محجوبون ولكن..!

08 اغسطس 2017
+ الخط -
عندما بدأت السلطات المصرية في حجب عدد من المواقع الإخبارية، منذ قرابة الثلاثة أشهر، ظننت أن الأمر مزحة سيئة سنتجاوزها حتمًا، وفي الأيام الأولى كنت أقول للأصدقاء إن الأمر لن يتجاوز "قرصة ودن" كما نقولها بالمصري، وستعود المواقع كافة إلى العمل من جديد، فأي نظام إلى هذه الدرجة هش لكي يحجب مواقع أغلبها نخبوي، وأغلب جمهورها يعرف كيف يتجاوز الحجب بأساليب بسيطة، ولكني كنت مخطئًا بشدة عندما ظننت الفطنة في هذا النظام لوهلة، كنت غبيًا تمامًا كالنظام.

كان الأمر مثيرًا للسخرية في الأيام الأولى، حتى أن بعض المواقع عادت للعمل في ساعات قليلة في أيام متتالية ثم حُجبت من جديد، وكأن النظام نفسه لا يعرف كيف يتعامل مع وسائل التكنولوجيا الحديثة، بعد ذلك لم يعد الأمر مضحكًا أبدًا، فبشكل شخصي، أعرف العديد من الأصدقاء الذين فقدوا وظائفهم، أو يتعرضون لخطر الطرد في أي لحظة بسبب هذا القرار الطائش، وأنا مثلهم بكل تأكيد، فهناك مئات الأشخاص مثلي لقمة عيشهم في القلم والتدوين والكتابة، لا يملكون مهارات أخرى يطلبون من خلالها الرزق، فجاء قرار غلق المواقع قطعًا لأرزاق الكثيرين منّا، هناك من نجا، وهناك من يحاول.

سعى النظام العسكري في مصر بعد أحداث 30 يونيو إلى تكميم الأفواه بالطرق كافة، وإلى تسييس الأدوات الإعلامية والصحافية وصبّها في صالح النظام وتأييده، وما دون ذلك فالتهمة جاهزة وأوراق القضايا لا تنضب والسجون لا تنتهي، من يُعارض بأي شكل كان يواجه تهم الانتماء لجماعة إرهابية، أو تشويه سمعة الدولة، أو غيرها من التهم الجاهزة، كما سعى كذلك لتسييس الأحكام القضائية، والزج بمؤسسة القضاء في أمور متعلقة بمصطلحات الخيانة وبيع الوطن بالقطعة، كما هو الأمر في قضية تيران وصنافير، وصل الفُجر إلى عزل القضاة من مناصبهم لإبدائهم رأي معارض لرأي السلطة في القضية المذكورة.

ظننت مرة أخرى أن تقل شدة الوطيس بعد أن ينجح النظام في مساعيه لتسليم الأراضي المصرية للمملكة العربية السعودية، ولكني كنت مخطئًا من جديد، على ما يبدو أن النظام الحالي اتخذ قرارًا بالقمع حتى النهاية، واتباع الحلول الأمنية السهلة بدلاً من التفاوض والحوار، ولن يرتكب خطأ الأنظمة السابقة بترك مساحة صغيرة من حرية إبداء الرأي وتداول المعلومات والسماح بهامش بسيط من المعارضة الخجلة، حتى أنه حجب مؤخرًا الموقع الرسمي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أحد أهم وأكبر المنصات الحقوقية في الوطن العربي.

وعلى الرغم من حجب أغلب منصات حرية التعبير والرأي، وتلك المنصات الشبابية التي يدوّن عليها ويعمل بها جيل شباب الثورة المصرية، إلا أن الشباب لم يتوانَ ولم يستسلم ووجد الطرق البسيطة لتجاوز الحجب، وأكمل في مسيرة التدوين على مواقع التواصل الاجتماعي، وهنا يأتي التحدي الجديد للنظام، فهو يستطيع أن يحجب المواقع الإخبارية ومنصات الرأي والتدوين؟ ولكن هل بيده أن يغلق مواقع التواصل الاجتماعي؟

في رأيي أنه لا شيء بعيد عن هذا النظام، خاصة أن السلطات المصرية حجبت مواقع التواصل الاجتماعي قبل ثورة يناير، ولكن التساؤل الحقيقي، هل يسعى النظام الحالي لفرض سيطرته بالكامل وتكميم الأفواه كليًا وغلق منابع التعبير الأخيرة المتمثلة في مواقع التواصل الاجتماعي؟ هل يعود النظام الحالي إلى حقبة الستينيات ونرى ناصرًا جديدًا تُغنى من أجله الأغنيات، وينافقه المنافقون، ويخشاه أصحاب الحق، وما دون ذلك إما قتلى أو بين جدران السجون؟

9628E6BB-A80A-49AD-9AB2-C39BB427817E
مصطفى الأعصر

خريج كلية الإعلام 2013، يعمل بالصحافة منذ عام 2009، كتب للعديد من الجرائد والمجلات والمواقع المصرية والعربية، شارك في كتابة وإخراج عدد من الأفلام القصيرة. يعمل بالتعاون مع مراكز بحثية حقوقية.