رحل الأسبوع الماضي الشيخ محمد محمود الطبلاوي، آخر حبة في عنقود جيل المقرئين الكبار، الجيل الذي صنع لمصر مكانة بين جميع الدول الإسلامية في قراءة القرآن.
ولد الطبلاوي في القاهرة، في حي ميت عقبة عام 1934. بدأ، كأغلب مجايليه، في الكتّاب. وفي أكثر من حديث، ركّز الطبلاوي على أهمية الكتّاب في تحفيظ القرآن، وعن اهتمام والده بتحفيظه ودفعه مبالغ إضافية للشيخ للاعتناء بابنه أكثر من باقي الأطفال.
كان الشيخ الراحل تلميذاً مجتهداً، رغم حبه للعب "الكرة الشراب" في طفولته، إلا إنه أتم حفظ القرآن وتجويده قبل بلوغه العاشرة، وبدأ في سن الـ15 في القراءة في المناسبات العائلية والصغيرة في ميت عقبة.
ورغم موهبته الواضحة وصوته الفريد ونفسه الطويل، كانت الطريق صعبة بالنسبة لقارئ صغير وسط عمالقة المقرئين الموجودين على الساحة في ذلك الوقت. فكانت البداية كموظف في شركة ماتوسيان للدخان (الشرقية للدخان الآن)، وكانت وظيفته قراءة القرآن ورفع الآذان في مسجد الشركة. ومن هناك ذاع صيته في الجيزة والقاهرة.
يحكي الطبلاوي بنفسه، عن تلك البدايات، ويقول إنّه كان يقوم بالسير والتنقل بين البيوت ليقرأ ربعاً عند كل بيت مقابل مبلغ صغير، وأنه لا يخجل من تلك القصة، بل كانت مرحلة ضرورية وبداية السلم للوصول إلى قمة المقرئين بعد ذلك بسنوات كثيرة. هكذا بدأ طريقه الطويل بين القراءة في الوظيفة والمناسبات الدينية ومجالس العزاء في القاهرة وضواحيها.
لكن لم يصل صوته أو اسمه للدولة في ذلك الوقت للإذاعة. لكن المسؤول الفني في شركة "المنتصر"، مأمون الشناوي، سمع صوته وعرف حالاً أنّ الطبلاوي سيحصل على نصيب كبير في عالم المقرئين. هنا بدأ في محاولة دخول الإذاعة، وهو الأمر الذي بدا وكأنه أمر سهل لما يتمتع به من موهبة وإتقان، إلا أن الأمر لم يكن ذلك، واستمر يحاول ويفشل حتى نجح في المرة العاشرة، وكان اقترب من الإحباط والتفكير في التخلي عن الفكرة كلها.
ويحكي الكاتب والصحافي محمود السعدني، أنه أول مرة استمع إلى الطبلاوي كان في إذاعة الكويت، أي خارج مصر، إذ اشتهر الطبلاوي خارج وطنه الأول.
"يمتلك أحبالاً صوتية معجزة، لأنها تؤدي النغمة المستحيلة". هذا كان رأي موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب. وهذا الأخير قبل أن يكون مطرباً وملحناً ومعلماً لأجيال كثيرة، فهو "سمّيع" من الدرجة الأولى، خصوصاً أنه تلميذ لأغلب الشيوخ الكبار، وكان يهتم برأيهم الخاص في ألحانه وأدائه. وعندما كان يستصعب عليه أداء نقلات مقامية، كان يذهب إلى الشيخ علي محمود والشيخ حسن المناخلي.
وبالفعل، فإن رأي عبد الوهاب بالطبلاوي كان صائباً، إذ إنه لم يحاول تقليد أحد من الكبار مثل الشيخ محمد رفعت أو الشيخ مصطفى إسماعيل، بل كانت له طريقته الخاصة، وعمل على قدراته الخاصة من النفس الطويل، وعدم الإبهار الزائد عن الحد، والتلاوة بكل بساطة.
بدأ الطبلاوي في القراءة داخل مصر وخارجها، فسافر للعديد من الدول العربية والأجنبية لقراءة القرآن. ومن أعز الأماكن التي قرأ فيها الطبلاوي لنفسه، كان داخل الكعبة، فكان ضيفا على الملك السعودي خالد بن عبد العزيز آل سعود، وكان ذلك في وقت غسل الكعبة، وطلب منه الملك حضور الغسل وقراءة القرآن من داخل الكعبة.
لقبه الناس بقارئ الملوك والرؤساء، فكان يقرأ للملك حسين، وكان يستقبل أحسن استقبال في جميع الدول العربية. وسجل الطبلاوي المصحف للإذاعة مرتين، مرة مجوداً ومرة مرتلاً. وقد عانى كثيراً من تصنيفه من قبل الدولة، حتى أن الأنظمة المصرية لم تكرمه في حياته، رغم أنه كُرّم في عدد من الدول العربية، لذلك كان للشيخ دور هام في تأسيس نقابة المقرئين، ثم أصبح شيخ عموم المقارئ المصرية لشؤون القراءة منذ بداية الثمانينيات، ثم نقيب قراء ومحفظي القرآن في مصر.
لم يجد الطبلاوي نفسه في غناء التواشيح والابتهالات مع الفرقة الموسيقية، وكان له حوار في ذلك في التلفزيون المصري مع المذيع والممثل سمير صبري، تحدث فيه عن تلك النقطة، لكنه كان يؤدي الابتهالات من دون موسيقى، وكان بالطبع جيدا فيها، ولكن كان تركيزه أكثر مع القرآن.
