محاولة الانقلاب تسرّع وتيرة التقارب الروسي التركي

31 يوليو 2016
بوتين يستقبل أردوغان في 9 أغسطس بسانت بطرسبورغ(الأناضول)
+ الخط -
زادت محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، في 15 يوليو/تموز 2016، من وتيرة التقارب بين موسكو وأنقرة، على الرغم من الانطباع الذي كان سائداً بأن طريق المصالحة سيكون طويلاً. 
ويستقبل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، في مدينة سانت بطرسبورغ، في 9 أغسطس/آب المقبل، وسط توقعات بأن يسفر اللقاء عن الاتفاق على التطبيع الكامل للعلاقات الاقتصادية وتحقيق مشاريع كبرى مثل "السيل التركي" لنقل الغاز.

وقبل أيام، شهدت موسكو محادثات رفيعة المستوى بين نائبي رئيسي الوزراء الروسي، أركادي دفوركوفيتش، والتركي، محمد شيشميك، اتفقا خلالها على استئناف الحوار حول "السيل التركي"، الذي سيتيح لروسيا الحد من اعتمادها على أوكرانيا في نقل الغاز إلى أوروبا، وسيساعد تركيا بدورها، في تحقيق طموحاتها في أن تصبح مركزاً إقليمياً لعبور الغاز، وسط توقعات بأن تبدي أنقرة مرونة في قبول شروط روسيا وتقدم تنازلات أكبر.

ويشير كبير الباحثين في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فيكتور ناديين-رايفسكي، إلى أن تطبيع العلاقات بين موسكو وأنقرة بدأ منذ اعتذار أردوغان عن واقعة إسقاط الطائرة الحربية الروسية، لكن محاولة الانقلاب دفعت بتركيا نحو الإسراع في التقارب مع روسيا. ويقول ناديين-رايفسكي لـ"العربي الجديد" إن "محاولة الانقلاب أسفرت عن تدهور علاقة تركيا مع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ووجدت أنقرة نفسها في عزلة، في الوقت الذي كانت موسكو تتطلع فيه، هي الأخرى، إلى إلغاء العقوبات الاقتصادية بحق أنقرة، لأنها سلاح ذو حدين، والاقتصاد الروسي تضرر منها أيضاً". ويلفت إلى أنه "في حال قررت تركيا تطبيق عقوبة الإعدام، سيقضي ذلك على فرصها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وحتى إذا لم تقدم على ذلك، فإنها ستواجه أيضاً انتقادات بسبب الاعتقالات والتضييق على الإعلام. أما موسكو، فتعتبر ذلك شأناً داخلياً تركياً على الرغم من أن روسيا نفسها ملتزمة بوقف تطبيق عقوبة الإعدام".

ومنذ منتصف العقد الأول من القرن الـ21، تعتمد روسيا في سياستها ما يعرف بمبدأ "الديمقراطية السيادية"، الذي يرفض أن يكون للنظام الداخلي في البلاد تأثير على العلاقات الخارجية. وبعد يومين على محاولة الانقلاب، سارع بوتين، في 17 يوليو/تموز، للاتصال بأردوغان، ليؤكد له على "رفض روسيا القاطع للأعمال غير الدستورية والعنف في حياة الدولة".


وكان لمحاولة الانقلاب أصداء مختلفة في روسيا. وسارعت الأوساط الليبرالية والمعارضة الروسية لربط الأحداث في تركيا بالمشهد السياسي الداخلي في روسيا. في هذا الصدد، يصف الكاتب والصحافي المعارض، أوليغ كاشين، في مقال على موقع "سلون.رو"، محاولة الانقلاب في تركيا باعتبارها "أهم أحداث السياسة الداخلية الروسية هذا العام"، مشيراً إلى أن الثورات والانقلابات في الدول الأخرى كان لها تأثير كبير على الشؤون الداخلية الروسية خلال فترة حكم بوتين بأكملها. ويذكّر كاتب المقال بأن "ثورة الورود" في جورجيا، في العام 2003، و"الثورة البرتقالية" في أوكرانيا، في العام 2004، حددتا طبيعة السياسة الداخلية في روسيا في العقد الأول من القرن الـ21، إذ "جرى توظيف إمكانات مالية وإدارية هائلة لمكافحة التهديد البرتقالي، إذ كان يتم تأسيس حركات شبابية موالية للكرملين وإعادة هيكلة الإعلام وتعديل المنظومة الانتخابية"، على حد قوله.

وفي السياق نفسه، يعتبر كاشين أن أحداث "الربيع العربي" في عام 2011، أثرت على المشهد السياسي في العقد الثاني من القرن، ويضيف في مقاله أن "الثورتين في تونس ومصر وبصفة خاصة الإطاحة (بنظام العقيد معمر) القذافي في ليبيا، أرغمت بوتين على إنهاء ألاعيب التحديث مبكراً، ورفض ترشح ديمتري مدفيديف للولاية الرئاسية الثانية التي كان يطمح فيها". وشغل بوتين منصب رئيس روسيا لولايتين بين عامي 2000 و2008، ثم غادر الكرملين لمدة 4 أعوام شغل فيها منصب رئيس الوزراء، قبل أن يعود إلى الرئاسة في عام 2012 من جديد.

وبعد الأحداث الدراماتيكية في تركيا، أثيرت تساؤلات حول احتمال تكرار مثل هذا السيناريو في روسيا في حال حدوث انقسام في النخب. إلا أن تقريراً لمركز "كارنيغي" في موسكو، يشير إلى أن حالات الانقلابات العسكرية ليست موزعة بشكل متكافئ بين دول العالم. ويوضح كاتب التقرير، ألكسندر باونوف، أنه "خلال آخر 100 عام، وقعت 7 انقلابات عسكرية في الأرجنتين، و6 في كل من موريتانيا وباكستان، و14 في بوليفيا، و21 في تايلاند، و7 في تركيا، آخرها فاشل"، على حد وصفه. ويشير باونوف إلى أن "روسيا تنتمي، كما نرى، إلى مجموعة الدول التي توقفت فيها الانقلابات العسكرية منذ أمد طويل، ويمكن القول إن آخر محاولة وقعت في 14 ديسمبر/كانون الأول 1825". يذكر أن الإمبراطورية الروسية شهدت في عام 1825 محاولة انقلاب فاشلة قامت بها مجموعة من النبلاء وكان كثيرون منهم من ضباط الحرس الإمبراطوري، في ما عرف تاريخياً بـ"ثورة الديسمبريين".