محمد لم يستسلم لفقدان قدميه

19 يناير 2016
يقل ابنه إلى المدرسة (العربي الجديد)
+ الخط -

كان محمد داوود يعمل مع أسرته. إلا أن عداء عائلته مع عائلة أخرى (عائلة ابن عمه)، جعله من دون قدمين. وعلى الرغم من إعاقته، جرب أعمالاً مختلفة بهدف تأمين الرزق لأولاده، وقد عانى كثيراً قبل أن يسمح له بالعمل في إحدى المستشفيات في مدينة جلال أباد شرق أفغانستان، وصار يبيع بطاقات شحن الهواتف بهدف تأمين احتياجات أسرته.

ولد عام 1968، وهو ابن المزارع سعد الله خان. يتحدر من منطقة وزير في مديرية خوجياني الواقعة على سفح جبل الأبيض في إقليم ننجرهار (شرق البلاد). تعلّم في إحدى مدارس القرية حتى الصف السادس. لكن بسبب غزو القوات السوفييتية أفغانستان عام 1979، ترك الدراسة، وهرب مع أسرته من القرية نحو الجبال على غرار كثيرين. وعلى عكس ما كان الأفغان يفعلونه آنذاك، أي مغادرة البلد والتوجه إلى باكستان أو إيران، اختارت العائلة البقاء في البلاد. وكانت تتنقل من منزل إلى آخر. حمل داوود السلاح ضد القوات الغازية، وعمل تاجراً لمساعدة والده.

عام 1985، كان عمره (17 عاماً) حين أصيب نتيجة انفجار لغم أرضي زرع في أحد أزقة منطقة وزير في مديرية خوجياني مع عدد من الشباب. لكنه شفي بعدما أخذه والده إلى مدينة بشاور للعلاج. وبعد مرور شهر على شفائه، تعرض لحادثة أخرى، وقعت هذه المرة عند باب منزله، على خلفية خلاف بين والده وأحد أبناء عمه. يقول داوود، إن المشكلة كانت قد حلّت، إلا أن حقد الأبناء دفعهم إلى زرع عبوة ناسفة عند باب منزلهم القريب من الحقول التي يتنازعون عليها، ما أدى إلى بتر قدميه.

بعدما أصيب، نقله أقاربه إلى إحدى مستشفيات مدينة جلال أباد. وبسبب تأخره في الوصول إلى المستشفى، كاد الرجل أن يفقد حياته، إلا أنه نجا من الموت، وكان قد فقد قدميه. كانت أياماً صعبة في المستشفى إذ لم يتوفّر له العلاج المناسب في أفغانستان، بحسب أحد أقاربه معلم ذين الله خان، ما أدى إلى بتر ساقه اليمنى في البداية، قبل أن يطلب الأطباء بتر ساقه اليسرى.
رفض الرجل وأقاربه ما قاله الأطباء، وقرروا التوجه إلى مدينة بشاور. لكنه كان قد تأخر. بالتالي، اتخذ القرار ببتر ساقه الثانية. في ذلك الوقت، كانت له طفلتان وقد تولى والده رعاية أسرته. لكن بعد نحو ثلاثة أعوام من الحادث، توفي والده، ليعاني داوود الأمرين.

اقرأ أيضاً: بوستان خان ينتظر مصيره ومصير أغنامه

انتقل داوود مع أسرته الصغيرة إلى مدينة بشاور ليبحث عن عمل. سكن في مدينة باره، إحدى ضواحي مقاطعة خيبر القبلية المحاذية لأفغانستان. وبمساعدة أحد أقاربه، اشترى عربة كان ينقل فيها القماش من سوق كارخانة الواقعة في ضواحي مدينة بشاور إلى أسواق أخرى صغيرة في المدينة نفسها.

لسنوات عدة وهو يتحمل برد الشتاء وحر الصيف وينقل القماش من السوق الرئيسية إلى الأسواق الصغيرة. كان يتحمل، أيضاً، ضغوط الشرطة الباكستانية. لكن بعدما تزوجت ابنتاه، عاد إلى أفغانستان مجدداً.

عام 2005، انتقل إلى قريته في منطقة وزير، وقد ساعده أحد أبناء شقيقته على فتح دكان. كان هذا العمل جيداً بالنسبة له، حتى أن العائد المادي كان مقبولاً بعدما صار معظم أقاربه وأبناء قريته يشترون حاجياتهم من دكانه. لكن الوضع الأمني المتدهور في مديرية خوجياني أجبر داوود وأسرته على الخروج من القرية والذهاب إلى مدينة جلال أباد.

هكذا، عانى داوود مجدداً بعدما فقد عمله، من دون أن يجد أحداً يساعده. لكن في وقت لاحق، أمن له أحد أقارب زوجته بيتاً، وبدأ الرجل يبيع بطاقات الهواتف النقالة في إحدى أسواق مدينة جلال أباد، من دون أن يكون قادراً على تأمين جميع احتياجات أسرته. مع ذلك رفض الاستسلام. وظل يبحث عن عمل آخر إلى أن ساعده أحد الأطباء من خلال السماح له بيع بطاقات شحن الهواتف في إحدى المستشفيات. وبعد عام، صار موظفاً في المستشفى وإن كان يبيع هذه البطاقات. وبفضل هذا العمل يتمكن الرجل من إرسال ابنه الوحيد سديس إلى المدرسة، بعدما تزوجت أربع من بناته.

اقرأ أيضاً: بلال كياني.. طفل يقضي يومه بين السيارات لكسب الرزق
المساهمون