تبحث دائرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حالياً مع أطراف حكومية مختلفة الشكل الأمثل لاستغلال أملاك وأموال جماعة الإخوان المسلمين، والجمعيات التي تم التحفّظ عليها، ثم مصادرتها، بعد صدور أحكام متتالية من محكمة الأمور المستعجلة منذ ديسمبر/ كانون الأول وحتى يوليو/ تموز الماضيين، برفض التظلّمات المرفوعة من المتهمين بتمويل "الإخوان" والإرهاب ضد قرار لجنة التحفظ على أموال الجماعات الإرهابية، بمصادرة جميع الأموال والأملاك التابعة لهؤلاء المتهمين، وبالتالي ضم تلك الأملاك إلى الخزانة العامة للدولة.
وكشفت مصادر حكومية مطلعة، تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن دائرة السيسي غير راضية عن الطريقة التي أدارت بها الشركات القابضة والمؤسسات الحكومية عدداً من أكبر المؤسسات الاقتصادية، التي تم التحفظ عليها منذ مطلع العام 2014، إذ تعرضت معظم هذه المؤسسات إلى خسائر فادحة، ما اضطر الإدارات الحكومية الجديدة لها إلى إغلاق بعضها وتخفيض العمالة، وتقليص حجم العمل للبعض الآخر منها، بما في ذلك المؤسسات الاستهلاكية الناشطة في مجال تجارة التجزئة والأجهزة الكهربائية والإلكترونيات والسلع والأثاث.
وأشارت المصادر إلى أن جهاز المخابرات، وهو العنصر الأبرز في دائرة السيسي، لا يرحب بالمقترح الحكومي الذي تم تداوله العام الماضي، قبيل بدء صدور أحكام المصادرة لتصفية بعض المصالح الاقتصادية المتحفظ عليها، والتصرف في أصولها بعد تنفيذ قرار المصادرة، وذلك لعدم استطاعة الدولة إدارتها، أو لحاجتها إلى خبرات نادرة تتطلب بقاء أصحابها فيها. وأوضحت المصادر أن وزارة قطاع الأعمال طلبت إعادة النظر في الشركات والأملاك التي تسلمتها لإدارتها، لعدم ملاءمة بعضها للإدارة الحكومية من الأساس، وافتقار الشركات القابضة للخصائص الإدارية المناسبة لتشغيلها، بينما طلبت وزارة الصحة السماح لها بدمج بعض المستشفيات والمستوصفات والعيادات الخاصة، التي تديرها حالياً بعد التحفظ عليها، بواسطة الإدارات الإقليمية بكل محافظة، وذلك بسبب صعوبة التعامل مع الأطباء والممرضين والصيدليات والمرضى بشكل منفصل في هذا العدد الضخم من المنشآت المتحفظ عليها، مقابل انخفاض عدد الأطباء الإداريين المكلفين بتشغيلها، فضلاً عن افتقاد بعض المنشآت مزايا تنافسية تمتلكها منشآت أخرى.
ويعتبر حال المدارس المتحفظ عليها الأكثر استقراراً تحت إدارة وزارة التربية والتعليم، ممثلة في إدارة مدارس 30 يونيو. وبحسب المصادر، تُدر كل المدارس ربحاً للدولة، خصوصاً بعد تخفيض العمالة بها، واستغناء معظمها عن المناهج الأجنبية. لكن المدارس لم تتم مصادرتها حتى الآن، وستبقى تحت التحفظ إلى حين البت مركزياً في مصير كل الأملاك التي ستتم مصادرتها. وكشفت المصادر أن هناك مقترحاً جديداً تُروج له دائرة السيسي، يتمثّل في إنشاء شركة جديدة، تحت إدارة المخابرات العامة والرقابة الإدارية، وتمثل في مجلس إدارتها بعض الشركات القابضة، يكون من مهامها التصرف في الأملاك المصادرة التي ترغب الحكومة في التخلص منها، ليتاح لهذه الشركة الجديدة أن تبيع وتؤجر وتستثمر في هذه الأملاك، ويكون لها حق مشاركة الغير من داخل مصر وخارجها في هذه التصرفات، بما في ذلك الصناديق المالية المختلفة.
وأوضحت المصادر أن بعض المسؤولين القانونيين في مجلس الوزراء أثاروا ضرورة إصدار تشريع يقنن تصرفات هذه الشركة، أو أي تصرفات أخرى ستطاول الأملاك المصادرة، خوفاً من صدور أي حكم بعد سنوات طويلة ببطلان المصادرة، كما حدث سابقاً مع أراضي ومشاريع وممتلكات بعض كبار الأعيان التي صادرتها الدولة في ستينيات القرن الماضي، خصوصاً إذا تغير النظام الحاكم أو تم تغيير توجهاته في أي لحظة.
وتولّدت هذه الأفكار الجديدة لاستغلال أموال "الإخوان" بعد صدور القانون 22 لسنة 2018، والذي يتيح مصادرة الأملاك، ويبعد مجلس الدولة ومحكمة النقض عن النظر بقضايا التحفظ نهائياً، وهو ما يتناقض صراحة مع المادة 40 من الدستور، التي تنص على أن "المصادرة العامة للأموال محظورة. ولا تجوز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي". فالمقصود بالمصادرة الخاصة هنا أن تحدد المحكمة الجنائية حصرياً الأدوات أو الأموال التي استخدمها الجاني في عمله الإجرامي، ومن ثم تحكم بمصادرتها بعد ثبوت استخدامها في مخالفة القانون، كمصادرة السيارات والأسلحة والمخدرات في قضايا التهريب والقتل والإرهاب، الأمر الذي يختلف تماماً عن حالة الأموال المتحفظ عليها جميعاً من أشخاص يشتبه في تمويلهم لجماعة "الإخوان". وكان الشهر العقاري في مختلف المحافظات قد أنهى، في الخريف الماضي، حصر كل الأملاك والعقارات المتعامل عليها، والتي كانت مملوكة للمتهمين، وتم إرساله إلى مكتب وزير العدل حسام عبد الرحيم، استعداداً لنقلها إلى ملكية الخزانة العامة للدولة رسمياً، بعد صدور حكم مستأنف الأمور المستعجلة بتأييد المصادرة. وقد تم ذلك بالفعل خلال الأشهر الماضية بالنسبة إلى مئات الحالات، من بين أكثر من 1500 شخص مدرجين على القائمة الرئيسية لمتهمي تمويل "الإخوان"، ومن بينهم نجم الكرة السابق المقيم في قطر حالياً محمد أبو تريكة.