محمد شيخو: غنّى حين كان العيش همساً

24 أكتوبر 2016
(شيخو في كليب حديث لإحدى أغنياته بتقنية الرسوم المصوّرة)
+ الخط -

حين كان الناس يسمعون أغاني المطرب السوري الكردي محمد شيخو (1948-1989)، كانوا يُحكمون إغلاق النوافذ والأبواب ذعراً من أن يسمع غناءه في بيوتهم آذان نظام الأسد.

"آنذاك، كان التنفّس بالكردي أمراً يحاكَم عليه من قبل السلطات"، هكذا تقول إحدى النساء المسنّات عقب مشاهدتها لفيلم وثائقي أُنجِز عن حياته وفنّه وعُرض مؤخّراً، بعنوان "من ذا الذي يعرف مَن أنا؟" والذي أعدّ مادّته التوثيقية وأخرجه المخرج الكردي الشاب شيرو هندى، ليكشف عن تفاصيل مجهولة في حياة شيخو التي كانت تبدو معروفة في ما مضى.

ولد شيخو في قرية خجوكى، إحدى قرى القامشلي في الشمال السوري، لكنه عاش مترحلاً بين لبنان والعراق وإيران، حاملاً حنينه للمكان الأول، كما يقول الكثير من مجايليه، باحثاً عن شعراء يتحصَّل منهم على قصيدة يغنّيها في زمن كانت اللغة الكردية فيه مقتصرة على الهمس.

التحق المطرب الشاب في بداياته بفرقة "سركوتن" serkewtin التي كانت تقدّم الفلكلور الكردي رفقة الفنانين سعيد يوسف ومحمود عزيز شاكر ورمضان نجم أومري والمغنية بروين، لكنه وبعد أن قصد بيروت التي مكث فيها مدة لدراسة الموسيقى تعلّم العزف على مجموعة كبيرة من الآلات الموسيقية الشرقية والغربية، قبل أن ينتقل إلى بغداد، عام 1973، حيث سيلتقي نخبة من المطربين أمثال محمد عارف الجزراوي وشمال صائب وتحسين طه وكلبهار وبشار زاخولي، ويسجّل عدة أغان كردية لتلفزيون كركوك.

إلى اليوم، يحتفل الأكراد بشيخو في ذكرى رحيله فيزورونه في مقبرة "الهلالية" في القامشلي القديمة، حيث دُفِن وفق وصيته التي غنّاها، وقال فيها "إذا متّ أيها القرويون فلا تدفنوني كبقية الناس"، لا يزال الأستديو الصغير الذي أسّسه موجوداً، وقد نجا بأعجوبة من التفجير العنيف الذي لحق بالمدينة مؤخَّراً، مثلما نجت أغانيه من النسيان.

بمسحةٍ حزينة، كما هو الحال في معظم الموسيقى الكردية لحناً وغناءً، تصدح أغاني شيخو القديمة والتي ألّف موسيقاها في أكواخَ طينية صغيرة بعيدة عن أسماع المخابرات السوريَّة وبآلةٍ وحيدة هي البزق مستخدماً صوته الرخيم. بتلك البساطة شرح محمد شيخو الألم وغنّاه وشخّصه، وباتت الأغاني تتنقّل بسهولةٍ رغم المنع القديم ليكون تنقّلها هذا نوعاً من الانتقام لفنه الذي هُمّش لعقودٍ طويلة.

ما زالت بعض أغانيه شائعة ومحبوبة إلى اليوم، ومن أشهرها "الربيع" و"الحريَّة الجميلة" و"نسرين" و"أنيني"، ربما لأنها حملت تزاوجاً خفيَّاً بين الغناء الوطني والوجداني بصبغة خاصَّة ابتكرها لنفسه، ورغم أن كثيرين قلدوا غناءه، لكنه وكما يُقال عنه "لم يتكرّر".


المساهمون