محمد بويصير لـ"العربي الجديد": أتوقع مغادرة حفتر المشهد قبل الانتخابات

16 يناير 2018
بويصير: سيكون مصير حفتر كمصير الصربي ملاديتش (العربي الجديد)
+ الخط -
يكشف محمد بويصير، المستشار السياسي السابق للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، عن كواليس إدارة الأخير لقواته التي أطلق عليها تسمية "القوات الليبية العربية المسلحة"، موضحاً أن "السلطة هي الهدف الأساسي لحفتر، والقوة هي الوسيلة المضمونة للوصول إليها"، وإن كان يرجح خروجه من المشهد قبل الانتخابات.
 كما يشير في مقابلة خاصة مع "العربي الجديد"، إلى أن "نفوذ أبناء حفتر يأتي أولاً، وأحياناً يتخطى حفتر بنفسه، كما يتخطى صهره ومدير مكتبه". واعتبر أن الأمر "يعود إلى غياب منظومة السيطرة المؤسسية بالتأكيد، لتحل محلها منظومة السيطرة العائلية، ولكنها خلقت له كثيراً من ردود الفعل السلبية حتى لدى الضباط".
كذلك يؤكد المستشار السابق لحفتر، المقيم حالياً في ولاية تكساس الأميركية، أن "قضية تعاون حفتر مع ضابط سابق في الاستخبارات الإسرائيلية ليست اتهامات، بل حقائق وبالمستندات، وكذلك تعاقده مع مدير شركة (غراس روتس) دانيال فاراتشي، لغرض الترويج لعائلة حفتر في الكونغرس الأميركي". وجدّد بويصير اتهامه لقوات تابعة لحفتر بـ"قيامها بسرقة أموال طائلة من مصرف بنغازي، وأن محافظ المصرف الليبي المركزي، علي الحبري يعلم ذلك لكنه لا يستطيع إعلان ذلك".

* ما هي أسباب تركك لمنصب المستشار السياسي للواء خليفة حفتر؟
حفتر اتصل بي عند انطلاق عملية الكرامة في 2013، وأبلغته أنني أساند الحرب ضد "الإسلام العنيف"، فطلب منّي أن أساعده مع واشنطن. وفعلاً بدأت بالاتصالات بالخارجية الأميركية، وبعدها كتبت له بعض الخطابات ورتبت له لقاءات صحافية، وكنت أحاول أن أضع العمليات العسكرية في سياق سياسي، باعتبار أن العمل العسكري خارج السياق السياسي مثل الملاكمة في غرفة مظلمة، ولكن كل ذلك كان تطوعاً، وليس بنظام وظيفة، فأنا مهندس نفط استشاري لي أعمالي والتزاماتي.

* وهل فعلاً أنت من تركت العمل معه أم تمّت إقالتك كما ردّد بعض الموالين له؟
عندما سمّاه البرلمان قائداً عاماً للجيش الليبي في فبراير/شباط 2015، أبلغته أنه لا بد لي أن آخذ خطوة للخلف، فأنا مواطن أميركي والقانون يحظر عليّ الخدمة تحت أي منظومة عسكرية لا تخضع للدستور الأميركي. وبالتالي فالأفضل أن أقدّم المشورة كصديق حين يحتاجونها، خصوصاً في الشأن الأميركي ومن دون أن أحمّل نفسي أعباء قانونية غير ضرورية.

