محاولة تذكّر

29 يناير 2016
محمد عبلة/ مصر
+ الخط -

محاولة تذكّر ما جرى نهاية شباط/ فبراير 2011: على عتبات نقابة الصحافيين المصرية، وحيث درجات سلّمها الشاهق، يصعد إليه فلاحون، وطلبة، عمال يومية، وسائقو "توكتوك".

كنت واقفاً بانتظار أشقاء عرب، زملاء مهنة، أتوا للكتابة والتصوير، وإعداد تقرير حول السلم العريق، وحوار مع "عمنا"، واللقب اختارته الجماعة الصحفية المصرية للزميل الأعز، محمد عبد القدوس، مقرّر لجنة الحريات في النقابة، الذي حول العتبات لمنصة متاحة لعشرات من الباحثين عن الحرية، والعيش، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، قبل أن يزأر بها الملايين في ميادين وشوارع مصر، بداية من ميدان الشون بالمحلة الكبرى، في دلتا مصر، ومروراً بأربعين السويس الباسلة، شرق البلاد، ووصولاً إلى "القائد إبراهيم" بالإسكندرية، شمالاً، وحتى مرحلة الإرهاصات الأولى لـ "عبد المنعم رياض"، المؤدي إلى "التحري"، رمز الثورة الأكبر.

باغتتني مذيعة قناة النيل الثقافية المصرية، بطلب الحديث عن تأثير ثورة 25 يناير، على المشهد الثقافي المصري، ودور النخبة المثقفة في التمهيد للثورة، وعلى حاشية سؤاليها، ثرثرت كثيراً حول "الريادة الثقافية المصرية"، ومقولات عصر ينتمي إلى إعلام صفوت الشريف، ومفردات على شاكلة الريادة، والسيادة، وصدمتها بأنني لم أكن أرى في المشهد، إلا البلادة، والبيادة، والانزواء، والانطفاء، وما شئت من مفردات كان الواقع يؤكد دقتها وصحتها، عن اختفاء التأثير الثقافين بفعل الانكفاء على مماحكات ثقافية، وترويج لفكرة مهرجانات لا هدف لها، سوى وهم تكريس الوجه الثقافي لنظام، اختار وزراء ثقافته وإعلامه من "الحظيرة"، بحسب وصف آخر وزير للثقافة في عهد المخلوع مبارك.

على وقع صدمة المذيعة، قلت لها: التأثير الثقافي المصري الحقيقي، يستعيد عافيته الآن، من على بعد أمتار قليلة من مكان وقوفنا في مبنى النقابة، يلّخصها الهتاف الأشهر، الشعب يريد إسقاط النظام، سارياً في جسد الثورة العربية، مشعلاً ميادينها.

التأثير لن تصنعه النخبة المحنطة، لكن تصنعه عفوية الحناجر الشابة، ومنها سيكتب الشعر، والرواية، والقصة، سيسمع الغناء، وتشاهد السينما، كما ينبغي أن تكون.

صمتت المذيعة، وأنهت فقرتها، ويممت وجهي شطر التحرير.


اقرأ أيضاً: "فراعنة مصر الحديثة": معادلات السلطة لا تتغيّر

المساهمون