محمد علي آذرشب: نهج المترجم

18 فبراير 2017
(محمد علي آذرشب/ العربي الجديد)
+ الخط -

يعدّ الأكاديمي والباحث ومترجم الأعمال العربية محمد علي آذرشب، من أبرز المتخصصين الإيرانيين في الأدب العربي، ممن قدموا أعمالاً بالفارسية والعربية، لتعريف الإيرانيين بالدرجة الأولى بالأدب العربي، ولا سيما القديم منه، كما ساهم في تعريف القارئ العربي بالأدب الفارسي من خلال كتب ومقالات مكتوبة بالعربية. يعمل آذرشب أستاذاً للأدب العربي في جامعة طهران، وساهم في إغناء المكتبة الإيرانية بالأعمال العربية، ليقدّم صورة مفصّلة عن القديم منه بشكل خاص، في مراحله المتعدّدة للقارئ الإيراني.

■ ما سبب اهتمامك بالأدب العربي، وهل اهتممت بتقديم جانب بعينه منه للمهتمين من الإيرانيين؟

- الأدب العربي امتزج في السابق بالأدب الفارسي امتزاجاً تاماً، حتى أن الأدباء الإيرانيين، القُدامى منهم والمعاصرون، لا يمكن أن يبدعوا في أدبهم من دون أن يكونوا مطّلعين على الأدب العربي. على سبيل المثال، فإن الشاعر سعدي الشيرازي، وهو أكبر شعراء عصره، تأثّر تأثراً كبيراً بالمتنبي، شاعر العصر العباسي الكبير، وهذا نموذج واحد وحسب، لكن في رأيي لا يمكن أن نرى أديباً إيرانياً حقيقياً من دون أن يكون متأثراً في أعماله بالأدب العربي بقديمه أو حديثه. توجد مفردات عربية كثيرة مستعملة لدى الشاعر الإيراني الذي يكتب بالفارسية، ولا يمكن له أن يكون متميزاً من دون اطّلاعه على الأدب العربي القديم بالذات، وعلى العباسي بشكل خاص. في الجامعات الإيرانية التي تدرّس الأدب الفارسي، يبدو واضحاً ارتباط معظم الدروس بالأدب العربي، بالتالي، من هو مهتم بالأدب الفارسي كذلك معنيّ أيضاً بالتعرّف على الأدب العربي، وهذا لم يعد منحصراً بطلاب العربية في الجامعات.

■ ما الذي جعلك تركّز على الأدب القديم أكثر من الحديث؟

- لاحظت أن الكتب الحديثة التي تقدّم الأدب العربي القديم مكتوبة بلغة غير مناسبة، وما أقصده أنها تستخدم لغة متعصبة في بعض الأحيان، وهناك شيء فيها يسيئ لغير العرب، فوجدت أنه من الضروري أن أقدم الأدب العربي لمحبّيه بطريقة تجمع الأمة الإسلامية بكل مذاهبها وأديانها، فلا يخفى على أحد أن هناك عرباً وعجماً وغير مسلمين أبدعوا في الأدب العربي، وأنا أرى في الأدب العربي خطاباً عالمياً، يستحق أن يقدّم لمحبيه بطريقة مناسبة، فعمدت إلى تقديم صورة مفصّلة عن الأدب العربي من العصر الجاهلي حتى نهاية الأموي، ومن ثم ألّفت كتاب الأدب العربي في العصر العباسي، ومن بعده في العصر الأندلسي، ولدي رغبة بأن أكمل السلسلة لتتناول الأدب العربي في عصوره الحديثة أيضاً، هذه المؤلفات كُتبت بالعربية ومقدّمة للقارئ الإيراني وطبعتها دار "سمت".

■ هل هذا يعني أن الاهتمام محصور بالقرّاء من النخبة، الأدباء، طلاب العربية أو مترجمي كتبها؟

- الأمر بات أوسع من ذلك، فهذه الكتب مقدّمة للإيراني سواء ممن يدرس العربية أو الفارسية، وحتى للمهتمين بالتاريخ والفلسفة، فابن سينا، وهو الفيلسوف الأول في إيران والعالم الإسلامي، شرح فلسفته بالشعر مستخدماً اللغة العربية، فأجمل كلّ ما لديه من فكر فلسفي بقصيدة جميلة استخدم فيها التصوّر والخيال، فضلاً عن هذا، فإن عدداً كبيراً من النصوص التاريخية المرتبطة بإيران وعصورها، مكتوبة بالعربية، ومنها ما نُظم على لسان شعراء عرب، فأبو تمام، الشاعر العربي العباسي الكبير، قدِم إلى إيران وأقام فيها لسنوات، وسجل كل ما صادفه فيها في قصائده، فمن يدرس التاريخ عن قرب عليه أن يمر على هذه القصائد. المتنبي أيضاً زار إيران وشرح ما شاهده في شيراز وفي مناطق ثانية تقع جنوبي البلاد. الجواهري أيضاً جاء إلى إيران ثلاث مرات، وسجّل ما رآه فيها في مذكرته الشعرية، وباتت مصدراً للمهتمين بالدراسات الإيرانية في العصر الراهن. بالتالي فكل مهتم بالأدب الإيراني سواء كان متخصّصاً أم غير متخصّص، عليه أن يطلع على الشعر العربي القديم وحتى الحديث، فامتزاج الأدبين العربي بالفارسي لا يمكن أن ينفكّ على الإطلاق.

