أي نعم، ملف انتقال محرز، يشبه إلى حد بعيد، المسلسلات التي تأبى أن تنتهي، وتتجدد فصولها وتتكرر حلقاتها، لدرجة تصيب المتتبع بالملل ورغبة في التثاؤب، كما تصيب الصحافيين بالتعب من كثرة الإشاعات وتضارب التقارير، لكنني شخصيا، لا أتمنى أن يغلق هذا الملف بانتقال محرز إلى نادي ليفربول.
الأمر ليس رياضيا بتاتا، إمكانات محرز تسمح له باللعب في أي نادٍ، فليس بمقدور أي لاعب أن يقود نادياً مثل ليستر سيتي الذي كان أمله لعقود من الزمن منصبّاً على البقاء في الدوري الممتاز، وفي الحد الأقصى أن يصل إلى الأدوار المتقدمة في منافسات الكؤوس، والأمر لا يتعلق بكون محرز أكبر من نادٍ بحجم ليفربول، فهذا الأخير يبقى أحد عمالقة أوروبا وليس إنكلترا فحسب، ومسرح "الأنفيلد" شاهد على العديد من الإنجازات، ولكن الأمر يتعلق بالجماهير العربية.
نعم، انتقال محرز إلى ليفربول ومجاورته للمتألق المصري محمد صلاح سيخلق جوا مشحونا في وسائل التواصل الاجتماعي بين الجمهورين الجزائري والمصري، خاصة أن النجمين يحظيان بمتابعة واسعة وتدليلاً منقطع النظير، ومن الطرفين، حتى لا توجه أصابع الاتهام لأي طرف.
البداية ستكون بالمدرب الألماني يورغن كلوب، ستوجه له اتهامات بالعنصرية، فاللاعبان ينشطان في المركز نفسه، وبالتالي لو فكر وأجلس المدرب أحدهما وأشرك الآخر، فإن جمهور اللاعب المبعد لن يسكت، وسيعتبر الأمر عنصرية ومحاباة.
أما في الحالة الثانية وهي الواردة جدا، إذا نجح كلوب في إيجاد توليفة تكتيكية، تجمع النجمين العربيين معا في الملعب، فإن كل تحرك من أي منهما، سواء كان تمريرة أو كرة حاسمة، ستوضع تحت المجهر، تفحص وتمحص بالتدقيق، وتدرس دراسة كاملة، لعلها تحمل تغاضياً عن النجم الآخر، ولو فضل التسديد على التمرير، فسيعتبر أنانياً يريد أن ينجح وحده، أما لو مررها لساديو ماني أو فريمينيو، فإنها مؤامرة تُحاك في الخفاء لإبعاد زميله.
والحالة الثالثة، فإنه أي استفتاء، لا بد من إبعاد النجمين العربيين، فلو حضر الاثنان، فمن المعلوم بل من المؤكد، ستكون المعركة حامية الوطيس، ومشاركة رابط التصويت عبر مواقع التواصل الاجتماعي سيكون قياسياً، حتى يفوز ابن البلد بهذا الاستفتاء، فحتى لو تعلق هذا الأخير بجائزة أحسن حارس ووضع اسمهما خطأ، فحتما سيفوز بالجائزة أحدهما أو كليهما مناصفة.
الحقيقة أن التعصب الرياضي، يفسد الهدف السامي للرياضة، خاصة بين شعبين كبيرين مثل الشعبين الجزائري والمصري، فقد جربنا ما تجره الخلافات الكروية على الشعوب، واستسغنا مرارة ذلك من قبل، وهو ما نتمنى ألا يتكرر ويدخل الشعبين في متاهة، هم في غنى عنها.
الثنائي يعد مثالا لمعنى التحدي، فكلاهما بدأ من الصفر، عمل واجتهد، وكلاهما لم يعانق سماء التألق والنجومية ببساطة، ولم يفرش لهما البساط الأحمر، إلا بعد أن مشيا في الطرق الوعرة، وبدل نصرتهما عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لا بد من تشجيعهما، تشجيع صلاح على معانقة المجد كما فعل محرز من قبل، وقيادة ليفربول إلى تحقيق الدوري الإنكليزي الممتاز، والحصول على جائزة أحسن لاعب في إنكلترا، ونفس الأمر لمحرز أن يتمكن من حمل المنتخب الجزائري إلى منصات التتويج القاري ما دام اللعب على المونديال بعيدا، حتى مونديال 2022 في قطر، والأهم من ذلك تقفي آثارهما، وكتابة نجاح آخر في حياة كل عاشق لهما، بالإيمان أن النجاح لا يولد مع الإنسان، بل يكتسب بعرق الجبين.