محمد جندية لا يقع

27 فبراير 2015
"بدأت أقود الدراجة الهوائية قبل عامين" (محمد الحجار)
+ الخط -

منذ ولادته، لم ير محمد سمير جندية (19 عاماً) النور، أو يحظى بطفولة عادية. لكنه منذ صغره، وعلى الرغم من أنه ينتمي إلى أسرة متواضعة تعيش في حي الشجاعية في غزة، رفض الاستسلام. وكان حبه للحياة دافعه للسير قدماً. اليوم، يرى نفسه إنساناً ناجحاً وقد حقق إنجازات كثيرة، في ظل عدم توفر الإمكانيات غالباً.

جندية شاب طموح، أحب العلم منذ صغره. في البداية، درس في مركز النور لتأهيل الأشخاص المعوقين بصرياً. تعلم طريقة "برايل" لمدة عامين ونصف العام. وبعدما أنهى المرحلة الابتدائية، أكمل دراسته الإعدادية والثانوية في معهد النور والأمل، والتوجيهية في مدرسة جمال عبدالناصر الحكومية. وقدم الامتحان النهائي بمساعدة كاتب أُرسل لتدوين أجوبته على ورقة الاختبار. يقول لـ"العربي الجديد": "خلال الامتحانات، كنت أجد صعوبة كبيرة في مراجعة دروسي. المنهاج الفلسطيني صعب ويحتاج إلى مراجعة شديدة، لكنني نجحت وحصلت على معدل 73.2 في المائة في فرع علوم الإنسان".

في البداية، لم يكن جندية قادراً على التأقلم مع زملائه في المدرسة لأنه كفيف. يقول: "كنت التلميذ الكفيف الوحيد في التوجيهي. لذلك، عانيت من صعوبة في التعامل مع المعلمين وزملائي. تحملت ذلك لأن هدفي كان الجامعة". أراد دراسة الشريعة والقانون، ووقع اختياره على الجامعة الإسلامية.
بدأ جندية حفظ القرآن حين كان ما زال في المرحلة الإعدادية، لكن بُعد المسجد عن منزله وصعوبة تنقله حالا دون متابعته الحفظ. بعد عامين، بُني مسجد قريب من منزله، فشارك في دورة مكثفة لحفظ القرآن، وحفظ القرآن بالكامل خلال شهرين فقط عن طريق اللمس. خلال هذه الفترة، صار يحفظ 15 صفحة يومياً بين صلاتي الفجر والظهر، قبل أن يتلوها أمام الشيخ المسؤول عنه بعد صلاة العصر.

اختار جندية الدراسة في الجامعة الإسلامية، وخصوصاً أنه حصل على منحة. فالجامعة عادة ما تساعد الأشخاص المعوقين، وخصوصاً المكفوفين، وتغطي 70 في المائة من قيمة القسط. يقول: "الجامعة الإسلامية تمنح من هم مثلي كتبا تعتمد نظام برايل، وتكاد تكون الوحيدة في فلسطين التي تساعد المكفوفين".
يتابع جندية دروسه الجامعية مع زملائه، حيث يتبادلون المعلومات والأفكار، وفي أحيان كثيرة، يرافقهم إلى أماكن عامة، ما جعله متعلقاً بالحياة الجامعية بشكل كبير. خلال مشاويره هذه، عادة ما يكون في حاجة إلى مساعدة. لكنه في الوقت نفسه، يبدو قادراً على الذهاب بمفرده إلى أماكن عدة من دون مساعدة أحد. كما أنه لا يجد أية صعوبة في التنقل حتى عندما يتوجه لركوب السيارة التي تقلّه إلى جامعة. في حيه، يقود الدراجة الهوائية من دون أن يسقط أو يصاب بأذى. يقول: "أعتمد على حاسة السمع، وأعتمد على إحساسي. عادة ما أكون قادراً على تفادي أي شيء قد يظهر أمامي. بدأت أقودها قبل عامين بعدما تحديت نفسي، ونجحت في النهاية".

يحب أسرته، وعادة ما يجالس أقاربه ويتناقشون في أمور الحياة. يصفهم "بالداعم الوحيد لي"، هم الذين وثقوا فيه ودعموه في جميع قراراته، وتركوا له حرية الاختيار. في السياق، تقول والدته جميلة جندية لـ"العربي الجديد": "قطعنا أنا ووالده وعداً منذ ولادته بأن نرعاه ونجعله يعيش حياة عادية حاله حال أي إنسان. ما زلنا نفعل ذلك حتى اليوم، الأمر الذي انعكس بصورة إيجابية على شخصيته. هو شخص مثابر وجريء وطموح". تضيف أن ابنتها هنا (15 عاماً) ولدت كفيفة مثله أيضاً، لكنها تعاني من صعوبة أكبر في التأقلم كونها فتاة. فالمجتمع لا يقدم لها ما كان يقدمه لشقيقها". تتابع: "لا توجد جهات راعية بشكل كبير للمكفوفين، الأمر الذي دفع محمد إلى تعلم اللغة الإنجليزية بهدف مخاطبة العالم الخارجي". يطمح جندية أن يصبح محامياً ثم قاضياً، متمنياً ألا يخذله الواقع.
المساهمون