محمد ولي... فتى يعيل أسرته ويحلم باللعب

30 مارس 2019
لا يجد فرصة للعب (العربي الجديد)
+ الخط -

الفتى الذي لا يتجاوز ثلاثة عشر عاماً، لم يعد يجد الفرصة للعب، فالمطلوب منه أن يؤمّن قوت عائلته من بيع الخضار. هذه حال الأفغاني محمد ولي

يخرج في الصباح الباكر، تحديداً عند أذان الفجر، إلى سوق الخضار برفقة عمه، قلم شاه، ليبتاع بعض أنواع الخضار، فيحاول أن يجلب الأرخص ثمناً، كي يبيعها لاحقاً طوال ساعات النهار، على عربة خشبية. هكذا يكسب لقمة العيش لأفراد أسرته الفقيرة. لا يتناول الفطور عادة، بالرغم من إصرار الوالدة، إذ يستيقظ بشق النفس، بعد مناداة الوالدة له مراراً. وبينما يتمتع الأطفال والشباب في شوارع العاصمة الأفغانية كابول بألعاب عديدة، من بينها لعبتهم في موسم الثلوج الذي انقضى للتوّ، إذ كانوا يرمونها على بعضهم البعض، في ما يشتهر لدى الأفغان باسم "برف جنكي" أو "برف بازي" (اللعب بالثلج)، تختلف الأمور تماماً لدى الفتى محمد ولي بن قديم شاه، فهو يقف وراء العربة الخشبية ويزداد قلقاً بمرور كلّ ساعة، فكان كلما اشتدت الثلوج وهطلت الأمطار تضاءلت فرص الدخل لديه. هو يكسب كلّ يوم 300 أفغانية (أربعة دولارات أميركية) من البيع، لكن، في أيام المطر والثلوج لا يمكنه أن يكسب أكثر من 150 أفغانية (دولارين).

يقول محمد ولي: "أحب كثيراً اللعب مثل غيري من الأطفال والشباب، لكن لدي مشكلة كبيرة هي مشكلة الرزق. أخرج كلّ صباح كي أكسب 300 أفغانية أنفق منها على الغداء 50 وتبقى لأسرتي 250. وكان المبلغ يتضاءل مع نزول الثلوج فلا يكفي لطعامي وأسرتي". الآن بعد حلول الربيع في أفغانستان، يأمل الفتى أن يعود إلى تحقيق الربح الاعتيادي الذي كان له قبل ذلك الموسم الذي يكره، وهو الموسم الذي يمعن في تعطيل عمله.



قبل أكثر من عام، كانت أسرة محمد ولي بخير، وتعيش في حالة من الرفاهية والسعادة، فالوالد، قديم شاه، كان يعمل في بقالة صغيرة بجوار منزله في مديرية تالا برفك، في إقليم بغلان، شمالي أفغانستان، وهو مسقط رأس الأسرة. لكنّه فجأة أصيب بمرض في ظهره، وبنتيجته بات لديه شلل نصفي منعه من العمل، وهكذا بات غير قادر على إعالة أسرته، في ظروف لا تسمح للأشخاص ذوي الإعاقة بتدبير شؤونهم الحياتية، ولا تمنحهم التسهيلات اللازمة.

حاولت الأسرة أن تستمر بالعيش في المكان ذاته، إذ كان كثير من أقارب الرجل يعيشون هناك، لكن بسبب المعارك الدامية بين طالبان والحكومة الأفغانية اضطرت الأسرة، كما اضطر جميع أقاربهم، لمغادرة المنطقة، واللجوء إلى كابول. وبعد مجيئها إلى العاصمة، حاولت الوالدة أن تجد عملاً في أحد المكاتب الحكومية، كطباخة أو عاملة نظافة فهي غير متعلمة ولا يمكنها أن تعمل في مجال آخر، لكنّها لم تتمكن من الحصول على عمل. ولم تكن تعرف أنّ الحصول على مثل هذه الفرصة يتطلب دفع رشاوى. وبعدما يئست الوالدة من الحصول على عمل رسمي، حاولت أن تعمل في المنازل، تحديداً في غسل الملابس أو تنظيف المنازل، لكنّ الحصول على ذلك العمل أيضاً صعب، كما لا يمكنها أن تعمل ذلك يومياً لأنّ زوجها يحتاج إليها. كانت الوالدة تعمل في المنازل، وهمها الوحيد أن يدرس أبناؤها، لا سيما محمد ولي، وهو أكبر الأبناء، لكن بعد فشل تلك المحاولات لم يبقَ خيار لها غير إرسال الابن إلى السوق كي يعمل ويكسب للأسرة لقمة العيش، وينسى الكتب والمقعد المدرسي إلى الأبد.

لقمة العيش قاسية (العربي الجديد) 


بدأ العم قلم شاه، في مساعدة الفتى في الحصول على العربة الخشبية وجلب الخضار وبيعها، وهكذا باشر محمد ولي العمل في السوق. والآن، التقط أسرار المهنة إلى حد ما، فلا يحتاج إلى المساعدة في بيع الخضار والتعامل مع الزبائن، لكنّه ما زال يحتاج إلى مساعدة عمه أثناء الذهاب إلى سوق الخضار وإحضارها وترتيبها، وعمه يفعل ذلك. العمّ يبيع الخضار والفواكه أيضاً، لكن ليس على العربة، بل في محل صغير بالقرب من عربة محمد ولي.



يقول قلم شاه، وهو العم الوحيد للفتى: "أحاول أن أساعده بأيّ وجه كان، وبأيّ شكل، لكنّ مشكلتي الأساسية وضعي المعيشي الصعب، إذ لا يمكنني أن أساعد عائلة أخي مالياً. أساعد محمد ولي في ترتيب الأمور وتعليمه كيفية بيع وشراء الخضار".

تدفع أسرة محمد ولي خمسة آلاف أفغانية (66 دولاراً) إيجاراً للمنزل، بينما لا يتجاوز كلّ ما يكسبه الفتى تسعة آلاف أفغانية (120 دولاراً) لكنّ أفرادها يمضون شهرهم بما تبقى لهم من مال، بينما يحضر محمد ولي الخضار وبعض ما يحتاجون إليه من السوق، ويبحث دائماً عن أرخص الأغراض.

إلى جانب الفتى محمد ولي، تعمل الوالدة أيضاً في بعض الأحيان في المنازل عندما تتهيأ لها فرصة. تغسل الملابس غالباً، مقابل 500 أفغانية (6 دولارات) في يوم واحد، لكنّ المشكلة أنّها لا تستطيع أن تعمل أكثر من مرتين أسبوعياً، وما تكسبه تدفعه ثمناً لدواء زوجها.