اقــرأ أيضاً
ولد الطبلاوي في القاهرة، في حي ميت عقبة عام 1934. بدأ، كأغلب مجايليه، في الكتّاب. وفي أكثر من حديث، ركّز الطبلاوي على أهمية الكتّاب في تحفيظ القرآن، وعن اهتمام والده بتحفيظه ودفعه مبالغ إضافية للشيخ للاعتناء بابنه أكثر من باقي الأطفال.
كان الشيخ الراحل تلميذاً مجتهداً، رغم حبه للعب "الكرة الشراب" في طفولته، إلا إنه أتم حفظ القرآن وتجويده قبل بلوغه العاشرة، وبدأ في سن الـ15 في القراءة في المناسبات العائلية والصغيرة في ميت عقبة.
ورغم موهبته الواضحة وصوته الفريد ونفسه الطويل، كانت الطريق صعبة بالنسبة لقارئ صغير وسط عمالقة المقرئين الموجودين على الساحة في ذلك الوقت. فكانت البداية كموظف في شركة ماتوسيان للدخان (الشرقية للدخان الآن)، وكانت وظيفته قراءة القرآن ورفع الآذان في مسجد الشركة. ومن هناك ذاع صيته في الجيزة والقاهرة.
يحكي الطبلاوي بنفسه، عن تلك البدايات، ويقول إنّه كان يقوم بالسير والتنقل بين البيوت ليقرأ ربعاً عند كل بيت مقابل مبلغ صغير، وأنه لا يخجل من تلك القصة، بل كانت مرحلة ضرورية وبداية السلم للوصول إلى قمة المقرئين بعد ذلك بسنوات كثيرة. هكذا بدأ طريقه الطويل بين القراءة في الوظيفة والمناسبات الدينية ومجالس العزاء في القاهرة وضواحيها.
لكن لم يصل صوته أو اسمه للدولة في ذلك الوقت للإذاعة. لكن المسؤول الفني في شركة "المنتصر"، مأمون الشناوي، سمع صوته وعرف حالاً أنّ الطبلاوي سيحصل على نصيب كبير في عالم المقرئين. هنا بدأ في محاولة دخول الإذاعة، وهو الأمر الذي بدا وكأنه أمر سهل لما يتمتع به من موهبة وإتقان، إلا أن الأمر لم يكن ذلك، واستمر يحاول ويفشل حتى نجح في المرة العاشرة، وكان اقترب من الإحباط والتفكير في التخلي عن الفكرة كلها.
ويحكي الكاتب والصحافي محمود السعدني، أنه أول مرة استمع إلى الطبلاوي كان في إذاعة الكويت، أي خارج مصر، إذ اشتهر الطبلاوي خارج وطنه الأول.
"يمتلك أحبالاً صوتية معجزة، لأنها تؤدي النغمة المستحيلة". هذا كان رأي موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب. وهذا الأخير قبل أن يكون مطرباً وملحناً ومعلماً لأجيال كثيرة، فهو "سمّيع" من الدرجة الأولى، خصوصاً أنه تلميذ لأغلب الشيوخ الكبار، وكان يهتم برأيهم الخاص في ألحانه وأدائه. وعندما كان يستصعب عليه أداء نقلات مقامية، كان يذهب إلى الشيخ علي محمود والشيخ حسن المناخلي.
وبالفعل، فإن رأي عبد الوهاب بالطبلاوي كان صائباً، إذ إنه لم يحاول تقليد أحد من الكبار مثل الشيخ محمد رفعت أو الشيخ مصطفى إسماعيل، بل كانت له طريقته الخاصة، وعمل على قدراته الخاصة من النفس الطويل، وعدم الإبهار الزائد عن الحد، والتلاوة بكل بساطة.
بدأ الطبلاوي في القراءة داخل مصر وخارجها، فسافر للعديد من الدول العربية والأجنبية لقراءة القرآن. ومن أعز الأماكن التي قرأ فيها الطبلاوي لنفسه، كان داخل الكعبة، فكان ضيفا على الملك السعودي خالد بن عبد العزيز آل سعود، وكان ذلك في وقت غسل الكعبة، وطلب منه الملك حضور الغسل وقراءة القرآن من داخل الكعبة.
لقبه الناس بقارئ الملوك والرؤساء، فكان يقرأ للملك حسين، وكان يستقبل أحسن استقبال في جميع الدول العربية. وسجل الطبلاوي المصحف للإذاعة مرتين، مرة مجوداً ومرة مرتلاً. وقد عانى كثيراً من تصنيفه من قبل الدولة، حتى أن الأنظمة المصرية لم تكرمه في حياته، رغم أنه كُرّم في عدد من الدول العربية، لذلك كان للشيخ دور هام في تأسيس نقابة المقرئين، ثم أصبح شيخ عموم المقارئ المصرية لشؤون القراءة منذ بداية الثمانينيات، ثم نقيب قراء ومحفظي القرآن في مصر.
لم يجد الطبلاوي نفسه في غناء التواشيح والابتهالات مع الفرقة الموسيقية، وكان له حوار في ذلك في التلفزيون المصري مع المذيع والممثل سمير صبري، تحدث فيه عن تلك النقطة، لكنه كان يؤدي الابتهالات من دون موسيقى، وكان بالطبع جيدا فيها، ولكن كان تركيزه أكثر مع القرآن.
ورغم رأيه هذا لم ير يوماً في الموسيقى حراماً، بل عبّر في أكثر من مناسبة عن حبه لصوت أم كلثوم وأسمهان وسعاد محمد.
اعتزل الطبلاوي القراءة بعدما بدأت عليه آثار التعب والشيخوخة ومرض السكري، مما أثر على حنجرته، فقرر الاعتزال، لكنه ظل القرآن صديقه الأقرب، فكان يختم المصحف كل أسبوع، ويجلس وسط أحفاده، فللشيخ 10 أبناء، وأكثر من 30 حفيدا، وابنه محمد اتخذ طريق والده وأكمل المسيرة.