* متى بدأت تشعر أن حفتر يسعى لأهداف شخصية لا أكثر؟
كان شعوري يتزايد بأنه لا يرى أي مساحات تتخطى الأهداف المباشرة له كلما تحدثنا في القضايا المستقبلية، فالسلطة كانت هدفه الأساسي، والقوة هي الوسيلة المضمونة للوصول إليها. ودائماً يتحدث عن كونه المؤهل الوحيد لحكم ليبيا، كما أن فقره المعرفي وعدم امتلاكه ثقافة أو تعليما يرفد تناوله للقضايا المهمة التي تشملها إشكاليات الحكم والسلطة، يجعل الأمور تغرق في "الشخصنة". وقد فوجئت مرات عديدة أن تفسيره لكلامي يخضع لثنائية "أنت معي أو لست معي"، بمعنى أن الحديث عن أن الأدوار السياسية لها محدوديتها التي ترسمها الحقائق الموضوعية، يفسره هو ودائرته المحيطة به على أنه "موقف معادٍ له ولحساب أطراف أخرى"، أضف إلى ذلك ميوله إلى العنف المفرط وعدم اعترافه بالفرق بين مفهومي القوة والقسوة.



* بقربك من حفتر والصف الأول من قيادته، كيف كان يدير القوات التابعة له؟
ما رصدته، هو أن هناك طبقتين، الأولى هي أن الضباط كثر، ومنهم جيدون يريدون تقديم شيء، ومعظمهم من جيش العقيد معمّر القذافي السابق. والطبقة الثانية هي مقاتلون شباب متحمسون ولكن غير منضبطين يسمون بالقوات المساندة، كان يجمعهم هدف محاربة "الإسلام المسلح". ومع انتفاء هذا الهدف بدأت الخلافات تدبّ لعدم وجود منظومة سيطرة بالطريقة المتعارف عليها في الجيوش النظامية، ومعظم من قدموا أرواحهم وأطرافهم في السنوات السابقة هم من المدنيين المقاتلين المتحمسين ولم يكونوا جنوداً نظاميين.

* ما دور وقوة أبناء حفتر في هذه القوات؟
أبناؤه هم صمّام الأمان كما يعتقد، لكن نفوذهم يأتي أولاً، وأحياناً نفوذهم يتخطى صهره ومدير مكتبه. وهذا بسبب غياب منظومة السيطرة المؤسسية بالتأكيد، التي حلّت محلها منظومة السيطرة العائلية، ولكنها خلقت له كثيراً من رد الفعل السلبي حتى لدى الضباط. والمشكلة أن المؤهل من الأبناء بقي بعيداً عن هذه الدائرة، والمنغمس فيها متناغم مع طريقة حفتر في فهم الأمور عن طريق: "العنف والحدية والغيرة والسطحية والقسوة".

* وجّهت هذه الاتهامات للمشير حفتر، ومنها وجود عقد شراكة بين خالد نجل حفتر، وشركة أميركية بغرض الترويج لعائلة حفتر في الكونغرس الأميركي. ما دليلك؟
هذه ليست اتهامات بالتأكيد، لكنها حقائق، وقد قام نجل حفتر بتوقيع عقد شراكة مع مدير شركة "غراس روتس" دانيال فاراتشي، بهدف الترويج لعائلة حفتر في الكونغرس الأميركي. كما نشر الشخص المتعاقد معه حفتر تغريدة عبر حسابه الرسمي على موقع "تويتر"، يعلن فيها فخره بالتعاقد مع آل حفتر للترويج للعائلة. وهي منشورة على موقعه عبر "تويتر" بتاريخ 6 ديسمبر/كانون الأول الماضي. والعقد تابع لوزارة العدل الأميركية بشكل علني، وخاص بشركات الترويج التي تتقاضى أموالاً من جهات غير أميركية وفاراتشي ملزم بنشر العقد.

* قلت إن حفتر يتعاون مع ضابط سابق في الاستخبارات الإسرائيلية، يدعى آري بين مناشي. ما دليلك؟
هو أمر مؤكد، وكما قلت لك ليست اتهامات بل حقائق، بل ودفع بالفعل 6 ملايين دولار لضابط الاستخبارات الإسرائيلي. وأعتقد أن للموضوع هنا خلفيات أخرى تتخطى الحرب على الإرهاب، فمشكلة بعض العرب، وحفتر منهم بالتأكيد، أنهم يؤمنون أن الإسرائيليين هم الطريق إلى قلب واشنطن. ويؤكد ذلك أنه لم تصدر كلمة واحدة من حفتر عن معاناة الشعب الفلسطيني في أكثر من مائة تصريح له. وبخصوص العقد بينه وبين الضابط الإسرائيلي فمنشور على موقع وزارة العدل الأميركية.



