، كان سوق دبي المالي الأسوأ أداء على الإطلاق، إذ خسر 23.6%، تلته البورصة التركية بخسارة بلغت 21.9%، ثم مصر 14.4%، وسلطنة عُمان 12.1%، والبحرين 0.9%، علماً أن معدل أداء الأسواق الناشئة كان سلبياً، إذ انخفض مؤشرها العام 15.5%.