في فيلمه "الساحر" عام 2001 جسّد محمود عبد العزيز شخصية "منصور بهجت"، التي قال سابقاً إنها أقرب الشخصيات التي مثّلها إلى قلبه، ومع الوقت صار أكثر أدواره اقتراناً به، فهو ــ كما يصف نفسه في الفيلم ــ "يحبّ البهجة ويعدّي على الحزن بسرعة".
منذ بداية مسيرته يبحث محمود عبد العزيز عن البهجة، سواء في حياته الشخصية أو في الأفلام التي يمثلها، ومن أجل ذلك تمرد بشكل تام على الصورة التي حاولت السينما حصره فيها في بداية مسيرته خلال السبعينيات، حيث الشاب الوسيم والممشوق والبطل المثالي للأفلام الرومانسية والميلودرامية. تماماً كالصورة التي كان عليها حسين فهمي على سبيل المثال. لكن عبد العزيز لم يهتم بتلك الصورة، لأنه "لا يحب التقيد"، لذلك ومع منتصف الثمانينيات أحدث انقلاباً وتمرداً كبيراً في نوعية الأفلام والأدوار التي يقوم ببطولتها. حصل ذلك تحديداً عندما قام ببطولة فيلم "الكيف" عام 1985 بشخصية "مزاجنجي". الفيلم الذي أخرجه علي عبد الخالق يؤدي فيه عبد العزيز شخصية محب المخدرات الذي يريد أن يصبح مطرباً؛ يتحدث طوال الوقت بألفاظ غريبة درجت في العامية المصرية وقتها، ويسخر دائماً من كل شيء. هنا وجد عبدالعزيز نفسه تماماً وأحدث انقلاباً في مسيرته، ويستقر على أن هذا الشكل الكوميدي، الذي يعتمد فيه على "كاريزما" و"حضور" قويين أقرب له من دور الفتى الوسيم الذي يعتمد أكثر على شكله.
رحلة التمرد تلك انطلقت تماماً منذ تلك اللحظة، خصوصاً مع النجاح الكبير لفيلم "الكيف"، فرأيناه بعدها في فيلم "الشقة من حق الزوجة" (1985 كتابة فرح إسماعيل وإخراج عمر عبد العزيز) و"جري الوحوش" (1987 كتابة محمود أبو زيد وإخراج محمود عبد الشافي) و"الدنيا على جناح يمامة" (1989 كتابة وحيد حامد وإخراج عاطف الطيب) بشخصيات هزلية مقاربة. وفي أثناء ذلك وصلت المغامرة لذروتها مع المخرج رأفت الميهي الذي كون معه عبد العزيز شراكة امتدت لثلاثة أفلام ذهبا فيها إلى قمة التجريب والهزل والخفة والتمرد على التقاليد السائدة في السينما المصرية، سواء لمخرج لا يريد أن يصنع أفلاماً تشبه الموجود أو ممثل لم يعد يريد أن يكون نجماً وسيماً. فصنعا معاً "السادة الرجال" (1987 تأليف وإخراج رأفت الميهي) عن زوج يفاجأ بتحول زوجته إلى رجل بعد إجراء عملية، و"سمك لبن تمر هندي" (1989 كتابة وإخراج رأفت الميهي أيضاً) عن مستشفى سوريالي لعلاج مشاغبي العالم الثالث، وأخيراً "سيداتي آنساتي" (1989 كذلك تأليف وإخراج الميهي) عن رجل يتزوج أربع سيدات ويعيش معهن في بيت واحد، وحققت تلك الأفلام كلها نجاحاً كبيراً جعل عبد العزيز هو النجم الأنجح تجارياً وفي شباك التذاكر خلال ثمانينيات القرن الماضي بعد عادل إمام مباشرة.
في نفس الفترة كان محمود عبد العزيز قد بدأ مجداً مماثلاً في التلفزيون، حين قام عام 1987 ببطولة مسلسل "رأفت الهجان" مع المخرج يحيى العلمي، والذي وصل بأعمال الجاسوسية إلى قمة مجدهما التلفزيوني، وتجاوز نجاحه أي مسلسل آخر في الثمانينيات ــ باستثناء مسلسل "ليالي الحلمية"، وخلق عبد العزيز في شخصية الجاسوس المصري داخل إسرائيل رأفت الهجان خليطاً مدهشاً من الخفة والذكاء والحضور، ليستمر المسلسل لجزأين لاحقين لا يقلان نجاحاً.
مع بداية التسعينيات، استمر عبدالعزيز على القمة، بل إنه وصل لأعظم نجاحاته التجارية والفنية على الإطلاق، حين قام بدور "الشيخ حسني" في رائعة المخرج داوود عبد السيد "الكيت كات" عام 1991 (مقتبسة عن رواية إبراهيم أصلان "مالك الحزين")، وأدى شخصية الضرير الذي يرفض الاعتراف بأنه فاقد للبصر، ويتصرف كشخص يرى، يقود الآخرين في الطرق ويركب دراجة نارية ويغني على العود ويحاول العيش ببهجة من دون أي تنازل بسبب عجزه. حقق "الكيت كات" الكثير من الجوائز، سواء أفضل فيلم أو ممثل، بالإضافة إلى نجاحه الاستثنائي في شباك التذاكر. وبعدها مباشرة بدأت مسيرة عبد العزيز في الانخفاض، ربما لأنه استمر على نفس المنوال التجريبي ووضع بهجته الشخصية طوال الوقت أمام حسابات السوق، فقدم أفلاماً لم تحقق نجاجاً يذكر مثل "خلطبيطة"، "الجنتل"، "البحر بيضحك ليه"، "القبطان" و"النمس"، وأفلاما أخرى منذ بداية التسعيينيات حتى نهايتها لم يبق منها شيء مهم لمسيرته الكبيرة.
الفيلم الوحيد الذي عاد به إلى الصورة، كقيمة فنية وتجارية كبرى، كان "الساحر" أو "نظرية البهجة" كما كان اسمه الأول، عام 2001، حين لعب دور الشخص الذي يحاول أن يجعل كل من حوله سعداء ويضحكون، كما كان عبد العزيز نفسه في الحياة الحقيقية.
ومنذ تلك النقطة اتجه للتلفزيون، وقدم أربعة مسلسلات متفاوتة النجاح في 12 عاماً، من "محمود المصري" عام 2004 وحتى "راس الغول" في 2016. وفي المقابل حقق خلال تلك الفترة بصمة تاريخية وحضوراً طاغياً في السينما حين مثل شخصية "عبد الملك زرزور" في فيلم "إبراهيم الأبيض" عام 2009، التي تعتبر من أهم شخصيات الأفلام المصرية في السنوات الأخيرة، حيث زعيم المنطقة العجوز الذي يجلس في نقطة جبلية مرتفعة ويتحكم بكل شيء، ولكنه في المقابل مغرم بـ"حورية" (هندي صبري) فتاة الحي الجميلة، ومنح عبد العزيز" الشخصية جملاً ولكنة وملامح أيقونية فعلاً، وبشكل غير معتاد، ليؤكد لمرة أخيرة أنه من رموز السينما المصرية الكبرى، وأن أكثر كلمتين تعبران عن مسيرته هما التمرد... والبهجة.