* اتُهمت قوات تابعة لحفتر بسرقة أموال من خزائن المصرف المركزي في بنغازي، ونقلها إلى مقر قيادته في منطقة الرجمة؟
نعم، الموضوع مؤكد، بل ومنقول عن محافظ المصرف المركزي التابع للحكومة المؤقتة، علي الحبري شخصياً، والذي يخاف من الحديث عنه علناً.



* في المقابل، اتهمك بعض الموالين لحفتر بأنك طلبت نصف مليون دولار سنوياً، لدعم حفتر عسكرياً وسياسياً في أميركا، وأن حفتر رفض ذلك. ما ردك؟
هذا كذب، أنا لم أطلب لا نصف مليون ولا عشرة دولارات، بل هو طلب مني دراسة لإنشاء مؤسسة غير ربحية تقوم بتوطين الحرب ضد الإرهاب في ليبيا لدى الرأي العام الأميركي. وقد أعددت له الدراسة كما أراد وبمساعدة مختصين تبرعوا بوقتهم، وهي منشورة على موقعي وأفردت فيها عناصر التكلفة، وكتبت في نفس الدراسة أنني سأشرف على المشروع مجاناً، ولن أتقاضى إلا مصاريف انتقالي وإقامتي، وهي ليست أموالاً أتقاضاها شخصياً، بل أراد استعمالها لتشويهي بـ"طفولية"، فزوّر التاريخ ليصبح إبريل/نيسان 2017 لتبدو حديثة وتتناسب مع زيارتي للعاصمة طرابلس، بينما في صلب الدراسة وبالتحديد في مقدمتها أقول "لنستعد لفترة الانتخابات الأميركية". أي أن الدراسة أُعدت قبل 2016.

* هناك اتهامات لك أنك عندما لم تجنِ أي ثمار من قربك من حفتر، تركته وبدأت حملة ضده. ما ردك؟
 أنا وأسرتي، الحمد لله، لسنا بحاجة لا لمال حفتر ولا غيره، والحقيقة أنه مدينٌ لنا بثمن معدات أصبحنا نعتبرها هدية للجيش، منها الواقي الخاص الذي يرتديه وهو مصنوع في الولايات المتحدة وضد عيارات كبيرة من المقذوفات، وكذلك عشرات الهواتف الخلوية، وغيرها من الأجهزة المتقدمة منها أجهزة تعمل على الأشعة تحت الحمراء. كما ننفق على عدد من الجرحى بمن فيهم مَن فقد أطرافه، وننفق كذلك على أبناء مقاتلين سقطوا خلال القتال وكان من المفروض أن يتولى هو أمرهم. فموضوع الفائدة المالية غير مطروح، فنحن نحقق دخلاً خاضعاً للضرائب في الولايات المتحدة ينتمي لشريحة الـ3 في المائة العليا من المجتمع الأميركي، فلن ننظر لفتات حفتر أو غيره من أمراء الحروب في ليبيا.

* لماذا توقفت الحملة من قبلك ضد حفتر فجأة؟
لأن هذا الأمر ليس من طبيعتي، أنا سياسي موضوعي، كما أن هذه السجالات قد تضر بموقعي هنا في أميركا، وأنا أفكر في خطوة مهمة إلى الأمام في السلم السياسي الأميركي دعماً لحملة الرئيس دونالد ترامب عام 2020.



