يسرد المخرج المصري محمد خان في مشواره الطويل، وعبر شريطه السينمائي، تصوّره للواقع "من دون تفاصيله المملة"، كما يقول هيتشكوك. استطاع عبر ثلاثين فيلماً أن يحتل موقعاً مميزاً في المشهد السينمائي العربي، فاعتُبر في الثمانينيات، مع عاطف الطيّب وخيري بشارة، مطلِقاً لصحوة سينمائية ولتيار "واقعية جديدة" أنقذ السينما العربية، المصرية خصوصاً، من وحل أفلام المقاولات.
مات الطيّب وتوقف بشارة عن الإخراج، واستمر خان يواجه السوق بتجاربه الفريدة، مستعيناً بشغفه في التصوير الذي كرّس له حياته، فاختبر كثيراً وشرّع كاميرا الديجيتال لكونه من أوائل من استخدموها.
وبالتالي، يبدو خان مثل بطله شمس في فيلم "ضربة شمس"، صاحب طموح لا يصيبه الوهن ولا الشيخوخة، حتى وإن حاصرته الصناعة بتروسها الإنتاجية التجارية. غير أن الفترة الأخيرة طرحت تساؤلات حول صاحب "أحلام هند وكاميليا"، وجعلت كثيرين في الوسط السينمائي وخارجه ينتقدونه ويتعجّبون من رعونة لم يعهدوها في سلوكه.
ففي نهاية الشهر الماضي، شكّلت نقابة السينمائيين لجنة لتقييم عدد من الأفلام التي أُنتِجت هذا العام من أجل ترشيح أحدها لجائزة الـ"أوسكار" عن فئة الفيلم الأجنبي. وبعد اختيار هذه اللجنة فيلم خان الأخير "فتاة المصنع" بالإجماع، تراجعت عن اختيارها حين اكتشفت أنه تم استبعاد فيلمين عن طريق الخطأ من الأفلام المطروحة، هما "فيلا 69" للمخرجة آيتن أمين و"فرش وغطا" للمخرج والمونتير أحمد عبد الله.
وهو ما فجّر غضب خان، فهاجم النقابة واللجنة ومخرجَي الفيلمين ومنتجهما، وتحدّث عن "مؤامرة" تحاك ضده من كل الاتجاهات، وتصرّف كما لو أن جائزة الـ"أوسكار" قد سُحِبت منه جُوراً بعد فوزه بها!
ومع أن اللجنة التي تشكّلت مرة أخرى، بعد ضم الفيلمَين المستبعدَين، اختارت من جديد فيلم "فتاة المصنع"، لم يهدأ خان، بل كتب على صفحته الخاصة في فيسبوك: "كانت هناك محاولة بائسة لإيقاف اشتراك فيلم "فتاة المصنع" في مسابقة الأوسكار، حيث اشتكى مخرج من أن لجنة اختيار الأفلام لم تشاهد فيلمه الذي تقدّم به، والواقع أن هذا حدث بالفعل عن طريق خطأ غير مقصود".
وأضاف: "موظف تلقى من منتج ملفاً واحداً يشمل ثلاثة أفلام من إنتاجه للعرض على لجنة الاختيار، ولم يراع المخرج المغمور ضغط ضيق الوقت قبل أن يُغلق باب الاشتراك، وبالفعل تم اجتماع طارئ لمراجعة الأفلام المتقدمة، ومن ضمنهم فيلم المخرج، وتم مرة ثانية بالأغلبية ترشيح "فتاة المصنع" للاشتراك في الأوسكار. ما نفتقده اليوم هو الروح الرياضية واحترام الزمالة، وأرجع وأقول فرق أجيال".
ما دفع الممثل خالد أبو النجا، بطل فيلم "فيلا 69"، إلى التعقيب، فقال: "أستاذ خان، أنا سعيد لك، ومبروك ترشيح فيلمك، ولكني للأسف حزين من موقفك هذا، وأنه لا يوجد مخرجون مغمورون يحصدون جوائز حول العالم، ووجب الاعتذار، ولو عايز رأي بلا نفاق فها هو: كان أدعى من مخرج كبير مثل الأستاذ محمد خان أن يكون أول من يطالب بعرض الأفلام التي لم تعرض على اللجنة، مهما كانت ظروف ضيق الوقت، وهذا هو رد فعل أي فنان صادق. وبالمناسبة، حتى لو أن أحمد عبد الله، مخرج "فرش وغطا"، مخرج مغمور، فهذا لا يقلل ذرة من شأن حقه في عرض فيلمه. ليس من الضروري أن يكون المخرج نجماً أو نصف إله لكي يُحترم حقه في عرض أفلامه...".
ورد خان على أبو النجا قائلاً: "الأستاذ الفنان خالد أبو النجا، المنظّر الكبير يعطيني درساً في الأخلاق والأصول. أولاً يا خالد ابقى اقرأ بدايات المناقشات جيداً، ثانياً كلمة مغمور ليست مسيئة بالمرة. إذا بحثت عن المعنى في القاموس هي تلمح إلى "الجديد" ووصفي دقيق، ثالثاً وأخيراً إذا كان هناك اعتذار فهو اعتذارك لي المطلوب".
أما أحمد عبد الله فرفض التوقف عند ما قاله خان وعلّق بشكل عام على اللجنة واختيارها قائلاً: "إن ترشيح مصر الرسمي للأوسكار تقليد سنوي ليس له قيمة، لكن يتم بشكل رسمي عن طريق لجنة حكومية تختار ترشيحها التي تخاطب به الأكاديمية، وفي كل الأحوال لجنة التحكيم ميالة لإرسال أفلام مخرجين كبار وذوي تاريخ مرموق، وهو ما حدث بالفعل". وأضاف: "المشكلة ليست في الفيلم المرشح للأوسكار، [بل] في تجاهل جيل من الشباب".
على ضوء ما سبق، تطرح ثلاث أسئلة نفسها على محمد خان: ألم يكن حرياً بمخرج مثله، عانى في بداياته من التهميش الرسمي وعدم الاعتراف، أن يكون أكثر حكمة؟ فالـ"أوسكار" في النهاية جائزة ابتُكرت أساساً للترويج للفيلم الأميركي في بداياته المتعثرة أمام الماكينة الأوروبية العاتية، وصارت اليوم أكثر الجوائز السينمائية شهرة، علماً أنها لا تقارع، فنّياً، الجوائز التي تمنحها مهرجانات مثل "كان" أو "فينيسيا" أو "برلين".
لماذا يجرح صاحب "فارس المدينة" مشروعه السينمائي بكلامٍ كالذي تفوّه به؟ وهل يقبل الانتقادات الموجهة إلى فيلمه "فتاة المصنع" الذي يعتبر نقّاد كثر أنه أحد أقل أفلامه قيمةً؟