■ الشعر العربي يشرح تاريخ العرب كذلك، فما مدى اهتمام القارئ الإيراني بهذا الجانب؟

- الإيراني مهتم بمعرفة هويته، ومن هذا الباب، ركزت على هذه الأعمال، ويستطيع إيجاد هذه الهوية أحياناً في الأدب العربي. الإيرانيون امتزجوا بالعرب كثيراً، وخاصة بعد العصر الأموي، وهناك شعراء إيرانيون كتبوا بالعربية، ومنهم من مزجوا أعمالهم بالفارسية. سعدي الشيرازي مثلاً، استخدم العربية ولغة القرآن، فبات رائد النثر الفارسي، والامتزاج واضح بين الأدبين.

■ هل نستطيع القول إن العصر العباسي شكّل نقطة تحوّل هامة؟

- هذا العصر هو مرحلة ذروة الامتزاج بين الأدبين، والاختلاط بين العرب والإيرانيين، والأدب العربي ليس أدب العرب فقط، بل إنه أدب عريق في دائرة حضارية واسعة تهمّ الإيرانيين بكل تفاصيلها، كونهم كانوا جزءاً منها أيضاً. الجامعات في العالم العربي أيضاً تدرّس اللغة الفارسية، والتي لا تعدّ لغة الإيرانيين وحدهم، بل استخدمت في الهند وتركيا وكانت لغة آسيا الوسطى.

■ وما مدى الإقبال الحقيقي على التعرف على الأدب العربي؟

- لا يمكن الفرار من واقع أن اللغة العربية والأدب العربي امتزجا بالدين بالنسبة للإيرانيين، وحين تقوى الروح الدينية يزيد الإقبال على العربية، وحين تضعف ينعكس الأمر على شكل عزوف ورغبة بتعلم اللغات الأجنبية والتعرف على أدبها أكثر وخاصة الانجليزية، الأمر ذاته يتأثر بمنعطفات السياسة، فحين يتقارب الإيرانيون والعرب سياسيا، تنتعش اللغة العربية في إيران، وكلما ساءت العلاقات كلما تأثرت العربية والإقبال على أدبها سلبا فيها، وأعتقد أن العرب والإيرانيين على حد سواء يتحملون مسؤولية الأمر، فاللغة العربية لغة حضارية بدائرة واسعة، وكاد الإيرانيون ييئسون من الجانب السياسي في العلاقات الإيرانية العربية، وهو ما شجع النخبة الإيرانية على التوجه أكثر نحو المثقفين العرب، وقد استقبلت إيران مؤخرا مؤتمرا للحوار الثقافي الإيراني العربي، بحضور نخبة من الإعلاميين والأكاديميين والمثقفين العرب، في خطوة ترمي لإزاحة أعباء السياسة عن طريق التقارب الثقافي.

■ ماذا عن حركة الترجمة الأدبية من العربية للفارسية؟

- أعتقد أنها ما زالت بمستوى جيد، فهناك اهتمام بترجمة النصوص العربية القديمة أو المعاصرة، هذه القضية غير مرتبطة بملفات السياسة غالباً، فحركة الترجمة مستمرة بقوة في الجامعات بشكل خاص، حيث تمّ تأسيس قسم الترجمة في كليات اللغة العربية، وهو ما زاد من عدد الأطروحات التي أنتجت كتباً أدبية عربية مترجمة، وبالأصل فإن الدواوين الشعرية العربية مترجمة ومتوفّرة بشكل كبير في السوق، مثل دواوين المتنبي، البحتري، أبو نواس، وغيرهم من الشعراء.

■ هل توجد هذه الأعمال في مكتبات القراء العاديين في إيران؟

- بنسبة قليلة، لكنها تكثر لدى المتخصّصين وطلاب اللغة العربية والفارسية.

■ من يتحمل مسؤولية التقصير؟

- هناك عوامل كثيرة لا تشجع على الإقبال أو الاهتمام المستمر، وفي الوقت نفسه هناك أعمال تقدّم إلى العرب عن الأدب الفارسي، وقد قمت بتأليف كتاب "نهج العاشقين"، يقدّم صورة عن أدب حافظ والشيرازي، وهو موجّه إلى القراء العرب، كما كتبت مقالات عديدة عن مولانا، جلال الدين الرومي، بالتالي يجب على المهتمين أن يساهموا في التعريف بالأدبين بمنأى عن الأطر الضيقة.

■ هل تعتقد أن الجيل الحالي من الطلاب قادر على القيام بهذه المهمة والحفاظ على هذه الرسالة؟

- نأمل أن يتحقّق ذلك، وعلى الطرفين الإيراني والعربي التنبّه إلى ضرورة حفظ الهوية، في وقت حاول فيه الغرب التقدّم، وهو ما تسبّب بنوعٍ من الهزيمة النفسية لكلا الطرفين، ولكن في الوقت ذاته أشعر في الوقت الحالي أن هناك توجّهاً نحو العودة إلى الهوية الأصلية، وهذا سيفيد الأدب العربي والفارسي على حد سواء.

المساهمون