* وما صحة أن هجومك على حفتر أسهم في قربك من حكومة الوفاق الليبية التي نظمت لك ندوة أخيراً في طرابلس؟
أنا قريب من كل الأطراف الليبية لأنني لست طرفاً في المزاحمة السياسية الليبية ولا أنوي أن أكون في أي موقع متقدم. كما يمكنني أن أكون جسراً جيداً وبنّاءً بينهم وبين كثير من صنّاع القرار في الولايات المتحدة. وخلال زيارتي لطرابلس لم تنظم الحكومة لي أي ندوة، أنا عقدت خمس ندوات في المؤسسة الوطنية للنفط، واستضافتني ثلاث شركات نفطية والمعهد الليبي للنفط للحديث حول موضوعات ضمن تخصصي كخبير نفط ولا علاقة للحكومة بها، فهذا عملي في تكساس وليبيا وأماكن أخرى منذ سنوات طويلة ولا علاقة له بالسياسة.

* هل طالبتك الحكومة بمزيد من الهجوم على حفتر وقواته؟
لا أعتقد أن ذلك منطقي، فهم أنفسهم لا يهاجمونه، وأنا لم أفعل أكثر من الرد عليه وعلى تزويره لورقة قدمتها من خلال تكليف عندما كنت أتعاون معه، ولا أريد ذلك فليس هو أو أنا الموضوع بل دولتنا ليبيا.

* كيف ينظر الأميركيون حكومة وشعباً لشخصية خليفة حفتر؟
الناس هنا لا يعرفونه ولكن المتخصصين في الشأن الليبي لهم نظرة سلبية، وبعضهم يشبهه بالجنرال الصومالي محمد فرح عيديد، وهناك متابعة لأمور تخصه هنا لا أستغرب خروجها للسطح قريباً.

* هل ستقوم بحملة ضده في الداخل الأميركي كونك تحمل الجنسية الأميركية؟
لا يحتاج الأمر، ولا يشغلني، هو المعرقل الرئيسي للعملية السياسية، وهناك كثير من الأسئلة بخصوص دماء وخراب وأموال عامة واردة من الخارج لا بد أن يجيب عنها. وهذه ملفات موجودة على الطاولة ولا تحتاج منّي إلى جهد، ثم هناك قانونيون ليبيون يعدّون لقضية ضده في ليبيا لإزاحته من موقعه باعتبار أن القانون الليبي يمنع أصحاب الجنسية المزدوجة من تولي المناصب الحساسة، وهم لديهم ما يثبت أنه يحمل الجنسية الأميركية فلا يصح أن يكون قائداً للجيش الليبي.



* برأيك لماذا تراجع حفتر عن الحسم العسكري وقبل بالانتخابات؟
لأن "هذا الحسم" من أحلام اليقظة.

* هل تتوقع ضغوطاً دولية فعلية مورست عليه ليخضع للعملية الانتخابية؟
حدثت بالفعل.

* هل تتوقع ترشحه للرئاسة؟
بل أتمنى، وذلك حتى يعرف وزنه السياسي الحقيقي، ولكنه غالباً سيخرج من المشهد قبل الانتخابات.

* على من سيعتمد في الانتخابات حال ترشحه لذلك؟
سيعتمد على التخويف، كما أنه يعتقد أنه يحتكر التحالف مع مصر. مصر ليست بحاجة له كحليف فهي بلادنا، كل بيوتنا فيها مصري ومصرية، وفي مصر 10 ملايين من أصل ليبي. أبي روى سيناء بدمائه واستشهد على أرضها، ولم يعبر القناة على الفيسبوك مثل حفتر، ولذلك لا يمكن لمصر أن تتحمل هذا العبء الذي لا داعي له فكلنا أبناؤها ولسنا حلفاءها فقط.

* توقعت أن يكون مصير حفتر مثل الجنرال الصربي راتكو ملاديتش (حوكم كمجرم حرب بسبب جرائمه في البوسنة أيام الحروب اليوغوسلافية) أو عيديد. هل ما زلت مُصرّاً على رأيك؟
غالباً، نعم.

* في تقديرك أين سيكون حفتر في المستقبل؟
سيكون في إحدى صفحات التاريخ الليبي وبجواره صورة بنغازي المهدمة بيديه، وكما قلت ربما سيغادر المشهد حتى قبل الانتخابات.



المساهمون