ضمن الاحتفال بثمانينية رحيل المصلح الاجتماعي التونسي الطاهر الحدّاد (1899 - 1935)، ألقى صباح اليوم المفكّر التونسي محمد محجوب محاضرة حول "الأسس الفلسفية للفكر الاجتماعي للطاهر الحداد"، خلال الندوة الفكرية التي نظّمها اليوم "مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة".
يقول محجوب في كلمته إن "الفكر الاجتماعي اعتُبر ضرباً من نقص الطموح الفلسفي، فلم يصنَّف فلسفةً بين الفلسفات، فكان أقرب إلى فكر أخلاقي أو عملي يصوغ الحلول كرؤى وتصوّرات للمدينة، في حين أن الفكر الفلسفي فكر تأسيسي".
بعد هذه الإشارة، ينطلق محجوب من ملاحظة متعلّقة ببرامج الفلسفة في المدرسة والجامعة التونسيّتين، حيث لا نجد أثراً للحدّاد، رغم أنها تتطرّق إلى إشكاليات لا تبتعد عمّا طرحه، مشيراً إلى أنه يمكن تضمينه في محاور دراسة مثل "الإنّية والغيرية" أو "الخصوصية والكونية"، إضافة إلى أن مقاربة الحدّاد لإشكالية المرأة غير موجودة، في حين أنه من المنتظر أن يدعو هذا البرنامج إلى التفكير في شؤون الحياة التونسية وقضاياها.
من غياب الحدّاد في المقاربة التربوية في تونس، يطرح محجوب المشكل الجوهري لورقته: "ما الذي يفسّر هذا الخجل في استنبات التفكير الفلسفي ضمن التربة الذاتية بإحداثياتها الدينية ومرجعياتها الاجتماعية؟". بعبارة أخرى، يقول: "إلى أي حد يمكن استدراج هذا الخطاب إلى دائرة النظر الفلسفي"، وهو ما يحاول تبيانه في بقيّة محضارته.
يشير محجوب إلى عدد من مستويات الخطاب لدى الحدّاد، ويبدأ بتوضيح المستوى السياقي، باعتبار أن المصلح التونسي جزء من خطابات استئنافية سابقة له، ويضرب مثلاً بمدونة قاسم أمين.
على مستوى آخر، يكشف محجوب أن خطاب الحدّاد يقوم على "مقوّم تأويلي لافت"، مستشهداً بعبارته "إن روح الشريعة أبلغ وأبقى من فصولها ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺒﺩ أﻥ تتأثّر ﻓﻲ ﺒﻌﺽ ﺠﻬﺎﺘﻬﺎ ﺒﺴﺤﺎﺒﺔ ﺍﻟﻌﺼﻭﺭ ﺍﻟﻤﺎﺭﺓ ﻓﻴﻬﺎ". ومن خلال ذلك، يوضّح أن الحدّاد قام بالتفريق بين الفهم والمقصد الأقصى من النص، مضيفاً أن "الإسلام مقصد ونية".
يتابع محجوب قائلاً "هذا المنظور التأويلي يُفقد النص التشريعي صفته المطلقة، باعتبار أنه يعي بأن النصوص هي من صنع القارئ أيضاً". وانطلاقاً من هذا الوعي، كان تعامل الحدّاد مع النصوص من منطلق عدم الخجل.
خلال محاضرته، وضع محجوب مشروع الحدّاد في سياق تاريخي، مبيّناً أن الأخير نشر آراءه في مقالات قبل أن ينشرها في كتابه المثير "امرأتنا في الشريعة والمجتمع"، وفي حين أن عملية النشر الأولى لم تجابَه بعدوانية، كان إصدار الكتاب شرارة أطلقت ضدّه هجوماً قاسياً من المؤسسة الدينية ومن العامة، وصلت إلى حد تكفيره.
يفسّر محجوب هذه المفارقة بأن "الدين الرسمي لا يرى مانعاً من التعبير عن موقف يومي، أي إنه يكاد لا يكترث لذلك. لكنه يتصلّب حين يجري إخراج الآراء اليومية في مرجع مكرّس"، معتبراً أن "الخوف يأتي من الصياغة النسقية للموقف".
اقرأ أيضاً: الطاهر بن عاشور: التحرير وميادينه