محمد داود عرف الثراء والفقر

15 مارس 2016
(العربي الجديد)
+ الخط -

لم يخطر ببال اللاجئ الأفغاني في باكستان، محمد داود (45 عاماً)، أن يجر حماراً وعربة لكسب الرزق وإطعام أولاده الصغار. كانت عائلة داود ثرية، وتملك مزارع كبيرة في أفغانستان. لكن تغيّر حالها إبان الغزو السوفييتي، وبات أبناؤها يعملون في مهن مختلفة لتأمين لقمة العيش.

قبل خمسة وثلاثين عاماً، خرج مع والده عبد البصير من قريته في منطقة قرباغ، إحدى مديريات العاصمة الأفغانية كابول، بعدما اشتدت المعارك بين الأفغان والقوات السوفييتية. اختارا العيش في أحد مخيمات اللاجئين في مدينة بيشاور شمال غرب باكستان. لم يكن داود يعرف شيئاً عن معاناة اللجوء، هو الذي كان ينتمي إلى أسرة ثرية. كان والده عبد البصير تاجراً، وكان يملك سيارة ومحال تجارية عدة. يقول داود: "تركنا كل شيء وراءنا، وكنّا نأمل أن نعود قريباً ونبدأ حياة جديدة. حملنا معنا فقط بعض المال، إلا أننا صرفناه في أول أيام الهجرة، وبدأنا العمل، وقد لحق بنا الجميع".

في البداية، كان يساعد والده. وبعدما كبر، بدأ العمل في مهن مختلفة، كتعبيد الطرقات وصناعة الطوب وغيرها. تزوج من إحدى قريباته في أحد مخيمات اللاجئين، وأنجبا سبعة أولاد. يضايقه عجزه عن تعليمهم، ما يعني أنهم سيسلكون طريقه نفسها. يقول لـ"العربي الجديد": "استطعتُ تأمين المأوى والطعام لأسرتي. سعيت جاهداً لإرسالهم إلى المدرسة. إلا أن ذلك كان صعباً".

طوال النهار، يجرّ عربته ليجني ما بين أربعة وستة دولارات يومياً، وهذا الرقم بالكاد يكفي لتوفير الطعام وبدل إيجار المنزل واحتياجات أخرى. أما تعليم الأطفال، فبات مجرد حلم. صباح كلّ يوم، يخرج من بيته بعدما يتناول الخبز مع الشاي الأخضر، ويتوجه إلى سوق الخضار لنقل البضائع من مكان إلى آخر.

عند الظهيرة، يجلس على قارعة الطريق في السوق، ويأكل وجبة رخيصة من أحد المطاعم. وعادة ما يأكل الأرز. بعدها، يتنقل بين الأسواق القريبة. وقبل أن يعود إلى البيت، يذهب إلى سوق الخضار مرة أخرى ليشتري ما قد تحتاجه أسرته. يقول إنه كثيراً ما يرغب في أداء صلاة العشاء في المسجد، إلا أنه يكون مرهقاً إلى درجة كبيرة، حتى إنه لا يستطيع الوقوف على رجليه. يصلي في البيت وينام. ليس لديه أي يوم إجازة، إلا إذا مرض أو حدث طارئ في العائلة، بالإضافة إلى أيام العيد. عدا هذه الأيام، لا يتوقف عن العمل لكسب الرزق.
يقول داود إن الغربة صعبة، وها هو يعيش في منزل من دون كهرباء أو مياه. ينقل أولاده المياه من بئر قريبة من الحي، أو من المسجد في حال سمح لهم بذلك. وعلى الرغم من معاناته، يفضل البقاء في باكستان بسبب تدهور الوضع الأمني في بلاده.

اقرأ أيضاً: صغيران في السوق
المساهمون